ارشيف من : 2005-2008

التبادلية تجاه العدو عامل قوة فلسطينية

التبادلية تجاه العدو عامل قوة فلسطينية

تنكشف الساحة الداخلية الفلسطينية أكثر فأكثر على جملة من الأخطار المحدقة بها، ليس اقلها الوقوع في الفخ والآمال الإسرائيلية بان يسقط الفلسطينيون في القتال الداخلي لإنهاء آخر ما لديهم من مقومات دفاعية أمام العدوان والهيمنة والاحتلال الإسرائيلي.. فالتعدد في الرؤية والموقف ما بين فصائل المقاومة الفلسطينية عامة، وحركة حماس خاصة، وبين موقف ورؤية السلطة الفلسطينية، يدفع في كثير من الأحيان إلى تضارب في المصالح بين الطرفين، بحيث تصبح قوة طرف على حساب طرف آخر.. والتطورات السياسية والميدانية الحالية على الساحة الفلسطينية تحاكي إلى حد كبير مواطن الخلاف والتعارض الظاهر بينهما.‏

وما يعزز من خطورة الواقع ، أن هناك بعض من القيادات الفلسطينية، على خلفية تهور أو لامبالاة للمصلحة الفلسطينية العليا، يدفعون بطريقة أو بأخرى نحو التصادم المقيت. الأمر الذي يفتح الساحة الداخلية الفلسطينية على ما لا يحمد عقباه.‏

ان الوحدة الوطنية هي واجب ومطلب يتوجب على الجميع الحرص عليه في المرحلة الحالية، كما هو الحال في كل مراحل العمل السياسية والجهادية في مسيرة الانتفاضة ومواجهة الاحتلال، لكن بحكمة وعدم مغالاة ودون استغلال أيضا، فتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية مطلوب لذاته ويتطلبه كل تحرك سياسي أو جهادي في مواجهة العدو، من دون الوقوع في محظور استغلال الحرص على الوحدة بهدف تقييد العمل المقاوم، بحيث يجري اخماد المقاومة ومحاربة المجاهدين وانهاء القوة الفلسطينية شبه الوحيدة المتبقية، خوفا على الوحدة ، إذ لا يفترض بها ان تكون غطاءا لاخماد المقاومة، لما لذلك من اضرار وتداعيات سلبية كارثية على اصل القضية الفلسطينية.‏

الخلاف الظاهر بين الأطراف الفلسطينية المختلفة يتمحور في نقطتين أساسيتين في المرحلة الحالية، الأولى تتعلق بمفهوم التبادلية بما خص التهدئة، والثانية تتعلق بخصوص التشاور حول كيفية التعامل مع خروقات العدو.. ومن المفيد في ذلك الاشارة إلى المطلبين التاليين:‏

لجهة التبادلية‏

التهدئة من دون اشتراط التبادلية، أي مواجهة اعتداءات العدو باعمال كفيلة بلجمه، يحولها من خطوة حكيمة تتطلبها الظرف السياسي والوحدة الوطنية الفلسطينية، إلى حالة من الخضوع التام للاملاءات الإسرائيلية، وتفرغها من مضمونها وجدواها، بحيث تتحول من ناحية عملية إلى نوع من الاستسلام للعدو. والتخلي عن شرط التبادلية والقدرة على ايلام العدو حال اعتداءاته، يؤدي إلى اضعاف الموقف الفلسطيني عامة، من ضمنه الموقف الرسمي والمفاوض أيضا، إضافة إلى ان ذلك سيطلق يد إسرائيل ويجعلها أكثر عدوانية طالما انها لن تضطر إلى موازنة أعمالها نتيجة الأثمان التي تتوقع ان تتلقاها بسببها.. فالأمان الإسرائيلي من تداعيات اعماله واعتداءاته سيدفعه بالتأكيد على مزيد من الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.‏

إضافة إلى ذلك، فان التخلي عن شرط التبادلية مع العدو، سيعني ان العدو قد حقق هدفه السياسي من وراء عمليات القتل والتدمير التي قام بها طوال فترة الانتفاضة، كما سيعني إضاعة لكل إنجازات الشعب الفلسطيني وتضحياته خلال السنوات الماضية منذ العام 2000.‏

لجهة التشاور‏

في الوقت الذي تصر فيه فصائل المقاومة الفلسطينية على تفعيل شرط التبادلية مع العدو، تقوم بعض من الأصوات الفلسطينية في الآونة الأخيرة، وتحديدا جهات في السلطة الفلسطينية، بالمطالبة بضرورة التشاور والتنسيق مع السلطة قبل القيام باي رد على اعتداءات العدو.‏

وعلى الرغم من ان اصل التشاور والتنسيق فيما بين الفصائل الفلسطينية وفيما بينها وبين السلطة الفلسطينية هو موضوع مطلوب وله ايجابيات كبيرة جدا اذا ما وضع في اطاره الصحيح والابتعاد عن النيات المغرضة المبيتة للبعض.. إذ ان حسنة التشاور والتنسيق مشروط بالهدف المراد تحقيقه من خلال هذه التشاور.. فإذا كان المطلوب هو تشخيص وتحديد التوقيت والاسلوب والاهداف مع اخذ الظروف المختلفة بعين الاعتبار، فان الارادة من وراء هذا المطلب ستكون حسنة وحكيمة، اما في حال أريد للتشاور والتنسيق تقييد اعمال المقاومة وردات فعلها المشروعة في اطار مبدأ التبادلية المشار اليه، فان ذلك يشكل طعنا والتفافا على اصل المقاومة.‏

إن مبدأ التبادلية هو المسلك شبه الوحيد في هذه الفترة القادر على لجم العدو فعليا عن ممارسة اعتداءاته واعماله الاجرامية، وهو مبدأ على كل الفصائل والاطراف الفلسطينية المحافظة عليه، باعتباره ضرورة تقتضيها المصلحة الوطنية الفلسطينية لا يمكن التخلي عنها ايا كانت الظروف والمستجدات السياسية.. ومع عدمه فان ذلك يعني استسلاما للعدو ولاملاءاته... وعلى الرغم أيضا من ان مبدأ التشاور والتنسيق له فوائد، الا انه لا يجب ان يتحول إلى غطاء لمنع المقاومة من قيامها بواجبها بالدفاع عن نفسها وعن شعبها..‏

يحيى دبوق‏

2006-10-30