ارشيف من : 2005-2008

تزايد تبييض الأموال في ظل العولمة ـ 27/6/2006

تزايد تبييض الأموال في ظل العولمة ـ 27/6/2006

كتب توفيق المديني‏

يعتبر تبييض الأموال الوجه الأسود للمال العالمي، واللازمة المزعجة لعولمة الاقتصاد. فالمال القذر يزداد بصورة أسرع من النمو العالمي، إذ يقدر صندوق النقد الدولي تدفق الأموال سنويا ما بين 700 و1750 مليار يورو- أي ما يعادل ما بين 2% و 5% من الناتج الإجمالي العالمي. إنه يشكل تهديدا لسلامة النظام النقدي الدولي. و حسب الخبراء الدوليين، فإن أربعة أخماس هذه الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية يعاد استثمارها في الاقتصاد. و تبحث هذه الأموال عن التبييض في توظيفات مالية شرعية.‏

وفضلا عن ذلك ، فإن هذا التطورالمقلق يأتي في ظل تعبئة قوية شكليا ضد تبييض الأموال، من قبل دول، وسلطات ضبط، و فاعليات اقتصادية .ولم يكن الاهتمام لمكافحة الأموال القذرة، سواء المتأتية من تجارة المخدرات، أو تجارة الرقيق الأبيض، أو العبودية، أو الإرهاب، ذا مغزى كبير.‏

وفي هذا الصدد، و لنبدأ بقضية "كليرستريم "سنة 2001 و التي تحمل اسم شركة مالية أنشأت لتسهيل التسليم و الدفع للسندات بين البنوك: وهو بنك مشبوه في دولة اللوكسمبورغ الشهيرة و الصغيرة جدا و التي تلعب دور سويسرا في وسط أوروبا، بل إنها تحتوي على بنوك أكثر من سويسرا، وتقدم تشكيلة من الأدوات المالية - تروستات، حسابات سرية- التي تسمح بإخفاء هوية مالكيها. وهو بنك متهم بالتخصص في عمليات تبييض الأموال القذرة، و قد تسبب في خلق أزمة كبيرة للحكم الديغولي بسبب العمولات التي تلقاها بعض أركانه على صفقات الأسلحة وغيرها مع بعض الدول العربية.‏

زد على ذلك، وإذا استثنينا المراكز المالية أوفشورو بعض الفراديس الضريبية الأخرى- التي تظل ثقبا سوداء حقيقية في مجال تنظيم الأموال ـ و كذلك البلدان الناشئة النظامية كثيرا أو قليلا، يبدو أن البيئة التشريعية القائمة بمبادرة تجمع العمل المالي لتبييض رؤوس الأموال الذي أنشأ في يوليو 1989 - عقب قمة مجموعة البلدان الصناعية السبع- معيقة كثيرا.‏

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماهي العقبات التي تحول دون مقاومة تبييض الأموال القذرة؟‏

يجمع الخبراء في هذا المجال، أن هناك نقصا في الإرادة السياسية بالدرجة الأولى. لقد اعتقد الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبلور سياسة حقيقية لمكافحة تبييض الأموال بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال .‏

واستمرت الدول العظمى في سياستها القديمة من دون التعرض للمراكز المالية أوفشور، التي تحتوي على بنوك و شركات كبرى تمتلك فيها حسابات .كما أن المجتمع الدولي لم يفعل شيئا لتحسين التعاون في مجال تحقيق العدالة الدولية .و هنا أيضا تكمن مسؤولية الدول.‏

ثم إن هناك، الشبكة العنكبوتية لعملية تبييض الأموال عينها، التي تتبع مسارات طويلة، ومعقدة، و ن الصعب متابعتها، بهدف إخفاء كل معالم الأموال. فعملية تبييض الأموال يتم تنظيمها في ثلاثة أوقات :‏

"التوظيف" و يكمن في التخلص من الكميات النقدية الكبيرة من الأموال ذات المصدر المشبوه، لتحويلها إلى إيرادات مالية ، ثم "التكديس"، الذي يبعد الأرباح غير المشروعة من مصدرها بفضل العمليات المالية المتسلسلة، والتي تتحقق غالبا في عدة بلدان، وأخيرا،"اندماج "الأموال في الاقتصاد، على سبيل المثال شراء العقارات التي تغطي على الأموال من أصول إجرامية.‏

وتتعقد مهمة السلطات المكلفة بمكافحة تبييض الأموال القذرة كلما تقدمت التركيبات المالية في ظل العولمة. فعلى هامش وسائل التبييض الكلاسيكية المعروفة ( ألعاب أموال، ضمان مدى الحياة، تهريب الأموال إلى الخارج الخ) تظهر وسائل أكثر حداثوية ، إنها "المخابىء السرية ، تلك الشبكات السريعة جدا، والتي تصبح عائداتها أكثر جاذبية".‏

وإلى جانب الوسائل الجديدة في مجال المعلوماتية و الاتصالات، منها الأنترنت التي تسمح بنقل الأموال السريعة ، هناك "الطرق المالية من دون واسطات"، التي تسمح لعدد كبير من الفعاليات الاقتصادية الدخول مباشرة إلى الأسواق و شبكات الترانزيت المالية لإعادة هيكلة الأموال القذرة و تبييضها. وهنا تكمن التسهيلات الممنوحة للشركات في خلق فروع أوفشور، و" بالمقدار نفسه نقاط دخول الأموال التي نريد إخفاء مصدرها".‏

وتكمن عملية تبييض "الأموال القذرة" في التستر على مصدر كمية من الأموال تم كسبها بطرق غير شرعية – مخدرات ، دعارة، ابتزاز المال بالإكراه، لصوصية، نصب، تهرب من الضريبة، فساد، إجرام، قرصنة معلوماتية،-لأجل التمكن من استخدامها في أنشطة شرعية. وتشكل الفراديس الضريبية ، مظلة تسمح "بشرعنة" الأموال المتأتية من أنشطة غير شرعية، إذ يصعب مراقبة تدفق رؤوس الأموال التي تمر عبر بعض مراكز الأوفشور هذه.‏

إن الفراديس الضريبية هي كيانات شرعية تم إنشاؤها انطلاقا من مبدأ سيادة الدول. وهي تمثل، للاقتصاديين الليبراليين، جوهر اقتصاد السوق الحرة. وترى هذه المدرسة من التفكير أنه يجب التفريق بين التهرب الضريبي- جرم- من التفاؤل الضريبي الذي يكمن في التخفيف من الضرائب، وهي طريقة شرعية بل ومشجعة في بعض البلدان مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.‏

و تلعب الفراديس الضريبية أيضا دورا في العولمة الليبرالية. إنها تمكن على سبيل المثال مستثمرين البلدان غير المستقرة الاحتماء من أي عمل تقوم به حكوماتهم ضدهم .ولهذا السبب تستخدم أوساط رجال الأعمال الصينيين الجزر البريطانية العذراء للإستثمار في الصين.و ليس هذا مفاجئا في شيء، إذ إن أكثر من نصف الفراديس الضريبية كانت مستعمرات سابقة ، أو أراضي ماوراء البحار بريطانية.وقد كانت الفراديس الضريبية متورطة في كل الفضائح المالية الكبيرة .‏

أما المستفيد الرئيس من هذه الفراديس الضريبية ، فهي الشركات المتعددة الجنسيات.‏

لا شك أن عولمة الفوائد الضريبية تنتهك قواعد المنافسة الشريفة.‏

خاص الانتقاد.نت‏

2006-10-30