ارشيف من : 2005-2008
هل تتحول أزمة النظام التشادي إلى حرب مع السودان؟
كتب توفيق المديني
تشهد العلاقات بين الدولتين الجارتين تشاد والسودان توترا ً كبيرا ً، تسعى الديبلوماسية الإقليمية لاستيعابه وتخفيفه . وقت تراجعت مساحة التفاؤل التي صحبت مهمة وفد الاتحاد الافريقي للوساطة بين السودان وتشاد غداة مغادرة الوفد الخرطوم، وفضلت تشاد التي لم تبد حماسا ً لجهود الاتحاد تدخل تجمع دول الساحل والصحراء الذي يضم دول شمال افريقيا العربية والدول الافريقية المطلة على الصحراء الكبرى.
وفي الأثناء بعث الرئيس السوداني عمر البشير بمستشاره للشؤون الخارجية الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل إلى النيجر وتونس والجزائر ونيجيريا لمحاصرة الدعوة التشادية بعقد قمة عاجلة لدول تجمع الساحل والصحراء، للنظر في اتهامها بلاده بدعم متمردين يستهدفون إسقاط نظام الحكم في نجامينا، ودخلت الأزمة بين البلدين الجارين نفقا مظلما في الساعات الماضية، عندما هدد الجيش التشادي بملاحقة قوات المعارضة داخل الأراضي السودانية، ورد نظيره بحسم، كما اتهم الرئيس التشادي ادريس ديبي السودان بإعداد عدوان جديد على بلاده.
إن تدهور العلاقات التشادية – السودانية ، المستمرة منذ عام 2004، شهدت تسارعا ً مفاجئا ً، يوم الجمعة 23 كانون الأول/ ديسمبر 2005، بعد إعلان الحكومة التشادية أنها تعتبر نفسها "في حالة حرب مع السودان"، و"أن أصدقاء التشاد يترتب عليهم مساندته بكل الوسائل في هذا الاختبار".
وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي دق ناقوس الخطر مجددا، عندما اتهم أول أمس السودان بالإعداد لما سماه عدوانا جديدا ضده تشنه المجموعات التشادية المتمردة انطلاقا من أراضيه، وقال في ختام لقاء استمر ساعتين مع رئيس افريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي إن هذا ما يحضر له في الجنينة في غرب السودان، حيث أرسل السودان رتلا مؤللا يضم خمسين آلية، وأضاف :"نتخوف كثيرا من أن تؤدي هذه التحركات إلى زعزعة الاستقرار في جمهورية افريقيا الوسطى أيضاً".
وكان الهجوم الذي تعرضت له يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، المدينة التشادية الحدودية مع السودان ،أدري ، الواقعة في أقصى شرق البلاد، من قبل مجموعات متمردة قادمة من السودان، قد أطلق الاتهامات التشادية من عقالها.فالهجوم الذي قادته إثنية التماس ـ وهي إثنية معارضة لإثنية الزغواس، التي ينتمي إليها الرئيس ديبي – والمساندة من قبل الفارين من الجيش التشادي ، مني بالفشل.
وكانت أجهزة المخابرات التشادية على علم بالهجوم، فأرسلت نجامينا تعزيزات إلى عين المكان. وتكفل التحضير السيىءللهجوم بالبقية.فتفرق قسم من المهاجمين في المنطقة، بينما التجأ القسم الآخر إلى السودان. ولعبت شخصية قائد المتمردين التشاديين النقيب محمد نوردورا رئيسا في بلورة ردة الفعل التشادية. فالنقيب محمد النور، الذي شكل "التجمع من أجل الحريات و الديمقراطية"، لم يخف طموحاته، إذ صرح لصحيفة لوموند الفرنسية في شهر كانون الثاني/ يناير 2004، أنه في سبيل تحقيق هدفه ـ "الإطاحة بالطاغية ديبي" ـ فهو مستعد للتحالف مع النظام السوداني، ووضع قواته تحت تصرف الخرطوم لقمع التمرد السوداني في إقليم دارفور.
ويعتبرالمحللون للشؤون الإفريقية ، أن هذا الهجوم الأخير جاء في سياق سلسلة كاملة من الأحداث شهدها تشاد هذه السنة .ففي 7 نيسان/ ابريل الماضي ، اتهمت نجامينا السودان بتدريب مليشيا تعد نحو 3000 رجل على الحدود بين البلدين.و في 26 أيلول/ سبتمبر تعرضت قرية مدايون، الواقعة في شرق التشاد، إلى هجوم من قبل متمردين قادمين من السودان، أدى إلى مقتل 75 شخصا، منهم 55 مدنيا.
وقتل من جانب المتمردين 17 مقاتلا، حينئذ اتهم الرئيس إدريس ديبي مليشيا الجانجويد.وفي3 تشرين الأول/ نوفمبر، أغلق تشاد قنصليته في مدينة الجنينة(غرب السودان)، وقنصلية السودان في مدينية أبيشي (شرق التشاد) "لأسباب أمنية " .
إلى حد الآن، لايزال رد فعل الحكومة السودانية معتدلا في مواجهة الاتهامات التشادية. بكل تأكيد ،اتهمت السلطات السودانية القوات الحكومية التشادية بملاحقة المتمردين التشاديين داخل عمق الأراضي السودانية بنحو خمسة كيلومترات، لكنها لم تسع إلى التصعيد.
وبالمقابل نجد تشدداً من جانب السلطات التشادية، إذ رفض وزير الخارجية التشادي أحمد علامي مقابلة بعثة "فض الأزمة" التابعة للاتحاد الأفريقي على الرغم من بقائها في عاصمة بلاده لأكثر من ثماني عشرة ساعة، وكانت البعثة المكونة من ثمانية من الدبلوماسيين العاملين في مفوضية الاتحاد الافريقي حملت من الخرطوم موافقة الرئيس عمر البشير على عقد مفاوضات مباشرة للنظر في التهم التشادية لبلاده.
وعللت المصادر رفض تشاد بضعف حماسها لأي جهود وساطة يمكن أن يقوم بها الاتحاد الافريقي برغبتها بفتح الملف على طاولة تجمع الساحل والصحراء، خصوصاً وأن دولاً إفريقية مؤثرة، بينها مصر وجنوب افريقيا، اعترضت على طلب تشاد عدم عقد قمة الاتحاد الافريقي المقبلة في الخرطوم.
وكان الرئيس ديبي طلب أول أمس من دول تجمع الساحل والصحراء عقد قمة عاجلة لوقف ما أسماه العداء السوداني لبلاده، وفيما لم يصدر أي رد فعل من دول التجمع، وهي السودان وليبيا وتشاد والجزائر وتونس والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، كثفت الخرطوم جهودها الديبلوماسية لإفشال المسعى التشادي، لجهة أن القمة الافريقية المنتظر عقدها في الخرطوم في الشهر المقبل كفيلة بحسم الخلافات الافريقية.
في الحقيقة، الأزمة التشادية – السودانية ،يجب البحث عن أسبابها في مكان آخر، أي في الصراعات الداخلية على السلطة في نجامينا، إذ يعيش نظام إدريس ديبي نهاية عهد، مرتبطة بشكوك كبيرة تتعلق بصحته.وأصبح الصراع على السلطة على أشده، داخل الفريق الرئاسي المنتمي إلى إثنية الزغواس التي تضم العديد من الإثنيات الصغيرة. فبعض الزغواسيين الخائفين من إزاحتهم من السلطة ،بعد غياب إدريس ديبي، انطلقوا منذ الآن ، لخوض الصراع على السلطة.
والحال هذه، تشكلت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، في شرق البلاد، حركة مسلحة تدعى"القاعدة للتغيير، والوحدة الوطنية، والديمقراطية"، يقودها توم إرديمي الرئيس السابق لديوان إدريس ديبي، والمنسق الوطني السابق لمشروع النفط. ثم إن توم إرديمي، ابن أخ الرئيس إدريس ديبي، وأحد أعمدة النظام سابقا، المقيم الان في الولايات المتحدة الأمريكية، يريد رحيل ديبي.
من هنا نفهم أن هجوم الحكومة التشادية على السودان، يراد منه تقريبا إجبار المجتمع الدولي على التورط في هذه الأزمة المفتعلة، التي هي في المحصلة النهائية ليست سوى أزمة داخلية للنظام التشادي. ففرنسا التي تملك حضورا عسكريا( تعزز في الأيام الأخيرة)، وجالية يقدر عددها بنحو 3000 شخصا ً في التشاد، هي بدون شك مستهدفة من خلال هذا النداء لحماية النظام التشادي الآيل للسقوط. وحسب قول رئيس هيئة الأركان للجيوش الفرنسية، المتواجد في نجامينا ، فإن فرنسا ستستخدم كل الوسائل، لدى فرقاء الصراع، للحيلولة دون أن تتطور هذه الأزمة إلى حرب.
الانتقاد.نت / 28/12/2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018