ارشيف من : 2005-2008

العلاقات الأمريكية – السورية ونهج الإملاء المتصاعد ضد دمشق

العلاقات الأمريكية – السورية ونهج الإملاء المتصاعد ضد دمشق

كتب خورشيد دلي‏‏

لم تكن العلاقات السورية - الأمريكية جيدة طوال العقود الماضية الا انها لن تصل في يوم من الأيام إلى هذا المستوى من الضغط والابتزاز الأمريكيين لسوريا والتلميح بعمل عسكري ضدها, فلا يكاد يمر يوم الا ونسمع فيه تصريحات لكبار المسؤولين الأمريكيين يطالبون فيها دمشق بالكف عن التدخل في شؤون لبنان والانسحاب منه وكذلك بضمان أمن الحدود مع العراق وبطرد قادة الفصائل الفلسطينية المتواجدين في سوريا , ومن يدقق في المطالب الأمريكية هذه سيجد أنها أصبحت تأخذ تدريجيا شكل قوانين باتت مدرجة وملزمة على جدول أعمال السياسية الأمريكية الخارجية , فمن قانون ( محاسبة سوريا وتحرير لبنان ) الذي أقره الكونغرس الأمريكي وصولا إلى المحاولات الجارية حاليا مع فرنسا لإصدار قرارات جديدة في الأمم المتحدة ضد سورية .. كل ذلك يشير إلى أن سوريا باتت أمام تصعيد منهجي منظم من قبل الإدارة الأمريكية التي تحس بنشوة القوة والانتصارات العسكرية في أفغانستان والعراق فضلا عن جاذبية الثورات البرتقالية والمخملية في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا .... حيث تعتقد هذه الإدارة بأن سياساتها وخاصة في ظل نفوذ تيار المحافظين الجدد في المؤسسات الأمريكية كفيلة بتغيير خريطة منطقة الشرق الأوسط وإعادة تشكليها من جديد وفقا للمصالح العليا الأمريكية والتي تأخذ شكل العولمة الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط في الأمن والاقتصاد والمجتمع وصولا إلى الفكر والتفكير .‏‏

في الواقع , حتى وقت قريب وتحديدا إلى لحظة ما قبل أحداث أيلول/ سبتمبر الأمريكية كانت العلاقات الأمريكية السورية تقوم على نوع من التجاذب على القضايا والمشكلات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط, وهذا ما حصل في اتفاق الطائف بشأن لبنان وفي التحالف الدولي ضد نظام صدام حسين عام 1991 عقب غزوه دولة الكويت ومن ثم في مؤتمر مدريد للسلام ولاحقا المفاوضات السورية - الإسرائيلية وصولا إلى قمة الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الأمريكي بيل كلينتون في جنيف , بعد أحداث أيلول الأمريكية وما جرى في أفغانستان والعراق .. يمكن القول ان العلاقات الأمريكية - السورية انتقلت من مرحلة التجاذب إلى مرحلة الابتزاز التي يبدو انها لن تدوم طويلا لجهة تحقيق الأهداف المنشودة منها أمريكيا , فلم تعد الإدارة الجمهورية معنية بما تعده سوريا شأن أو شؤون إقليمية تمس أمنها الوطني والقومي, بل وفقا للرؤية الأمريكية الجديدة فأن السياسة السورية السابقة باتت تشكل تدخلا في شؤون الجيران الإقليميين , فليس من حقها حتى إبداء الملاحظة إزاء السلوك الأمريكي في العراق مع انه احتلال لبلد جار كانت سوريا تعده عمقا استراتيجيا لها في الصراع مع "إسرائيل", واتفاق الطائف وما نتج عنه لاحقا تحول إلى ملف للضغط الأمريكي والدولي على دمشق خاصة بعد صدور القرار الدولي 1559 والذي يبدو إن مفاعيله لن تنته حتى بانسحاب كامل القوات السورية من لبنان خاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتداعيات الساحة اللبنانية والمطالبة المتصاعدة بنزع سلاح حزب الله, ولعل الأخطر بالنسبة للسياسة السورية التي تنهج نهجا معينا في مسألة الصراع مع "إسرائيل" وإدارته انه في مقابل تصاعد هذه الضغوط وكثافتها لم يعد الحديث عن السلام مع إسرائيل وفقا لمبدأ استعادة الأرض مقابل السلام مطروحا من قبل الجانبين الأمريكي والإسرائيلي على الرغم من التمسك السوري, بل إن لسان حال شارون ومن خلفه الأمريكي يقول ان الزمن والأحداث والمتغيرات تجاوزت هذه المعادلة في الصراع القائم في الشرق الأوسط.‏‏

مع كل يوم جديد ومطلب أمريكي جديد من دمشق تحس الأخيرة بأنها باتت مستهدفة بشكل مباشر خاصة وأنها تحس بأن المطالب الأمريكية منها هي في العمق مطالب إسرائيلية تهدف إلى تجريدها من أوراقها الإقليمية في إدارة الصراع مع "إسرائيل" ودفعها إلى الانكفاء نحو الداخل والدفاع عن نفسها من هناك , وفي ظل المحاولات المتعثرة حتى الآن لإصلاح الداخل وصعوبة التفرغ أو إعطاء الأولوية له في ظل المتغيرات المتسارعة من حولها إقليميا ودوليا باتت الأوساط السورية الرسمية والشعبية تعتقد بل وتجزم البعض منها بان مسلسل التصعيد الأمريكي ضد سوريا لن يتوقف وصولا إلى لحظة التحرك ضدها وذلك في قناعة شبه أكيدة بأن وراء الابتزاز الأمريكي لسورية استراتيجية مسبقة لها أهداف محددة , وقد تظهر الخطوات العملية لتنفيذ هذه الاستراتيجية في الظروف المناسبة أمريكيا ودوليا طالما ان سوريا في ذهن المحافظين الجدد تشكل عقبة في وجه سياسات الإدارة الأمريكية التي بدأت تحكم الخناق من حول السياسة السورية .‏‏

2006-10-30