ارشيف من : 2005-2008

سماح شكلي ومنع عملي:شارون يتراجع عن منع حماس من المشاركة في الانتخابات التشريعية

سماح شكلي ومنع عملي:شارون يتراجع عن منع حماس من المشاركة في الانتخابات  التشريعية

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005‏

تشكل الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع إجراؤها في الشهر الأول من العام القادم (2006) ـ برغم أنها حدث داخلي فلسطيني ـ شأنا إسرائيليا بامتياز، جراء دلالاتها وتداعياتها المفترضة على مجمل حركة الصراع والمواجهة بين الكيان والفلسطينيين، خاصة أنها ستجري في ظل مشاركة مفترضة من قبل حركة حماس التي أعلنت نيتها خوض غمارها، اذ يتوقع لها أن تحقق فوزا معتبرا في قطاع غزة، إضافة إلى نسبة محترمة من المقاعد المخصصة للضفة الغربية أيضا. وهذا ما يعني ـ في ما يعنيه ـ تأثيرا على مجمل القرار السياسي للسلطة الفلسطينية.‏

ومع الانعطافة في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون من مشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية، بعد تأكيده أكثر من مرة سابقا أنه لن يسمح لها بالمشاركة حتى مع ثمن عدم السماح بإجراء أصل الانتخابات في الضفة الغربية تحديدا، تُطرح علامات استفهام حول المستجد الدافع لآرييل شارون إلى تغيير موقفه، خاصة أن الشروط التي وضعها لم يتحقق منها شيء، كنزع سلاح حماس ونبذها "الإرهاب"، وإلغائها ما يرد في ميثاقها من وجوب ازالة "إسرائيل"..‏

الموقف الابتدائي الإسرائيلي من مشاركة حماس المعلن عنه على لسان آرييل شارون وكبار مساعديه ووزرائه، دأب على القول إن المشاركة مع تقدير فوز حماس، تعني أنها ستنخرط في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية مع الإبقاء على نهجها وخيارها في المقاومة المسلحة للاحتلال، ما يتيح نظريا للفلسطينيين إيجاد حالة من الصد الدفاعي وتقوية الموقف الفلسطيني المعرقل والحائل أمام شارون لفرض إملاءاته على الشعب الفلسطيني لمرحلة ما بعد الانسحاب من قطاع غزة، باعتبار أن ذلك سيسقّف القرار الفلسطيني بخطوط حمراء تلجم جزءا كبيرا من التنازلات التي يتوقعها من السلطة الفلسطينية، خاصة في ما يتعلق بقضايا الوضع الدائم: (المستوطنات، الحدود، اللاجئين والقدس)، التي يرمي إلى تأبيد تأجيلها، كمصطلح ملطف مرادف لإلغائها.‏

والتغيير في الموقف الإسرائيلي وإن بدا بصورة غير مباشرة، جاء من ناحية الشكل مليئا بعبارات التهديد والوعيد تجاه حركة حماس ومشاركتها في الانتخابات، إنما بمضمون أقل حدة وبعيدا عن الشروط التي كان يفترض بها أن تطيح بأصل الانتخابات، وهو ما اعتبر تراجعا إسرائيليا عن أصل المشاركة. ولعل ذلك يعود بشكل أساسي إلى الموقف الأميركي الذي يبدو انه استقر على "السماح" لحركة حماس بخوض الانتخابات، بعد اليأس من معالجتها وتفكيكها عنفيا من قبل "إسرائيل" أساسا، واليأس تاليا من قدرة وإرادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على مباشرة صراع عسكري معها.. وحيث إن آرييل شارون يحرص على عدم مخالفة الموقف الأميركي، وتحديدا إذا كان منطلقا من مصلحة أميركية مشخصة من قبل إدارة الرئيس الأميركي، إضافة إلى تشخيصه هو أن ضررا سيلحق بمخططاته اذا شاركت حماس في الانتخابات، فإن ذلك يدفعه (شارون) إلى اتباع سياسة التفافية توفيقية ما بين المصلحتين، يمكن تحديدها على الشكل التالي:‏

يتراجع شارون عن موقفه الابتدائي، ويعتبر أن مشاركة حماس في الانتخابات من عدمه هي مسألة فلسطينية داخلية، لكنه في الوقت نفسه يقوم بكل المستطاع للحيلولة دون تحقيق حماس فوزا فيها، فيقلل فرص الفوز ويحطم تكافؤ الفرص بينها وبين خصومها السياسيين كحركة فتح، عدا العيوب القانونية والإجرائية التي هي في غير مصلحة حماس.. الأمر الذي يعني مواصلة اعتقال المرشحين على لائحة حماس للانتخابات، وتضييق الخناق على المرشحين الآخرين المحتملين لها، مع تشويش فعلي على تنقلاتهم وعرقلة حملاتهم الانتخابية وغير ذلك..‏

مع ذلك يمكن القول ان آرييل شارون حقق مطلبين في آن معا، إذ انه تراجع عن موقفه شكلا دون أن يتراجع عنه مضمونا، ما جعله يتجنب المعارضة الأميركية والأوروبية أساسا، مع العمل على منع حماس بالنتيجة من المشاركة في الانتخابات، فمنعها من تحقيق نتائج قد تكون موازية إلى حد كبير لمنعها من المشاركة.. ويبقى على حماس وجمهورها أن يثبتا العكس.‏

يحيى دبوق‏

2006-10-30