ارشيف من : 2005-2008
لماذا تشهد أسعار المواد الأولية ارتفاعا جنونيا؟ 20/6/2006
كتب توفيق المديني
منذ أربع سنوات و أسعار المواد الأولية ـ و في طليعتها المعدنية ـ تشهد ارتفاعا جنونيا حسب توصيف معظم الخبراء في الاقتصاد. فقد تضاعف سعرالنحاس ثلاث مرات خلال سنة، والألمنيوم مرتين، وارتفع سعر الذهب بنحو 45% منذ بداية السنة، و لاتزال أسعار النفط تحقق أرقاما قياسية .
وبعد أربع سنوات من الارتفاع الجنوني للأسعارمن دون توقف، عرفت أسواق المواد الأولية التوقف الأول في شهر ايار/مايو الماضي.
و يتساءل المحللون، هل يعتبر هذا التوقف تصحيحا مؤقتا أو بداية لعودة دائمة مألوفة لأسعار المواد الأساسية بعد مرحلة من الهيجان؟
هنا يتقدم المحللون بحذر، معترفين أن هناك معطاً جديدًا مجهولاً دخل في معادلاتهم: العامل الاسيوي وتحديداً، الهند، والصين، التي أصبحت القوة الاقتصادية العظمى الرابعة في العالم في عام 2005، والتي أحدثت حاجياتها للمصادر الطبيعية لتغذية نمو اقتصادي يقارب 10%،اختلالاً في توازنات معظم المبادلات الحالية.
منذ نهاية القرن التاسع عشر، تستمر دورات أسعار المواد الأولية ما بين عشرين وخمس وعشرين سنة. فالأسعار ترتفع خلال عشر سنوات. وهو الوقت الضروري تقريبا لكي تسمح الاستثمارات الجديدة ـ استغلال مناجم جديدة ، وتوسع في مناطق الزرع، وإبداع تكنولوجي أو وراثي ـ بإيجاد توازن بين العرض والطلب. ويبدأ التدهور في الأسعار، عندما تتوقف الاستثمارات ، حينئذ يفضل منتجوالمواد الأولية إغلاق المواقع بدلاً من صيانتها بخسارة.
وقد شهد العالم هذه الحالة في عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وإذا ما تكرر التاريخ ، فإن منتجي المواد الأولية سيكون أمامهم بضع سنوات جيدة، بصرف النظر عن العامل الآسيوي، الذي يوحي به بعض المحللين على غرار كينيث روغوف الأستاذ في جامعة هارفارد، الذي سيقلب السيناريو الحالي من خلال المحافظة على ارتفاع أسعار المواد الأولية لعدة عقود.
ويعزو بعض المحللين الآخرين إلى أن الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأولية يعود إلى المضاربة. ومن أجل استباق الاتجاه المستقبلي، فإنه من الضروري معرفة ما إذا كان ارتقاع الأسعار يعود إلى " التقدم القوي في الطلب و بالتالي للنمو العالمي أو للمواقف التضاربية للمستثمرين ".
هنا الأجوبة تختلف. فبالنسبة للبترول والألمنيوم أوالبلاتين على سبيل المثال، بدا أن التضخم في الاستهلاك العالمي هو المحرك الرئيس لزيادة الاغتناء، بينما في حالات معادن أخرى مثل النحاس، والنيكل، أوالقصدير أيضا، قد تكون المضاربة لعبت دورا لاجدال فيه، من دون أن يكون ممكنا معرفة حجمها.وهكذا، فإن مرحلة الخبز الأبيض قد ولّت .
في الواقع البترول هو المصدر الوحيد الذي يجمع عليه الخبراء بيقينية أن أسعاره ستظل مرتفعة لمرحلة طويلة. فالعالم قد تغير. ومع دخول البلدان الناشئة على المسرح العالمي، انتقل معدل النمو السنوى للطلب العالمي من 0،5%/1،5% إلى 2،5%. و على المدى البعيد، ومن خلال أخذنا بالفرضية المحافظة أن الصين ستلتحق تدريجيا بمستوى الاستهلاك للفرد في البرازيل، بما أن الهند التحقت بدورها بالصين ، فإن الأسعار ستستمر مرتفعة.
الصين أصبحت لاعباً لا غنى عنه على المستوى العالمي في مجال الطاقة. وهذا ليس بالشيء الجديد. ولكن منذ بداية هذه السنة، من الصعب تجاهل أن الصين انتقلت إلى طور جديد من جمع مصادر الطاقة والمواد الأولية، إما لأن جهودها خلال السنوات الماضية بدأت تثمر، أولأن بكين، وبحسب الظروف الجيوبوليتيكية الملائمة، أصبحت لها ثقة في قدراتها التفاوضية تجاه الغرب الذي أصبح أكثر فأكثر خاضعا في مبادلاته مع القوة الاقتصادية العظمى العالمية.
وفي جهة أخرى، في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، يشكل موقع الصين كقوة عظمى وامكاناتها المادية، راسمالا لها من التعاطف.
الصين هي المستهلك الثاني للطاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي في أمس الحاجة لتوسيع تزويدها، كلما ازدادت حصتها من الواردات من البترول ( من 27% في عام 1999 إلى 45% اليوم، و ربما إلى 66% في عام 2020 )- على الرغم من الجهود الموازية التي تبذلها لمصلحة البحث عن الطاقات البديلة، والنمو الأقل شراهة، باعتبارها تجسد الأهداف المرسومة و المرقمة في الخطة الخمسية الحادي عشرة (2006-2010).
وتمثل تجارة المواد الأولية حصة كبيرة في الاقتصاد العالمي. ففي عام 2004، بلغت تجارة السلع 8907 مليار دولار، حسب إحصائيات منظمة التجارة العالمية. و مثلت المواد الأولية 23،2% من المجموع ، وأسهمت المنتوجات الزراعية بنحو 8،8% - بقيمة 783 مليار دولار- أما المحروقات و منتوجات الصناعات الاستخراجية، فقد بلغت 1281 مليار دولار ، بنحو 14،4%.وازداد وزن المواد الأساسية الزراعية ذات الاستخدام الغذائي ( مثل القهوة والكاكاو) أو الصناعي ( القطن و الزيت ) في المبادلات العالمية قليلا، إذ ارتفع إلى نحو 22،7% من المجموع. وهذه الزيادة تجد تفسيرها حصرياً في نمو الطلب على المواد المنجمية والطاقية.
أما البلدان المستوردة للمنتوجات الزراعية، فتظل البلدان الأوروبية، بقيمة 373 مليار دولار في عام 2004، أي 44،6% من المجموع. ثم تليها الولايات المتحدة الأمريكية ، واليابان والصين بقيمة 42 مليار دولار. وازداد الطلب الصيني بنحو 39% في عام 2004 كما هو الأمر عام 2003. ويتصدر الاتحاد الأوروبي قائمة البلدان المستوردة للمواد الأولية، لاسيما النفط، تليه الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و الصين. وبينما ازداد طلب البلدان الأكثر تصنيعا في العالم من 25% إلى 30% في عام 2004، سجل الطلب الصيني زيادة بنحو 60% .
وتظل إفريقيا جنوب الصحراء خاضعة لصادراتها من المواد الأساسية. فهذه الأخيرة تمثل90% من مجموع مبيعاتها إلى الخارج للكاميرون، و 88% لبوركينا فاسو، و82% لغانا، وهي مواد متكونة في معظمها من مواد زراعية أو منجمية. وهناك بعض البلدان الموجودة في خليج غينيا تتمتع باحتياطات هائلة من البترول. والوضع يكاد يكون متشابها في البلدان الأقل تطورا في أمريكا الوسطى والجنوبية. فالواردات من العملة الصعبة بالنسبة لبوليفيا أو نيكاراغوا تتأتى بنحو 85%من مبيعات الموارد الطبيعية.
أما بلدان الخليج العربي، فلم تنجح إلى حد الآن في تخفيض حصة البترول، خلال العقود الأخيرة، حتى وإن كان البعض منها يتهيأ بشكل جدي لمرحلة ما بعد النفط من خلال تنويع أنشطته الاقتصادية في الخدمات. وهكذا تظل الصادرات متكونة من المحروقات بنحو 84%، في السعودية ، وبنحو 93% في الكويت.
بعد سنوات من انخفاض أسعار المواد الأولية، تشكل عودة ارتفاع الأسعار لهذه الأخير نفحة من الأوكسجين للبلدان المنتجة، التي ما انفكت مصادرها الرئيسة من الصادرات تتدهور.
هل سيواجه العالم شحة في المواد الأولية؟ يجمع الخبراء على القول، أن العالم يترتب عليه أن يتكيف في العيش مع وجود مواد أولية مرتفعة في أسعارها ولعدة عقود. فالاقتصاد العالمي ينمو بوتيرة سريعة أكثر مما كنا نتصوره، وعليه أن يدمج 2،5 مليار شخصا – سكان الصين و الهند مجتمعين. إن الضغط الذي يمارسه هذا الطلب الإضافي هو أقوى بكثير من أن توازنه الاكتشافات التكنولوجية التي سمحت حتى الوقت الحاضر بجعل الأسعار معتدلة، بل إنها أسهمت في تخفيضها.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018