ارشيف من : 2005-2008

الجزائر: تعديل دستوري يعزز سلطة بوتفليقة في مواجهة وصاية الأجهزة

الجزائر: تعديل دستوري يعزز سلطة بوتفليقة في مواجهة وصاية الأجهزة

كتب توفيق المديني‏

لم يكن استبدال رئيس الحكومة في الجزائر مفاجأً لجميع المحللين المعنيين بشؤون المغرب العربي فمنذ عدة أشهر تشهد أروقة السلطة الجزائرية صراعا مكشوفا بين رجلين يقود كل واحد منهما تشكيلة سياسية أساسية في الأغلبية الرئاسية : عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب الأكثرية النيابية جبهة التحرير. وأويحيى هو الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يحوز الكتلة النيابية الثانية.‏

ومن المعلوم تاريخيا أن حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو انشقاق عن جبهة التحريرالوطني ، عندما بدا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية استعادت المبادرة في ظل رئاسة اليمين زروال في منتصف التسعينات، وعندما بدأت جبهة التحرير في ظل رئاسة عبد الحميد مهري تدعو إلى حوار معالجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة. وبدا حينذاك، أن جبهة التحريرالوطني التي لم تعد آلة الحكم المطلوبة، دعت المؤسسة العسكرية إلى شقها لينشأ عنها حزب الاكثرية الجديدة، وهو التجمع الذي أول من تولى قيادته الفعلية الجنرال بتشين القادم من رئاسة الاستخبارات.‏

لكن خروج أويحيى من رئاسة الحكومة لم يؤد الى خروج حزبه منها، رغم التنافس بينه وبين رئيس الحكومة الجديد. وهذا يعني ان المسألة تتعدى الخلاف على برنامج حكومي، وإن كان أويحيى لا يحبذ التغيير الدستوري ويدعو الى برنامج اصلاحي اقتصادي يكون رفع الاجور جزءا منه.‏

وتتجسد الخلافات المتعددة بين الرجلين على النحو التالي:‏

على الصعيد الاقتصادي ينتقد بلخادم و رفاقه حكومة أويحيى جراء عدم امتلاكها الإرادة الكافية لمكافحة البطالة والفقر. وقاوم أويحيى بثبات دعوات من جانب السياسيين ووسائل الإعلام و النقابات لرفع الأجور وقال إن المناخ الاقتصادي لم يتعاف بما يكفي لذلك. لكن بلخادم قال إنه سيرفع الأجور حيث أدت أسعار النفط التي سجلت ارتفاعا قياسيا إلى ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي إلى نحو 63 مليار دولار. وبرر أويحيى موقفه الرافض للزيادة في الأجور، بقوله أن نمو مداخيل المحروقات هو نمو مرتبط بتقلبات السوق الدولية، ويصعب الاطمئنان إليه واتخاذ قرارات دائمة اعتمادا عليه.‏

على المستوى السياسي، إن قادة حزب جبهة التحرير الوطني ـ الذي يمتلك الأغلبية المطلقة في البرلمان ـ المتحالفين مع حركة مجتمع السلم (حماس) التي يتزعمها بوجرة سلطاني، والذي كان يشغل في الحكومة السابقة منصب وزير دولة من دون حقيبة، ينكرون على رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى كل شرعية تتعلق بإشرافه على الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري في عام 2007 فهم يعتقدون أن أويحيى و أنصاره سيعملون على تزوير تلك الانتخابات لمصلحة حزب التجمع الوطني الديمقراطي. وكان أويحيى قد اتهم من طرف خصومه بتزوير انتخابات سنة 1997 التشريعية والبلدية من موقعه كرئيس للحكومة لمصلحة حزبه، التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسس قبل أشهر من تلك الانتخابات، ولكن مروجي مثل هذه التهمة يتناسون هشاشة الحزبية في وضع كالوضع الجزائري، ويتناسون التأثير القوي للمواقع السلطوية العليا في توجيه المترشحين والناخبين على السواء. وعلاوة على ذلك يتناسون أيضا أن مثل هذه التهمة يمكن أن توجه إليهم لا سيما وأن جبهة التحرير فازت بانتخابات 2002 عندما كان أمينها العام بنفليس على رأس الحكومة.‏

و على الرغم من إن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده أحمد أويحيى مني بخسارة كبيرة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 وضعته في الصف الثالث بحوالي 48 نائباً، وذلك في الوقت الذي حصلت فيه جبهة التحرير على 200 مقعد نيابي من مجموع مقاعد المجلس الوطني الشعبي البالغة 385 مقعداً، فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقه عينه لرئاسة الحكومة خلفا لعلي بن فليس في 21 أيار/مايو من سنة 2003 ، بعد أن شهد حزب جبهة التحرير الوطني القوة السياسية الرئيسة في البرلمان انشقاقا حقيقيا بين مؤيدين لرئيس الجمهورية، كانوا يمثلون أقلية داخل الحزب، ولا يحتلون مواقع مقررة في الجهاز الحزبي، وبين مؤيدين لرئيس الحكومة وخصم بوتفليقة ومنافسه المعلن في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004.‏

أما الخلاف الثالث، والذي تداولته وسائل الإعلام بقوة ، فيتمثل في مشروع التعديل الدستوري الذي يدافع عنه عبد العزيز بلخادم.ويقول الرئيس بوتفليقة عن هذا التعديل: إن الدستور الجزائري لا يناسب احتياجات مجتمع يخرج من أتون تمرد إسلامي مسلح استمر أكثر من عشر سنوات وأودى بحياة 200 ألف شخص.‏

ويعتبر عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة الجديد ، البالغ من العمر 61 عاما، وحيث مساره السياسي، عرف قطيعة سياسية، مثل العديد من المسؤولين الجزائريين، بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي، رجل ثقة بوتفليقة . فقبل هذا الانشقاق، كان عبد العزيز بلخادم هذا الأستاذ أصيل الغرب الجزائري ، ينتمي إلى التيار افصلاحي في حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الوحيد الذي كان حاكما. وانتخب نائبا في البرلمان منذ عام 1977، و ترأس المجلس الوطني الجزائري (البرلمان) غفي عام 1990، و دعم حكومة الإصلاحي مولود حميروش الذي كان يلقب ب"غوارباتشيوف الجزائر" . و لما حل البرلمان عقب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تمت إزاحة عبد العزيز بلخادم من دوائر السلطة.‏

وكان هذا الرجل المحسوب على " التيار الوطني الإسلامي"، كثيرا ما دافع عن حق الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العمل السياسي ، في معارضة "الإستئصاليين"، كما ترأس في فترة ما من تاريخه جمعية مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني. غير أن مجيىء عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة غير من وضع بلخادم، الذي عاد إلى الظهور على مسرح المشهد السياسي الجزائري في عام 2000، لكي يصبح وزيرا للخارجية، وفقائدا للدبلوماسية الجزائرية التي يشرف عليها من خلف الستار رئيس الدولة. فمن خلال احتكاكه مع العالم الخارجي اكتسب خبرة جعلت منه الرجل الأول في نظام بوتفليقة، من دون أن ينجح في التحرر من الصورة التي لازمته كإسلامي محافظ.‏

لقد أظهر بلخادم وفاءه المطلق للرئيس بوتفليقة، عندما منع حزب جبهة التحرير الوطني أن يصطف على أرضية الخط السياسي لعلي بن فليس الخصم الرئيس لبوتفليقة فسي الانتخابات الرئاسية لعام 2004. اليوم، تتم مكافأة بلخادم من خلال تعيينه في منصب رئاسة الحكومة، مع الإحتفاظ في الوقت عينه بالأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، وهو يطمح ليخلف يوما ما رئيس الدولة . و الحال هذه، يدافع عبد العزيز بلخادم بقوة على مطلب تعديل الدستور، الذي سيشمل مراجعة مواد مهمة تخصّ اعتماد نمط النظام الرئاسي في الحكم، وتمديد عمر الولاية الرئاسية إلى 7 سنوات بدل 5 سنوات المعمول بها حاليا، مع استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، بما يسمح للأخير أن يتولى مهام رئيس الجمهورية في الحالات المعروفة دستوريا، وهي شغور المنصب أو الوفاة أو استحالة قيام الرئيس بمهامه الدستورية بسبب المرض، وهي صيغة قانونية تجنب الذهاب نحو إجراء انتخابات رئاسية مسبقة لتعيين خليفة الرئيس.‏

وهكذا ، فإن المهمة الأولى لرئيس الحكومة الجديد عبد العزيز بلخادم ستتركّز على تحضير الخطوات التمهيدية للاستفتاء الذي قد ينتظم بين 14 و 21 أيلول/سبتمبر2006، حيث باتت العملية محسومة، بعد أن أعطي رئيس المجلس الدستوري بوعلام بسايح الضوء الأخضر، بعد مراجعة مستفيضة لمسودة الدستور التي يرتقب أن يتبناها بوتفليقة بعد أيام . وسيتيح تعديل الدستور للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية ثالثة. ويعتبر هذا الاستفتاء الذي إذا عقد في موعده المحدد أعلاه، أو إذا ما أرجىء إلى ما بعد شهر رمضان، الاستفتاء الثاني من نوعه في غضون عام بعد الذي تعلق بميثاق السلم والمصالحة الوطنية في أيلول/سبتمبر2005.‏

في المضمون لم يكن رئيس الحكومة المستقيل أحمد أويحيى معارضا لتمديد ولاية الرئيس بوتفليقة، بيد أنه على عكس بلخادم ، كان ينصح بإجراء ذلك في كنف السرية بدلا من قلب الأوضاع رأس على عقب. ولما أصبح هدفا لحزب جبهة التحرير الوطني، أصبح اويحيى في وضع لا يحسد عليه، وإن كان الرئيس بوتفليقة حرص على إظهار المساندة له علنا في المحطات الصعبة.وظل الرئيس بوتفليقة صامتا، حتى إن معارضة حزب جبهة التحرير الوطني منعته من إلقاء بيانه حول السياسة العامة لحكومته أمام المجلس الوطني الجزائري (البرلمان).‏

احتفاظ رئيس الوزراء الجزائري الجديد عبدالعزيز بلخادم بالطاقم الحكومي لسلفه أحمد أويحيى يعني ان التغيير كان يطاول الرأس من دون الأطراف. أي استباق طموحات رجل الثقة السابق في تسلق الدرج الأخير في سلم المسؤولية. عدا ان حدوثه قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وفي غضون الجدل حول تعديل الدستور وفق ما يخول الرئيس ولاية ثالثة، يعني ابعاد الصوت المعارض لهذا التوجه من داخل الجهاز التنفيذي . كما لا يُفهم وعد زيادة الأجورمن قبل بلخادم إلا دعما ًلمواقع النقابات التي تسيطر عليها جبهة التحرير وجعلها قادرة على ان تكون الماكينة الانتخابية لمرشح الجبهة، في مواجهة أي ماكينة انتخابية اخرى.‏

2006-10-30