ارشيف من : 2005-2008
قمة شنغهاي في مواجهة الهيمنة الأمريكية
بدأت قمة منظمة شنغهاي للتعاون أعمالها في العاصمة الصينية بكين في 15 حزيران الجاري . وتحتفل منظمة شنغهاي للتعاون بذكرى مرور 5 سنوات على تأسيسها، بوصفها منتدى إقليميا تأسس في عام 1996، انحصرت وظيفته في البداية لمكافحة الإرهاب.
وتضم منظمة شنغهاى للتعاون اليوم كازاخستان وقرغيزيا والصين وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. وتنتسب إليها كل من منغوليا وباكستان والهند وإيران بصفة مراقب، علما أن البلدان الثلاثة الأخيرة نالت هذه الصفة منذ عام واحد فقط وهي تريد أن تتحول إلى تحالف سياسي عسكري قابل لموازنة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي في المنطقة.
وعكست تصريحات عدد من قادة بلدان المجموعة عن توجهات معادية لسياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي، في توقيت بدت فيه ملامح المنافسة بين قطبي المجموعة روسيا والصين حول انتزاع الصدارة. فقد وجه الرئيس الأوزبكستاني اسلام كريموف انتقادات واضحة للولايات المتحدة الأمريكية التي أدانت ممارسات الاجهزة الامنية لدى مواجهة احداث الشغب في انديجان في اعقاب ثورة السوسن في قيرغيزستان المجاورة عام 2005 ، عندما قال: إن أحداث السنوات الاخيرة كشفت عن أوجه اصدقاء المنطقة، الحقيقيين منهم وغير الحقيقيين.
ودعا إلى مواجهة المحاولات الخارجية الرامية لفرض المعايير الغربية للديمقراطية والتطور الاجتماعي على بلدان المجموعة. ولم يكتف رئيس اوزبكستان بذلك بل عاد وانتقد عدم فعالية قوات التحالف الدولي في افغانستان لدى تناوله اخطار انتشار تهريب المخدرات من هذا البلد. كما أدان ما وصفه بمحاولات بعض الدول تقسيم المنطقة بما يخدم مصالحها انطلاقا من تصنيفها الى بلدان ديمقراطية وغير ديمقراطية.
وتسعى الدول الثلاث: إيران و باكستان و الهند الى توثيق علاقاتها مع المنظمة، إذ يحضر قادتها قمتها السنوية.. وتثير المنظمة قلق الدول الغربية التي تخشى من ان تصبح ثقلا اقليميا موازيا للولايات المتحدة. فقد دعا الرئيس الإيراني في خطابه أمام القمة إلى تحقيق التعاون بين دول المنظمة، الذي "يمكن ان يوقف تهديدات قوى مهيمنة من استخدام قوتها ضد دول اخرى والتدخل في شؤونها". وعرض كذلك استضافة اجتماع لوزراء الطاقة في الدول الأعضاء والدول المراقبة في المنظمة لتنسيق الانتاج واستخدام موارد الطاقة في المنطقة.
ومن الواضح أن قمة بكين تريد أن تغير من وجه منظمة شنغهاي، إذ إنه حسب الإصلاح المعلن ، فإنها ستركز على الدفاع عن المصالح القومية للدول الأعضاء، بالدرجة الأولى ، و مصالح أيضا القوتين الكبيرتين في المنظمة روسيا و الصين. فالمنظمة تريد أن تركز بصورة جدية على مسائل التكامل الاقتصادي لمنطقة آسيا الوسطى وإنشاء الفضاء المشترك للتعاون الإنساني الإقليمي. وتدل على ذلك نتائج اجتماع مجلس وزراء الخارجية للدول الأعضاء في منظمة شنغاي والذي انعقد في موطن هذه المنظمة – شنغهاي – قبل انعقاد قمتها اليوبيلية في هذه المدينة بشهر واحد تقريبا.
واعتبر قادة المنظمة، في إعلانهم، أن الأولوية هي لمحاربة "قوى الشر الثلاث"، المتمثلة بالإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف، بالإضافة إلى تهريب المخدرات عبر الحدود. واتفق المجتمعون على إجراء تدريبات مشتركة على مكافحة الإرهاب في روسيا خلال العام المقبل، وطالبوا بأن يكون الأمين العام المقبل للأمم المتحدة من قارة آسيا.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن إيران مستعدة للتفاوض حول العرض الدولي المقدم لها لوقف تخصيب اليورانيوم، اثر اجتماعه مع نظيره الايراني محمود احمدي نجاد على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في الصين أمس.
وجاء ذلك في وقت دعا فيه الرئيس الايراني الى تعزيز "منظمة شنغهاي" التي تسيطر عليها الصين وروسيا لمواجهة "القوى المهيمنة" على الساحة الدولية، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي تضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي.
يقول وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ، أن المنظمة بلغت مرحلة "النضج"، وأنها ستزود بمهمة دائمة لمراقبة الانتخابات ، كنوع من البديل لمهمة منظمة الأمن و التعاون لأوروبا، التي كانت روسيا تعتبر نتائجها" مسيسة" كثيرا.
ومن الآن فصاعدا، سيتعزز التعاون العسكري، إذ إنه من المقرر إجراء مناورات عسكرية في عام 2007، على غرار المناورات العسكرية التي أجريت بين روسيا و الصين في إطار منظمة شنغهاي للتعاون في آب 2005.
وقد أطلقت على تلك المناورات اسم "مناورة السلام" بين البلدين، وقيل وقتها إنها رسالة لواشنطن واستعراض للقوة من خصمين سابقين في الحقبة الشيوعية في مواجهة المارد الأمريكي الذي يسعى للهيمنة على العالم، وأنها مجرد محاولة لإحداث توازن، وتذكير واشنطن بأنه لا يزال في الساحة لاعبون كبار.
ورغم تأكيد كل من روسيا والصين وقتها بأن المناورات المشتركة بينهما لا تستهدف أي طرف ثالث كما لا تعكس على أي نحو سعي البلدين لتشكيل تحالف أو تكتل عسكري بينهما، إلا أنها تحمل رسالة لواشنطن بأن كلا البلدين يعملان بقوة على تنامي قوتيهما العسكريتين سعياً لإحداث توازن مع القوة العسكرية الأمريكية.
وتريد روسيا التي تعتبر نفسها دولة أوروبية، أن لا تفقد رؤيتها من "دعوتها الأوراسية"، وهو موضوع أعيد طرحه في الخطاب الرسمي للنخبة الحاكمة، المتشبثة بفكرة إعادة بناء القوة العظمى المفقودة.
وإذا كانت روسيا تعاني من ضائقة اقتصادية فأغلب الظن أنها ستتغلب عليها في السنوات القليلة القادمة من خلال إقامة تحالفات مع جيرانها وفي مقدمتها الصين، عدوتها بالأمس.
لكن علاقة روسيا بالصين هي اليوم في أحسن حالتها. فقد تم ترسيم الحدود بين البلدين، التي تمتد على مسافة 4300 كيلومترا، وانطلقت ورشة بناء خط أنبوب آسيا المحيط الهادي، الذي يدخل في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين روسيا و الصين في مجال الطاقة.
فروسيا القوية باستقرارها الجديد الاقتصادي، بفضل دورها كمزود محوري للطاقة على الصعيد العالمي، تطمح أن تكون قوة عظمى من جديد ، وأحد المقررين الرئيسيين في القرن الحادي والعشرين، ولاعبا أساسيا قادرا على مواجهة الهيمنة الأمريكية. وقد استهلت روسيا عام 2006 بإشارة رمزية لقرب عودتها للساحة العالمية ثانية كقطب دولي عندما قطعت صادراتها من الغاز الطبيعي لأوكرانيا.
ومعروف أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني قد قام مؤخراً بزيارة لكازاخستان بغية تدعيم التأييد لخطوط تصدير النفط والغاز الطبيعي التي ستتخطى الأراضي الروسية وحذر روسيا من تحويل صادرات النفط والغاز الطبيعي إلى ما اسماه أدوات تهديد وابتزاز سواء عن طريق التلاعب بالإمدادات أو محاولات احتكار عمليات النقل.
والواقع أن الاحتياطي الهائل من النفط والغاز لدى روسيا يجعل منها قوة عظمى في عالم الطاقة الذي يعاني من أزمات حقيقية لا سيما داخل أمريكا المأزومة فعليا بسبب ارتفاع أسعار النفط لمستوى يهدد اقتصادها، وعلى المدى البعيد يؤثر في انفرادها بقيادة العالم، وهو أمر مشكوك فيه.
توفيق المديني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018