ارشيف من : 2005-2008
روسيا في مواجهة الناتو عبر منظمة (أو دي كي بي) 26/6/2006
كتب طه عبد الواحد (*)
من عاصمة إلى أخرى تنقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليشارك خلال الشهر الجاري في أكثر من قمة لأكثر من منظمة إقليمية تم تأسيسها من أجل تكامل أفضل بين الجمهوريات السوفييتية السابقة التي يمكن وصفها بالجمهوريات الموالية للتكامل مع روسيا. فبعد لقاءاته المكثفة مع عدد من قادة هذه الجمهوريات في مدينة سوتشي الساحلية انتقل الرئيس الروسي إلى الصين ليشارك بأعمال قمة منظمة شنغهاي، ومن هناك توجه إلى العاصمة الكازاخية (أستانا) ليحضر أعمال المؤتمر الثاني للتعاون بين دول آسيا، بعد ذلك اتجه إلى العاصمة البيلاروسية مينسك حيث قمة منظمة دول اتفاقية الأمن الجماعي، وفي الوقت نفسه قمة الدول الأعضاء في منظمة (يفرآزيس) الاقتصادية.
ومن نافل القول إن كل هذه الفعاليات والنشاطات السياسية واللقاءات تهدف بالدرجة الأولى إلى استعادة روسيا لنفوذها التقليدي في آسيا الوسطى، في ظل تزايد ما يمكن وصفه بالتهديدات للأمن الروسي من طرف الناتو، الذي نقلت بعض وكالات الإعلام نبأ رغبته بنشر قواعد رادارات في أوكرانيا بعد انضمامها إلى الحلف. ومع أن مسألة العضوية الأوكرانية، والجورجية كذلك، في حلف شمال الأطلسي تبقى مسألة محاطة بالكثير من التعقيدات وقد لا تتحقق، لكن القيادة الروسية قررت على ما يبدو الاستعداد لما هو أسوأ، أي العضوية لهاتين الجمهوريتين في الحلف مع ما ستحمله هذه الخطوة من تهديد لروسيا.
في هذا السياق أتت أعمال قمة مينسك للدول الأعضاء في منظمة اتفاقية الأمن الجماعي ( أو دي كي بي) التي أسستها بتاريخ 15/5/1992 ست جمهوريات سوفييتية سابقة وهي: روسيا، بيلاروسيا، كازخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، أرمينيا. إذ وقعت هذه الجمهوريات اتفاقية تعاون عسكري فيما بينها لتنفيذ المهام المتصلة بأمنها الجماعي، بما في ذلك تقديم الدعم العسكري لأي دولة عضو في المنظمة في حال تعرضها لعدوان خارجي. ففي القمة الأخيرة كان الإعلان عن عودة أوزبكستان إلى صفوف المنظمة خبر له دلالاته على سعي المنظمة لتقوية نفوذها في آسيا الوسطى، التي يسعى الغرب إلى السيطرة عليها. ومع أن التصريحات التي أدلى بها قادة المنظمة لم تذكر بالتحديد اسم الناتو، إلا أن عبارة الرئيس الكازاخي نزاربايف عن (دور المنظمة في أمن آسيا الوسطى واستقرارها ، وأهمية هذا الدور) لا تخلو من الإشارة إلى سعي جمهوريات آسيا الوسطى إلى الاعتماد على الذات في المسائل الأمنية، وعدم الرغبة بوجود قوات أجنبية في المنطقة.
والأمر هنا لا يتوقف على آسيا الوسطى، فقمة منظمة (أو دي كي بي) جرت في مينسك عاصمة بيلاروسيا التي ما تزال عرضة للضغوطات الغربية. فأتت القمة وكأنها تأكيد لوقوف كل دول المنظمة إلى جانب القيادة الروسية في الظرف الحالي. ولما تزامنت قمة منظمة دول اتفاقية الأمن الجماعي مع قمة منظمة (يفرآزيس)للتعاون الاقتصادي الأورآسيوي، والتي تضم الدول أعضاء منظمة الأمن الجماعي باستثناء أرمينيا، فإن رسالة ثانية قد أُرسلت إلى الغرب تشير إلى أهمية بيلاروسيا في عمليات التكامل العسكري والسياسي والاقتصادي الجارية بين الجمهوريات الأكبر مساحة والأكثر قوة اقتصادية وأهمية استراتيجية من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة. وكأن القمة تعلن أن عزل بيلاروسيا الذي تسعى واشنطن نحوه أمر مستحيل، هذا أولاً، أما ثانياً فإن التزام مينسك إلى جانب روسيا والدول الأعضاء في منظمتي (أو دي كي بي ) و (يفر آزيس) بهذه الاتفاقيات والأطر الإقليمية يغلق الأبواب أمام أي سلطة قد تحل محل الحالية في بيلاروسيا لتبني نهج سياسي موال للغرب.
لكن منظمة اتفاقية الأمن الجماعي (أو دي كي بي) لم تنمُ بعد إلى المستوى المطلوب الذي قد يتناسب مع رؤية روسيا لهذا المنظمة ودورها في الحد من توسع الناتو وانتشار القوات الأمريكية في آسيا الوسطى. فالقوات الأمريكية ما زالت موجودة في قرغيزيا ويُتوقع أن توافق واشنطن على الشروط القرغيزية بدفع 200 مليون دولار عوضاً عن مليوني دولار للبقاء في القاعدة، ما يعني الحفاظ على وجودها في آسيا الوسطى، وفي واحدة من الدول الأعضاء في منظمة اتفاقية الأمن الجماعي. وهناك طاجيكستان التي وافق رئيسها رحمانوف على توسيع قاعدة القوات الفرنسية في بلاده التي تقدم الدعم اللوجستي لقولت التحالف العاملة في أفغانستان. ويرى المحللون أن هذا الأمر يعكس الضعف في التنسيق بين الدول أعضاء اتفاقية الأمن الجماعي، لأن أحد بنود هذه الاتفاقية يطلب من أي دولة عضو فيها أن تراجع الدول الأخرى في المنظمة في حال قررت فتح أراضيها أمام قوات أجنبية وبأن يتم أخذ القرار بالإجماع ضمن أطر المنظمة.
ويبدو أن روسيا قررت أن توجه الرد بطريقتها دون توجيه اللوم لأي دولة عضو في المنظمة. فبعد الإعلان عن عضوية أوزبكستان في منظمة اتفاقية الأمن الجماعي، صرح الرئيس نور سلطان نزاربايف أن الأشهر القادمة ستكشف عن الدور الذي من المفروض أن تلعبه المنظمة في أمن آسيا الوسطى. وفي تعليق له على هذا التصريح تحدث وزير الدفاع الروسي عن عملية عسكرية دون أن يتناول التفاصيل. وحسب بعض المصادر فإن الحديث يدور على الأغلب عن عملية لقوات المنظمة في أفغانستان، التي ما زالت قوات التحالف عاجزة عن إحلال الاستقرار فيها. وفي حال صحت التوقعات فإن عملية كهذه ستؤدي حتماً إلى تثبيت دور المنظمة كقوة إقليمية تملك الحق في التدخل من أجل أمن المنطقة، ومن جانب آخر فإن تدخل من هذا النوع سيكون مثل كشف الستار عن حقيقة الفشل الأمريكي في أفغانستان، وبالتأكيد سيكون للأمر انعكاساته على الموقف الدولي للولايات المتحدة المتدهور نتيجة حربَيْ واشنطن في أفغانستان وفي العراق.
إن سعي روسيا لتحصين مناطق نفوذها جنوباً من جهة آسيا الوسطى، وغرباً من جهة بيلاروسيا من خلال منظمة اتفاقية الأمن الجماعي خطوات تحمل في جوهرها مواجهة مع واشنطن والناتو الحلف الذي ما زال يلعب دور الذراع الأمريكية في أوروبا وعلى الحدود مع روسيا. أما ابتعاد القادة المشاركين في أعمال قمة مينسك عن تناول موضوع التنافس مع الناتو فهو ليس أكثر من محاولة للابتعاد عن المواجهة المفتوحة التي يقول البعض أن واشنطن ترغب بالترويج لها ولو إعلامياً من أجل ترهيب أوروبا من روسيا ودفعها إلى التمسك بالنظام الأمني الأمريكي المفروض عليها عبر الناتو.
(*)كاتب صحفي متخصص بالشؤون الروسية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018