ارشيف من : 2005-2008
مواجهات شبعا لن تكون الأخيرة
كيف تعاطى العدو الإسرائيلي، سياسيا وإعلاميا، مع المواجهات التي نشبت بين جيش الاحتلال وبين مجاهدي المقاومة الإسلامية في منطقة مزارع شبعا، ولماذا؟.
يمكن لأي مراقب أن يلحظ بسهولة بأن التعاطي السياسي والإعلامي الإسرائيلي مورس بشكل موجَّه ومدروس وبأنه ارتكز إلى رؤية وتقدير سياسيين حدَّدا للعدو الأهداف التي ينبغي السعي لتحقيقها من خلال تجيير طابع هذه المواجهات بما يحقق هذه الأهداف. نقطة البداية لهذا التعاطي يمكن تشخيصها باعتماد المؤسسات والمراسلين الإعلاميين الإسرائيليين للرواية التي زوّدها بها لجيش الإسرائيلي على أساس أنها حقيقة لا يرقى إليها شك.
المقولات التي سعى العدو لإشاعتها وتثبيتها هي: أن حزب الله كان المبادر وبأنه تجاوز الخط الأزرق وهذا ما برز في ما أعلنه الجيش الإسرائيلي بأنه "رصد مجموعة تابعة لحزب الله وهي تخرق الخط الأزرق" أضف إلى ما أُعلن لاحقا عن أن هذه المجموعة حاولت اسر جنود إسرائيليين.
لما كان التعاطي مع رواية الجيش الإسرائيلي على أساس انه الحقيقة كان من الطبيعي أن تتجه تحليلات المعلقين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين في تفسير ما حدث وتحديد دوافع حزب الله نحو مروحة واسعة من الاحتمالات، بين من ربط ما جرى بخطة فك الارتباط عن قطاع غزة معتبرا أن الهدف هو حجز اكبر قدر ممكن من قوات الجيش الإسرائيلي المنهك أصلا بعدد لا يحصى من المهام المرتبطة بفك الارتباط للظهور مجددا في نظر العالم العربي كمن يدفع "إسرائيل" للإنسحاب تحت النار!!(معاريف/ عمير ريبابورت/ 30/6/2005)، وبين من اعتبر أن حزب الله يستغل انشغال "إسرائيل" بفك الارتباط "للإرتقاء درجة في المنطقة" - بحسب تعبيره - فضلا عن اعتبار أن العملية هي تحد للحكومة اللبنانية المعتدلة التي ستتشكل وللأميركيين... (يديعوت احرونوت/ البروفيسور ايال زيسر/ رئيس قسم الشرق الاوسط في جامعة تل ابيب والخبير بالشؤون السورية/30/6/2005)....
واستطرادا لا بد من الإشارة إلى محاولة التذاكي التي لجأ إليها البعض على الساحة اللبنانية في تبنيه للرواية الإسرائيلية عبر ادعائه أن هناك روايتين إحداهما لبنانية (المقاومة) وأخرى دولية صادرة عن المجتمع الدولي وان على المرء ان يختار بينهما. في حين ان الواقع هو وجود رواية لبنانية وأخرى إسرائيلية وما فعله مجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركية هو تبني الرواية الإسرائيلية، كما كان متوقعاً...
في كل الأحوال، المسألة الأهم تكمن في خلفية وأهداف هذا الحرص من قبل العدو ومن وراءه على فبركة هذه الصورة وتسويقها وحول ذلك يمكن تسجيل ما يلي:
تسجيل انتصار وهمي للعدو عبر إيهام جمهوره بنجاحه في إحباط محاولة حزب الله أسر أحد جنوده خاصة وان ذلك تزامن مع مواجهات واحتقان داخلي على خلفية الانسحاب من قطاع غزة. ويشكل هذا الادعاء فرصة لامتصاص الاحتقان الداخلي المتأزم عبر تأجيج الوضع على الحدود ـ وان من الناحية الإعلامية فقط ـ على أمل أن يؤدي ذلك إلى صرف الأنظار نحو الخطر الخارجي بدلا من الغرق في هموم الداخل.
وجود هاجس حقيقي لدى العدو من إقدام حزب الله على عملية أسر لجنوده خاصة بعدما لم تسفر ـ لحد الآن ـ مفاوضات المرحلة التالية من تبادل الأسرى إلى إطلاق سراح من تبقى من الأسرى اللبنانيين، ويهدف العدو من إثارة هذه المخاوف وتحويلها إلى مشكلة على المستوى الدولي والداخل اللبناني إلى تفعيل وممارسة ضغوط لتطويق حزب الله والحؤول دون أي مبادرة من هذا النوع على مستوى المستقبل، فضلاً عن محاولة إيجاد جو ضاغط على حزب الله لمنعه من المبادرة إلى أي نوع آخر من العمليات الجهادية التي قد تتطلبها عملية تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية أو التصدي لأي اعتداء أو خرق إسرائيلي.
هذا السجال والادعاءات من قبل العدو بأن حزب الله هو المبادر وبأنه تجاوز الخط الأزرق ثم استتباع ذلك بإدانة دولية يوحي وكأنه على حزب الله أن يقدم التبريرات لما يمكن أن يبادر إليه من عمليات جهادية... في حين أن حزب الله أعلن مرارا وتكرارا عن العديد عن العمليات النوعية التي نفذها في مزارع شبعا كما كان واضحاً وصريحاً ومباشراً في إعلان مسؤوليته ومبادرته إلى استهداف مواقع وجنود جيش العدو على أساس أنها في أراضي لبنانية محتلة... ولم يدّعِ أحد أن تعديلاً ما طرأ على خطاب حزب الله في هذا المجال بل على العكس فما زال حزب الله يؤكد عزمه على المضي في طريق تحرير هذه المنطقة. وعليه من الطبيعي أن لا تكون هذه المواجهات هي الأخيرة في منطقة مزارع شبعا ولكن بظروف أخرى...
في الختام لا بد من طرح التساؤل حول كيف يمكن لقوة النخبة في الجيش الإسرائيلي أن تكون في وضعية كمين ثم تشخِّص مجموعة من المقاومين وهم يتسللون ثم بعد الاشتباك مع هذه المجموعة يُصاب فيها 6 إسرائيليين (قُتل احدهم) بينما من المفترض أن تكون للقوة الكامنة نقاط تفوق كثيرة: الانتشار المسبق، المباغتة، صلية النيران الأولى، التأهب... ولا يمكن لأحد الادعاء بأنه من المستحيل حصول أمر ميداني كهذا ولكنها تحتاج إلى تفسير مقنع، وهو ما لم يُقدمه العدو.
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018