ارشيف من : 2005-2008
هل مرض الرئيس بوتفليقة من أسرار الدولة؟
توفيق المديني
يستمر الغموض حول طبيعة مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة( 68 سنة) ، منذ أن بدأ رحلة العلاج في المشفى العسكري الباريسي "فال دو غراس" يوم السبت 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي .
ففي بداية سهرة تلك الليلة، كان التلفزيون الجزائري يبث حفلا موسيقيا تكريما لأسطورة حية من الأغنية الأمازيغية: شرف خدام المنفي منذ عقود من الزمن في فرنسا، والذي يجسد لوحده، الخصوصية القبائلية. وفجأة انقطع البث، ليعلن التلفزيون الجزائري عن نقل الرئيس بوتفليقة إلى باريس لإجراء فحوصات طبية معمقة.
لا شك أن هذا الخبر كان له وقع الصاعقة على الرأي العام الجزائري والطبقة السياسية الحاكمة. فقد سرح الرأي العام الجزائري كعادته في مخياله الإجتماعي، تشقه مختلف الشائعات المجنونة:"طالما أذاعوا الخبر، فلا بد أن يكون في الأمر خطورة". بينما نجد آخرون يستعيدون الحجة عينها، لكنهم يعكسون النتيجة :"لوكان الأمر خطيرا، لما قتلوا المعلومة كما فعلوا في السابق عقب مرض هواري بومدين".
في ذلك اليوم من 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، كان برنامج الرئيس حافلا، إذ كان من المفترض أن يبتدأه باجتماع المجالس الاقتصادية والاجتماعية للإتحاد الإفريقي. لكن الرئيس بوتفليقة قضى ليلة سيئة للغاية، بسبب الآلام التي ألمت به على مستوى البطن منعته من النوم.
وفي الصباح الباكر، تقيا خثارات من الدم، الأمر الذي جعل أخاه و طبيبه الشخصي، مصطفى بوتفليقة ينقله إلى المشفي العسكري بعين النعجة. وتم إنذار رئيس الحكومة أحمد أويحي، ورئيس مجلس الشيوخ عبد القادر بن صالح الخليفة المعين من قبل الدستور في حال شغور السلطة، اللذين وصلا إلى المستشفى، وأخذا علما بالتقرير الطبي المقدم من قبل اطباء عين النعجة: "قرحة نزيفية على مستوى المعدة".
واكتفت السلطات الجزائرية ببعض البيانات الرامية إلى الطمأنة بشأن حالته الصحية من دون توضيح كل التساؤلات.
وبعد أن قدمت له الإسعافات الأولية في المشفى العسكري بعين النعجة في الجزائر العاصمة، قرر الأطباء المشرفون على علاجه طلبهم شأن نقله إلى الخارج لإجراء فحوصات معمقة.
أما السلطات الفرنسية فقالت أن ليس لديها معلومات حول صحة بوتفليقة (68 سنة) الذي نقل بشكل طارئ في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العاصمة الجزائرية إلى المستشفى العسكري "فال دوغراس" في الضاحية الباريسية.
بيد أن الرئيس بوتفليقة له سابقة مرضية، إذ كان يشكو من مرض كلوي مزمن، يتمثل في وجود تجويفات غير سرطانية، يمتد طولها من 1 إلى 10 سنتيمترات . وتعرقل هذه التجويفات العمل الطبيعي للكلي، و يتطلب علاجا منتظما وصارما. وقال مصدر قريب من الرئاسة ان الرئيس "يواصل نقاهته بهدوء "مؤكدا أنه "مريض منضبط" يمتثل "بكل صرامة" لتوصيات الأطباء، ولم يشر إلى موعد خروج الرئيس من المستشفى. في حين أكد رئيس الحكومة أحمد اويحيى مستندا للأطباء ان عودة بوتفليقة إلى الجزائر "مسألة وقت"، إلا أن استمرار بوتفليقة في المستشفى وقلة التوضيحات حول حالته الصحية ما انفكت تثير التساؤلات.
وتحدث طبيب جراح يعمل في باريس لـ "فرانس برس" عن "طول مكوث الرئيس في المستشفى" موضحا ان القرحة في المعدة أصبحت تعالج بالأدوية بشكل عام في فرنسا حتى أن العمليات الجراحية أصبحت نادرة، وأكد الجراح انه عندما لا يكفي العلاج يتم اللجوء إلى التدخل عن طريق التنظير الباطني وفي حال وقع نزيف كبير "يتم فتح المعدة واستئصال الجزء الذي ينزف". وان الحالات الأكثر خطورة "تشير في اغلب الأحيان إلى إصابات اخطر كالسرطان".
وفيما وصرح اويحيى لوكالة الانباء الجزائرية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيغادر مستشفى "فال دو غراس" بعد بضعة أيام، مضيفا : "ان المعلومات التي استقيها يوميا من الفريق المشرف على رئيس الدولة في باريس بمن فيهم البروفسور مسعود زيتوني تشير الى ان نقاهة الرئيس بوتفليقة تجري على ما يرام". ورجح الطبيب الفرنسي الاخصائي في المسالك البولية برنار دوبريه أن يكون الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي أدخل أحد المستشفيات في باريس في 26 تشرين الثاني /نوفمبر يعاني من سرطان في المعدة.
وأعلن دوبريه رئيس قسم أمراض المسالك البولية في مستشفى "كوشان" في باريس " من الصعب تشخيص المرض لانه اذا بدأ حقاً بنزف في الجهاز الهضمي فمن الارجح أن يتعلق الامر بسرطان في المعدة".
لاشك أن هذه المعلومات الكارثية غير كافية لكي تخرج السلطات الجزائرية عن صمتها. وقد تم وضع فريق محكم الطوق حول بوتفليقة على رأسه أخوه مصطفى، وأخوه الآخر سعيد ، المستشار الخاص لرئاسة الجمهورية. و تمنع العائلة كل إتصال هاتفي مع الرئيس (بعد أن أجريت له العملية الجراحية بعد يومين من وصوله إلى المستشفى الباريسي).وكان وزير الخارجية الجزائري محمد بجاوي المكلف برئاسة الوفد الجزائر في قمة باماكو الأخير يمر عبر باريس، و لكن من دون أن يرى الرئيس بوتفليقة، إذ يطمأنه سعيد ومصطفى عن الحالة الصحية لصديقه.
وعلى الرغم من مرضه ، إلا أن بوتفليقة يريد أن يعرف كل شيء. وأوضح بلخادم في هذا الصدد أن بوتفليقة يشرف بانتظام على تسيير شؤون بلاده، وأنه دأب من المستشفى الباريسي على تقديم التوجيهات وتوزيع المهام على مختلف الوزراء والمسؤولين، بما يسمح بمتابعة القضايا داخل الجزائر وخارجها.
وقال: إن بوتفليقة يتابع شؤون بلده باستمرار من دون كلل على رغم عدم تعافيه نهائياً. ويعتبرأحمد أويحيى القناة الوحيدة في العلاقة بين بوتفليقة وبقية الحكومة. وهي فوق ذلك، قناة غير مباشرة، بما أن الهاتف محتكر من قبل العائلة. وزد على ذلك، فإن الماكينة الإدارية لرئاسة الجمهورية أوكلت من بوتفليقة إلى سكرتيره الخاص، محمد روجاب (54 عاما) .
وينص الدستور الجزائري أن رئيس الغرفة الثانية (الشيوخ) يشغل قصر المرادية في حال وفاة الرئيس أو عائق دائم لرئيس الدولة. بيد أنه في حال مرض رئيس الجمهورية الذي خضع لعملية جراحية لا يمكن اعتباره عائقا أو حتى أيضا شغورا عن السلطة.
تاريخ النشر : 16/12/2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018