ارشيف من : 2005-2008
من المنصوري إلى شاطئ غزة... إبادة عرقية بيدي المجرم نفسه
"يابا... يابا" كانت تنتحب قرب جثة والدها، تلطم على وجهها، تعفره بالتراب الذي جبل بالدماء، تنظر يمنة ويساراً بحثاً عن حضن والدتها وعن ابتسامة إخوتها... لم تجد أحداً، غرقت عيناها في الدموع وغرق كل من شاهد هدى في بحر عينيها البريئتين اللتين راحتا تتساءلان، "لماذا؟ ماذا فعلنا؟ ماذا اقترفنا؟ إلى متى؟ هبة ظلت حتى وصولها إلى المستشفى تنادي "أريد أبي... أريد أبي".
خرجت هدى غالية ابنة العشر سنوات برفقة والديها وإخوتها إلى شاطئ بحر السودانية هرباً من حرارة الطقس، وعادت بلا أب وأم وأشقاء، أعادتها مدفعية الاحتلال الإسرائيلي وصواريخه وزوارقه الحربية يتيمة.
على مرأى من العالم أجمع بدت هدى على الشاطئ إلى جانب ما تبقى من أشلاء الضحايا وألعاب الأطفال وحاجياتهم، على مرأى من العالم الذي أصابه عمى البصيرة وليس البصر، برزت الهمجية والوحشية الصهيونية مجرّدة على حقيقتها، والنتيجة: استهجان أنظمة عربية يا ليتها لم تستهجن وهي مسؤولة بشكل غير مباشر نتيجة خذلانها وانصياعها، ودفاع أمريكي معتاد عن المجزرة الإسرائيلية، وصمت دولي متوقع عصي على الخرق.
لكن النتيجة أيضاً اتصال هاتفي من مواطن عربي إلى إحدى الفضائيات يقول فيه "انا مواطن ابلغ من العمر 54 عاما والله ان قلبي تفطر وبكيت عندما شاهدت هذه الفتاة وهي تبكي بجانب والدها، وأنا أتعهد بتنبي هذه الطفلة طيلة حياتها"... هكذا هم العرب.
والنتيجة أيضاً رد مقاومة هي بالمرصاد وجاهزة للدفاع عن شعبها وأرضها.
ما نقلته إحدى "الكاميرات" من مشاهد المجزرة الإسرائيلية بحق المدنيين على شاطئ بيت لاهيا كان أكثر من مجرد مشهد لطفلة تندب والدها وعائلتها، لقد نقلت "الكاميرا" في بضع دقائق تاريخاً بأكمله، تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الحافل بهذه المجازر وغيرها، لقد نقلت الصورة أيضاً تخاذل بعض العرب وسيرهم في الاتجاه الخطأ.
لم ينس أحد مشهد إسعاف المنصوري في عدوان نيسان عام 96 على لبنان، يومها حمل عباس جحا جثث أولاده وراح ينتحب ويصرخ "اولادي يا عالم"، بالأمس حين صرخت هدى انقلبت الأدوار فندبت البنت والدها "يابا... يابا"، من المنصوري إلى شاطئ غزة ها هو العدو الإسرائيلي يبيد كل من هو عربي.
غداً قد ترصد الكاميرا مشهداً جديداً لأب أو أم أو ولد يسرق منهم العدو الإسرائيلي أحباءهم وسنين عمرهم... لكنها سترصد في الجهة المقابلة مشهداً لمجاهد أو استشهادي ينتقم لهدى غالية وعباس جحا ومحمد الدرة و... و.... وكل العرب.
ميساء شديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018