ارشيف من : 2005-2008

القرار 1559 بين رايس ودوست بلازي:خلافات بين أصدقاء؟

القرار 1559 بين رايس ودوست بلازي:خلافات بين أصدقاء؟

كتب محمود ريا‏

كان التناغم واضحاً خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي مع نظيرته الأميركية غوندليزا رايس، إلا أن ذلك لم يمنع الوزير الفرنسي من الحديث عن وجود خلافات بين أصدقاء حول قضايا لم يحددها، ما يجعل ما قيل عن "انسحاق" فرنسي أمام الأميركيين في هذه المرحلة أمراً بعيداً عن الواقعية.. حتى يثبت العكس.‏

انطلاقاً من ذلك يمكن استمرار الحديث عن وجود خلافات بين الأميركيين والفرنسيين حول العديد من الملفات، وربما يقف على رأسها الملف اللبناني، حيث تتباين النظرتان الفرنسية والأميركية حول هذا الموضوع، دون أن يعني ذلك خروج أي من النظرتين من الإطار الذي حدده القرار 1559 للتعامل معه،، ولا سيما في النقطة المتعلقة بـ "نزع سلاح الميليشيات" وسلاح المخيمات الفلسطينية.‏

والافتراق في النظرة إلى هذا الملف له ما يبرره، وهو ناتج عن إقرار الفرنسيين، والأروروبيين من ورائهم، بضرورة التعامل مع الوقائع التي أفرزتها الانتخابات النيابية، ولا سيما فيما يتعلق بالانتصار الكبير الذي حققه حزب الله في هذه الانتخابات، والنتائج المهمة التي حققها على الصعيد الشعبي.‏

ويرى الأوروبيون في هذه المعطيات مانعاً من الانسياق وراء الدعوة الأميركية لوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، متسائلين عن المنطق في أن يكون حزب يمتلك هذه الشعبية ولديه هذا العدد من النواب والمناصرين على الأرض حزباً إرهابياً، معتبرين أن الحزب الإرهابي يكون حزباً معزولاً دون مؤسسات فاعلة وبعيد عن الانخراط في الواقع السياسي في بلاده، وهذا ما يجعل كل المحددات التي يمكن وضعها للتفريق بين التنظيم الإرهابي وغيره قاصرة عن تحميل حزب الله الصفة الإرهابية.‏

كل هذه الحقائق ترفض الولايات المتحدة الاعتراف بها، كما ترفض الدعوة الأوروبية إلى التعامل مع حزب الله على قاعدة ممارسة الضغط الإيجابي عليه، بما يدفعه إلى التخلي التدريجي عن سلاحه، بعد أن يجد نفسه منخرطاً بقوة في كل مؤسسات النظام اللبناني.‏

وتريد الولايات المتحدة التعامل مع الحزب كتنظيم خارج على القانون ومحاصرته ودفعه دفعاً إلى التخلي عن سلاحه، لا بل إنها لا تمانع في دفع قوى لبنانية أخرى إلى التورط في مواجهة ـ سياسية وحتى عسكرية ـ مع حزب الله من أجل دفعه للتخلي عن سلاحه.‏

وفي هذا الإطار يأتي ما قيل عن دعوة وجهت إلى شخصيات سياسية معينة للقيام بزيارة رسمية قريبة إلى الولايات المتحدة الأميركية من أجل الالتقاء مع كبار المسؤولين الأميركيين (لا يستبعد أن تكون رايس من بينهم) والتباحث في آفاق المرحلة المقبلة في لبنان.‏

وقد سرّبت مصادر إعلامية عديدة سيناريوهات حول "اختيار" الإدارة الأميركية لهذه الشخصيات كي تقوم بدور الواجهة في المواجهة مع حزب الله، بعد تمنّع قوى أخرى عن المخاطرة ـ حتى الآن ـ في إعلان موقف حاسم من سلاح المقاومة، ولا سيما القوى التي كان يعوّل عليها أميركياً في هذا المجال.‏

والملاحظ أن مسرّبي هذه السيناريوهات بمجملهم من المقرّبين من الأوساط الأميركية، وهم يبررون اختيار هذه الشخصيات لهذه المهمة وتسليمه زمام العمل من أجل تنفيذ الأجندة الأميركية في لبنان بالمواقف التي تحملها تجاه موضوع سلاح المقاومة ورفضها الدائم لبقاء سلاح "غير شرعي" في موازاة سلاح الشرعية اللبنانية المتمثل بالجيش اللبناني.‏

إلا أن هذه السيناريوهات، وإن كانت تتلاءم مع بعض الوقائع الظاهرية ـ وعلى رأسها المعلومات عن الزيارة القريبة إلى الولايات المتحدة ـ فإنها ما تزال بحاجة إلى الكثير من المعطيات التي تثبّت مصداقيتها، وينبغي معرفة مدى استعداد هذه الشخصيات للدخول في معمعة المواجهة مع حزب الله، ما يخلق احتمال حصول شرخ كبير، بشكل لا يمكن أن يتوافق مع الرؤية الأميركية الهادفة إلى توحيد اللبنانيين في إطار مشروع أميركي واحد.‏

إن التعامل مع هذه المعطيات يوضح أن هناك نوعاً من الارتباك ـ الفعلي أو المقصود ـ في التعاطي الأميركي مع الملف اللبناني، ولا سيما ملف سلاح حزب الله، وقد يكون لهذا الارتباك دوره في عدم خلق ضغط حقيقي وفاعل على أوروبا من أجل السير في ركاب المخطط الأميركي الموضوع لهذا الأمر، ومن هنا يمكن فهم سماح الوزير الفرنسي لنفسه بالاحتفاظ بهامش من المناورة عبر عنه بالحديث عن "خلاف الأصدقاء" مع رايس.‏

إلا أن هذا لا ينفي ـ بالمطلق ـ وجود شيء ما يخطط في الخفاء، ويأخذ من كل هذه التطورات التي تحصل على الساحة اللبنانية على الصعيدين السياسي والأمني مرتكزات لتطبيق سياسة مرسومة مسبقاً، مع الحفاظ على هامش تغيير بعض الخطوات والطرق، دون الوصول إلى مرحلة تغيير الأهداف التي تبقى هي نفسها لكل من الجانبين الأميركي والفرنسي، وهي استكمال الانقلاب السياسي في لبنان، ونزع سلاح المقاومة الذي يضايق "إسرائيل" (بالنسبة للأميركيين) ويشوّش على عملية التسوية (كما يرى الأوروبيون).‏

2006-10-30