ارشيف من : 2005-2008

مناشير الطائرات الإسرائيلية جزء من حملة سياسية ولا أفق لاعتداءات عسكرية واسعة ؟

مناشير الطائرات الإسرائيلية جزء من حملة سياسية ولا أفق لاعتداءات عسكرية واسعة ؟

على الرغم أنها ليست المرة الأولى التي تلقي فيها الطائرات الإسرائيلية مناشير تتضمن تهويلا وتحريضا... إلا أن الذاكرة اللبنانية تختزن انطباعا بأن هذه المناشير تقترن عادة بحملات عسكرية واسعة كما حصل إبان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وخلال عملية تصفية الحساب عام 1993 وخلال عدوان نيسان (عناقيد الغضب) عام 1996. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن مغزى العودة إلى اعتماد هذا الأسلوب كما حصل الأسبوع الماضي عندما ألقت الطائرات الإسرائيلية مناشير فوق أجزاء من بيروت وبعض مناطق الجنوب اللبناني، في هذه اللحظة السياسية التي يعيشها لبنان وخلفياتها وطبيعة الرهانات التي ترتكز إليها، فضلا عما إذا كان في هذه المنشورات ما يُشير إلى إمكانية حصول اعتداءات إسرائيلية وشيكة وواسعة على لبنان.‏‏‏

تندرج هذه المناشير التي يعتمدها كيان العدو في حروبه ومواجهاته ضمن إطار الحرب النفسية التي تستند إلى رؤية ينطلق موجِّهها من نظرة إلى المخاطَب وظروفه ونقاط ضعفه. ويُذكر في هذا السياق أن المناشير التي رمتها الطائرات الإسرائيلية فوق بعض مناطق بيروت والجنوب اللبناني، ذًيِّلت بتوقيع "دولة إسرائيل" وتضمنت نداء إلى الشعب اللبناني وحكومته ويتمحور المضمون حول تحريض الشعب اللبناني على حزب الله في الدور الذي يؤديه دفاعا عن لبنان مستخدما سياسة التهويل والتهديد مُحمِّلا مسبقاً حزب الله المسؤولية عن أي استهداف من هذا النوع قد تُقدم عليه إسرائيل.‏‏‏

لا يمكن الفصل بين التوقيت الذي اختاره العدو للعودة إلى اعتماد هذا الأسلوب وبين رؤيته للمستجدات السياسية المتسارعة التي مرت على لبنان والتي من الطبيعي أن تكون بنظره قد فتحت أمامه أبوابا للرهان مجددا على إمكانية تقييد المقاومة وتطويقها تمهيدا لنزع سلاحها وانه بات من الممكن ترجمة أي نجاح في بلورة رأي عام معاد للمقاومة الى خطوات ومواقف قد تساهم في اضعاف البعد الوطني للمقاومة في لبنان وهو ما يحاول العدو ان يحققه عبر أساليب متعددة تشكل توزيع هذه المناشير مفردة من مفرداتها. ومن هنا فإن هذه المنشورات تعتبر جزء من مسعى متكامل يتداخل فيه الخارج مع الداخل في تأدية هذه المهمة. وبالتالي لا يمكن النظر إلى هذه المنشورات بشكل منفصل عن السياق السياسي وما يحمله من آفاق على مستوى المستقبل المنظور والبعيد.‏‏‏

أما بخصوص إمكانية أن تنطوي هذه المنشورات على مؤشرات لحملة عسكرية واسعة لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:‏‏‏

لا يمكن في كل الأحوال أن يؤمن جانب العدو فإمكانية شنه لاعتداءات واسعة على لبنان هو من الناحية المبدئية أمر ماثل على الدوام وهو ما يستوجب بالضرورة أن تكون المقاومة على جهوزية تامة إما لردع العدو عن القيام بمغامرة من هذا النوع أو لاحتوائه ومنعه من التوسع اكثر في حال حدوثه وفي اقل الأحوال جعل العدو يدفع أغلى الآثمان في إقدامه على حماقة كهذه. ولا يعني هذا التوصيف والتقدير أن أحدا يدعي بوجود توازن استراتيجي بين العدو والمقاومة وانما ما يمكن قوله أن المقاومة استطاعت أن تراكم ما أدى إلى حصول نوع من توازن ردع ساهم في تحقيق الاستقرار والامن في مواجهة العدو الاسرائيلي...‏‏‏

ايضا حالة الردع المُشار إليها هي أمر لا ينكره قادة العدو العسكريين والامنيين والسياسيين بل على العكس فالواقع المُعاش على الحدود ينطق بهذه الحقيقة وخاصة في المحطات التي يحصل فيها نوع من المواجهات بين العدو والمقاومة حيث تتجلى فيها بوضوح محدودية استخدام القوة التي يملكها العدو. وبات العدو يعرف أنه في مقابل أي اعتداء واسع على لبنان اصبح بإمكان المقاومة أن تطال العمق الإسرائيلي بكم ونوع يجعلها تندم على اتخاذ أي قرار بالاعتداء على لبنان وهو أمر حاضر بقوة حتى الآن لدى قادة العدو.‏‏‏

إن الظروف السياسية الحالية السائدة في لبنان والمنطقة لا تسمح للعدو بشن حملة عسكرية واسعة على لبنان في المرحلة الحالية اذ من متطلبات المخطط الاميركي على الساحة اللبنانية بقاء العدو في هذه المرحلة بعيدا عن الواجهة من اجل عدم إحراج أي جهة تطالب المقاومة بتسليم سلاحها إذ يمكن لأي اعتداء من هذا النوع ان يلغي من القاموس اللبناني أي مطالبة بتسليم السلاح. ولكن هذا لا يعني ان لا يقدم العدو في بعض المحطات على بعض الخروقات او الاعتداءات المحدودة بناء على بعض القراءات السياسية بغض النظر عن كونها صحيحة أم خاطئة.‏‏‏

في الخلاصة، وان كان من المستبعد أن تكون هذه المناشير تمهيدا لحملة عسكرية في المدى المنظور إلا انه من المؤكد اعتبارها جزء من حملة سياسية تستهدف تأليب الشعب اللبناني على المقاومة وحزب الله.‏‏‏

علي حيدر‏‏

2006-10-30