ارشيف من : 2005-2008

الحرب الباردة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية 24/6/2006

الحرب الباردة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية  24/6/2006

كتب توفيق المديني‏

تسود حالة من الخوف في أوساط الاستراتيجيين الأمريكيين، جراء تحول الصين إلى قوة عظمى هي في طور تقويض قاعدة عظمة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ توجه لها تحديا يمكن أن يعرضها للخطر. وبالمقابل يشعر الاستراتيجيون الصينيون بنوع من القلق بسبب المؤامرات التي تحيكها أمريكا للحيلولة دون تحول الصين إلى قوة عظمى.‏

ولا شك أن استراتيجية " وقف مسيرة التقدم" تنبعث منها رائحة نذير شر حرب باردة. وبالاستماع إلى هذيان الطرفين، يخال للمرء أن البلدين قد انطلقا في مدار تصادمي. والكل يعرف السبب الرئيس، الذي يمكن أن يقود إلى حرب، أكثر من أي قضية متنازع عليها: إنها تايوان. فإذا أعلنت تايوان استقلالها رسميا ـ والجزيرة تتمتع بسيادة من الناحية الواقعية ـ سيتفجرالوضع، حينئذ تتدخل الصين للقضاء على الانفصاليين، وتركض واشنطن لنجدتهم. هذا السيناريو الكارثي لا يجوز تحاشيه ملائكيا. ولكنه يجعل كل من الطرفين يتصبب عرقا باردا، لأن تكلفته الاقتصادية ستكون ضخمة. وهنا تكمن المخاطرة.‏

وبسبب تداخل الاقتصادين الأمريكي والصيني، ومن حولهما قسم كبير من الاقتصاد العالمي، فإن أي صدام سيقود إلى كارثة. والحال هذه، هل هو شيء مناف للعقل حين نتكلم عن "حرب باردة" لتوصيف الخلافات المعاودة بين القوتين العظميين في المحيط الهادي. ففي زمن الاتحاد السوفياتي، لم يكن هناك زواج مصالح بين هذا الأخير وأمريكا، مثلما هو زواج المصلحة القائم حاليا بين بكين وواشنطن الذي تحقق في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون. ومفهوم أن بيل كلينتون وجورج بوش قد تبنا الذبذبات عينها تجاه الصين: انطلاق مذكرة للإنتقام، ثم إعادة التمركز على نقطة أكثر تعاونية. كما أنه مفهوم أيضا أن بكين تمسكت بكبح جماح القومية لرأيها العام، لا سيما لدى النخبات المدينية الجديدة. فالعاصمتان لا تسمحان في هذا الطور، أن تندلع أزمة بينهما.‏

وتدشن العلاقات بين الصين و أمريكا براديغم جديد في العلاقات الدولية : التشققات الاستراتيجية في عولمة متبادلة، إذ تشد الجيوبوليتيك النابذة والاقتصاد الجاذب في اتجاه معاكس، وينتهيان إلى تعادل القوى.وبصرف النظر عن تصاعد موجة الشكوك المتبادلة ، فإن البلدين مقيدان بعلاقة:"تشيلني، وأشيلك"، وهي نوع من توازن الرعب الاقتصادي الذي ينبسط على ثلاث جبهات رئيسة، لعل أبرزها جبهة النفط.‏

الصين لديها ضمأ لا يروى للطاقة ، إذ إنها تستهلك كميات كبيرة جدا من المحروقات لتغذية نموها الاستثنائي.بيد أن المشكلة التي تواجهها تتمثل في نضوب احتيا طاتها من البترول، الأمر الذي يدفعها إلى استيراد 40% من حاجياتها النفطية.وهذه مسألة حساسة تمس دوغما الاكتفاء الذاتي، الشعار المركزي الذي كان سائدا في عهد ماو.‏

بيد أن الانقلاب حصل في عام 1993، وهو بمنزلة تحول تاريخي عندما شاهدنا إعادة إنعاش الاصلاح الاقتصادي بعد التجمد الإيديولوجي الذي استتبع القمع الذي حصل في ساحة تيان آن مين عام 1989. ومنذ حينئذ، ما انفكت التبعية إزاء الإمدادات بالنفط تثقل. وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن حصة الواردات في الاستهلاك تؤول إلى تجاوز80% في عام 2030. و هذه الآفاق تنذر القيادات الصينية، لأنها تنمي القابلية للإنجراح الاستراتيجي للبلاد.‏

أكثر من ثلثي الواردات الصينية من النفط يأتي من الشرق الأوسط.و إضافة إلى عدم الاستقرار السمة التي تمتاز بها المنطقة، فإن البترول المصدر إلى الصين يمر بوساطة الطرق البحرية. والحال هذه ، فالمسافة التي تقدر بنحو 12000 كيلومترا ، و تفصل بين نقطة الانطلاق، مضيق هرمز، ونقطة النهاية، ميناء شنغهاي، هي مسيطر عليها من قبل البحرية الأمريكية. وتتكيف بكين بصعوبة مع هذه التبعية: اندلاع الصراع، سيقطع الأسطول الأمريكي الذي يمتلك الوسائط العسكرية طرق امداد الصين بالنفط،و بالتالي إغراقها في الكساد الاقتصادي والكارثة الاجتماعية. وهنا يكمن الاختلاف الكبير مع اليابان، التي على الرغم من أنها تابعة أيضا للممونين الخارجيين، فإنها تتمتع بحماية المظلة الاستراتيجية الأمريكية. وقد وعد نظام بكبن بحل هذه الملزمة ، التي تحولت إلى قضية وطنية.‏

والحال هذه انطلقت الصين للبحث عن تنوع البلدان التي تزودها بالنفط.وأصبحت هذه "الدبلوماسية النفطية"الصينية نشيطة جدا إلى درجة أنها باتت تعيد رسم الخريطة العالمية للطاقة.‏

فقد حققت الصين اختراقا كبيرا في إفريقيا (السودان ، أنغولا، نيجريا...) وفي أمريكا اللاتينية ، حيث أصبحت الروابط عميقة جدا مع فنزويلا هوغو شافيز.‏

بيد أن هاجس الصين يكمن بالأحرى في تجنب الطرق البحرية و تفضيلها بالإمدادات عن طريق مد خط الأنابيب القارية في آسيا الوسطى، المضمونة أكثر.و يمكن أن تعتمد في هذه الاستراتيجية على تواطؤ روسيا ، حيث أن ولائها ليس مطلقا.فقد خفتت حماسة الصين بسبب انتظارية موسكو بشأن بناء خط أنابيب يربط سيبيريا بمنشوريا . و هذا ما جعل القيادات الصينية تطور علاقاتها مع بلدان مثل تركمنستان (الغاز)، وتعزز تعاونها مع كازاخستان (البترول) ، المدعوة إلى زيادة تموينها للصين بالنفط(15% اليوم إلى 15% في المستقبل).‏

في إطار هذه "اللعبة الكبيرة" الجديدة، تحتل إيران مفتاحا رئيسا. ففي إطار الجهود التي تبذلها لكسر الطوق الأمريكي،تتودد بكين لطهران بقوة. إنه ميل له انعكاسات دبلوماسية خطيرة ، في الوقت الذي أصبح فيه الملف النووي الإيراني مطروحا في مجلس الأمن ، وموضوع مساومات عنيفة بين أمريكا و فرنسا وألمانيا و بريطانيا من جهة ن وروسيا و الصين من جهة أخرى، وحيث قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة للصين لحضور قمة شنغهاي. ويشارك الصينيون في استثمارحقول يادافاران ، قرب الحدود مع العراق. وتأمل بكين أن تشارك في مشروع مد أنابيب يشق إيران حتى بحر قزوين، حيث سترتبط التوصيلة مع خط أنابيب ثاني يربط كازاخستان مع الصين الغربية. فإلى جانب أنغولا، والمملكة العربية السعودية، أصبحت إيران المزود الكبير للصين ، إذ تصدر لها 11% من وارداتها النفطية.‏

بالنسبة للإسترتيجية النفطية للصين، تقدم إيران مصلحة مزدوجة. فهي دولة نفطية يمكن الوصول إليها بسهولة. وهي على صعيد موقعها الجغرافي، منفتحة على آسيا الوسطى بوجه خاص. وقد وقع البلدان في عام 2004 على اتفاق، تشتري بموجبه الصين نفطا وغازا من إيران بقيمة 70 مليار دولار على مدى ثلاثين عاما.‏

خاص الانتقاد.نت‏

2006-10-30