ارشيف من : 2005-2008

صراع رؤيتين في القمة الأمريكية

صراع رؤيتين في القمة الأمريكية

توفيق المديني‏

شهدت القمة الأمريكية الرابعة التي جمعت يومي 4و5 تشرين الثاني نوفمبرالجاري في مدينة مار دي بلاتا التي تبعد حوالي 400 كيلومتر جنوب بيونس أيرس ، رؤساء دول و حكومات 34 بلد ا من القارة الأمريكية، صراعا بين رؤيتين متناقضتين للأمريكيتين، رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش ، ورؤية نظيره الفنزويلي هوغو شافيز.‏

وألقت التوترات الأمريكية ـ الفنزويلية، والاحتجاجات على الرئيس بوش ـ الذي تراجعت شعبية الى 35%، وهي أدنى مستوى له منذ انتخابه للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2000ـ بظلالها على جدول أعمال القمة التي تتركز على التجارة ومحاربة الفقر، إذ نشر نحو ثمانية آلاف عنصر من قوات الأمن في منتجع مار ديل بلاتا حيث تقام القمة، وشارك حوالي 10000 شخصا في تظاهرة معادية لبوش قادها نجم كرة القدم الأرجنتيني السابق دييجو مارادونا و رافقه فيها القائد لـ"لكوكاليروس" البوليفيين ، إيفو موراليس، مرشح الحركة من أجل الإشتراكية للإنتخابات الرئاسية التي ستجرى في كانون الاول/ديسمبر المقبل .‏

ومنذ اليوم الأول في جولته التي تشمل عدة بلدان من أمريكا اللاتينية واجه الرئيس بوش سلسلة من الإنتقادات من قبل نظرائه الجنوبيين بشأن مشروعه الكبير المتعلق بإنشاء السوق القارية الكبرى للأميركيتين بوصفها فكرة قديمة ـ جديدة .إذ يعد مشروع إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الأمريكيتين تجسيدا لحلم الرئيسالأمريكي الاسبق جورج بوش في اقامة منطقة تجارة حرة تعزز النفوذ والوجود الأمريكي في أمريكا الجنوبية خاصة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة و بروز كتل ومنظمات اقتصادية اقليمية مثل :الاتحاد الاوروبي, و الاسيان, والايبيك, و زيادة التوجه نحو التعاون القاري بين القارات و من أمثلته:الحوار الاوروبي – الاسيوي, والاروبي الافريقي. هذا بالاضافة إلى أن هذه المنطقة تعد أحدى المحطات الهامة في طريق الرئيس الحالي جورج بوش الابن لضمان سيادة و هيمنة الولايات المتحدة على السياسة التجارية العالمية في ظل العولمة, حيث أن هناك تصورا لبوش يرى الولايات المتحدة كدولة مرابطة محاطة بالاعداء عسكريين و تجاريين على حد سواء, و أنه لابد من ضرورة اخضاع هؤلاء الاعداء و احدا تلو الاخر للارادة والمصلحة الأمريكية. وتعد أمريكا اللاتينية أول هؤلاء الاعداء , لذا كانت البداية بهم من خلال اقامة هذه المنطقة للتجارة الحرة.‏

وقد واجه الرئيس جورج بوش ارتياب وشكوك نظرائه الأمريكيين اللاتينيين بسبب مشاريعه الإقتصادية، المعتبرة متطرفة في ليبراليتها، في الوقت الذي تتجه فيه أمريكا اللاتينية نحو اليسار.‏

فالحلم الأمريكي بإنشاء السوق القارية الكبرى التي تمتد من ألاسكا إلى أرض النار، التي أطلقها الرئيس السابق بيل كلينتون السير عام 1994، يصطدم بمعارضة قوية من قبل عدة بلدان تعتبر مع ذلك حليفة للولايات المتحدة الأمريكية . فالأرجنتين والبرازيل، ولكن ايضا الأوراغواي و الباراغواي يتوجسون من الإنضمام إلى منطقة التجارة الحرة للأمريكيتين ، معتبرين أن مقترحات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إنفتاح أسواقها الزراعية غير كافية.‏

ويرغب المسؤولون الارجنتينيون من الزعماء المشاركين في القمة التركيز على سبل القضاء على الفقر وخلق الوظائف، الا ان التجارة الحرة احتلت مكانا بارزا كذلك على جدو ل أعمال القمة. واعترف الرئيس بوش قبل سفره إلى أن مشروعه هو الآن "في نقطة العطالة"، بسبب الإنقسام الحاصل بين دول أمريكا اللاتينية على نفسها بشأن ذلك المشروع . وقال مصدر مقرب من المفاوضين الأرجنتينيين أن "كل بلد من البلدان يتشبث بمواقفه ولا أحد مستعد للتزحزح عن موقفه"، وترغب المجموعة التي تقودها الولايات المتحدة والمؤلفة من كندا والمكسيك وتشيلي وكولومبيا ودول الكاريبي في ان يتضمن البيان الختامي للقمة موعداً لجولة جديدة من محادثات منطقة التجارة الحرة في عام 2006. الا ان المجموعة المقابلة المؤلفة من البرازيل والارجنتين والاورغواي وباراغواي ترفض تحديد موعد وتقترح بدلاً عن ذلك اصدار بيان عام عن التكامل الاقتصادي.‏

إن المشروع الأمريكي يقابله مشروع الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الإقليمي. فمنذ وصوله إلى السلطة عام 1998ما انفك الرئيس شافيز يعبر بوضوح عن طموحاته الإقليمية بشأن أمريكا اللاتينية . فالحركة التي يقودها ضد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، لا تحظى بعين الرضى من قبل إدارة الرئيس بوش . فقد أطلق في شهر يوليو 2005 فضائية جديدة سماها تيليسور تبث من كاراكاس ، وتجد دعما قويا من الأرجنتين، وكوبا، والأوراغواي . وهي بمنزلة تلفزيزن سي أن .أن أمريكي جنوبي له موازنة بنحو 10 مليون دولار، وممول من قبل فنزويلا بحدود 70%.‏

ومنذ بداية هذا العام، اشترت فنزويلا القوية بعائدات النفط المرتفعة، دين الأرجنتين بأكثر من 500 مليون دولار، و بقيمة معادلة من السندات الإكواتورية. وخلال زياراته في بلدان أمريكا اللاتينية، وعد شافيز ببناء مساكن في كوبا، و تمويل تعاونيات زراعية في الأرجنتين.وقد تقرب كثيرا أيضا من سوق الماركوسور التي تضم البرازيل، الأرجنتين، الأوراغواي، والباراغواي، في آفاق الإنضمام إليها، مع طرح في الوقت عينه مبادرته الخاصة بشأن تحقيق إندماج إقليمي لدول أمريكا اللاتينية : البديل البولبفاري للقارة الأمريكية، وهو مشروع منافس لمنطقة التجارة الحرة للأمريكيتين التي يدافع عنها الرئيس بوش. وتعهد شافيز، الحليف المقرب من الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، بـ"دفن" مشروع منطقة التجارةالحرة، و ببناء تكتل إقليمي ليس فقط من أجل نصرة الثورة البوليفارية ، و إنما في سبيل خلق قطب موازن للولايات المتحدة الأمريكية.‏

و هكذا ، تمتزج الروح القومية مع نزعة الأنتي أمريكانية تحت تأثير الإرتفاع الجنوني للذهب الأسود، لكي تتواجدا من جديد على مسرح القمة الأمريكية في إطار من المواجهة بين رؤيتين متناقضتين لمصير أمريكا اللاتينية.‏

2006-10-30