ارشيف من : 2005-2008
ذكرى قرار التقسيم: فلسطين واحدة بالمقاومة
في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947 غادر "أبو أحمد" أو بالأحرى طرد وهجر من قريته الفلسطينية التي أصبحت اليوم ضمن ما يعرف بـ"أراضي 48"، غادر الى بلدة فلسطينية أخرى ويومئذ قيل له "ستعود"...
58 عاماً مرت و"أبو أحمد" لم يعد... ولكن حلم العودة الى البيت العتيق (اذا لم تهدمه قوات الاحتلال)، والى شجرة الزيتون (اذا لم تقتلعها جرافات العدو) لا يزال حياً فيه، يتراءى له في كل صباح فيبتسم، ثم ما يلبث أن يبكي خوفاً من أن تحين ساعة الأجل قبل أن تحين "لحظة العودة".
منذ 58 عاماً أصبح لقب "أبو احمد" كما هو لقب أكثر من سبعة ملايين فلسطيني، "لاجئ". كلمة أصبحنا نرددها بسهولة، أصبحت طبيعية بالنسبة للبعض فنسوا معانيها ودلالاتها وكل ما يرتبط بهذه الكلمة من مشاهد لمجزرة دير ياسين، ومجزرة كفر قاسم، ومجزرة الدوايمة، ومجزرة يافا، ومجزرة سعسع .... الخ، وهانت القضية وبدأ يخفت وهجها على وتيرة التخاذل والانصياع والتنازل عن واحد من أهم الحقوق، عن "حق العودة".
في مثل هذا اليوم من العام 1947 صدر القرار المشؤوم 181 القاضي بتقسيم فلسطين الذي جاء ليكمل القوانين الظالمة والأوامر العسكرية التي أصدرها البريطانيون وحكومة الإنتداب، والمضحك المبكي في القرار أنه أنهى الانتداب البريطاني عن فلسطين وكرس وشرعن الوجود الاسرائيلي مشكلاً بداية رحلة طويلة من التهجير والقتل والدمار مع الاحتلال لم تنته فصولها حتى اليوم. ومما يتضمنه قرار التقسيم ما يلي:
- ينتهي الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن، على ألا يتأخر في أي حال عن 1 آب/ أغسطس 1948.
- يجب أن تجلو القوات المسلحة التابعة للسلطة المنتدبة عن فلسطين بالتدريج، ويتم الانسحاب في أقرب وقت ممكن على ألا يتأخر في أي حال عن 1 آب/ أغسطس 1948.
- تبذل السلطة المنتدبة أفضل مساعيها لضمان الجلاء عن منطقة واقعة في أراضي الدولة اليهودية تضم ميناء بحرياً وأرضاً خلفية كافيين لتوفير تسهيلات لهجرة كبيرة، وذلك في أبكر موعد ممكن، على ألا يتأخر في أي حال عن 1 فبراير/ شباط 1948.
- تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية وذلك بعد شهرين من إتمام جلاء القوات المسلحة التابعة للسلطة المنتدبة.
القرار 181 رفضه العرب والفلسطينيون وقبله العدو بقيادة بن غوريون آنذاك في محاولة لتحقيق مخططاته ومآربه في فلسطين، أما غيره من القرارات التي تحمي حقوق الفلسطينيين لا تراوح مكانها، ففي الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 48 صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار "194" الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم ومنازلهم، ومنذ ذلك التاريخ والقرار الشهير لم يطبق على الرغم من التأكيد عليه أكثر من 100 مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا لم تنفذ حكومات العدو الإسرائيلي المتعاقبة شيئاً مما نصت عليه القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين بل على العكس من ذلك تماماً، فقد حرصت تلك الحكومات على تصفية هذه القضية وتحقيق المكاسب للحركة الصهيونية في كل يوم، بل في كل ساعة محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً.
وإذ لم تنفذ الدولة العبرية أياً من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فإن الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لم ترى النور أصلاً، مع استعمال الأميركي لعصاه السحرية أو ما يسمى "حق النقض الفيتو" الذي يحوّل القرارات الصادرة بحق "اسرائيل" في غضون لحظات الى غبار منثور، مستخفاً بالأنظمة العربية، وممعناً في معاداة الشعب العربي في فلسطين، وفي سائر الأقطار العربية.
يبلغ عدد "لاجئي 48" حوالى 3،8 مليون لاجئ يقيمون بغالبيتهم في الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان، 3،8 مليون يشكلون "كابوساً" بالنسبة للإسرائيلي إذا ما عادوا، وهو لذلك يرفض رفضاً قاطعاً، دون أن يحاسبه أحد، على السماح بعودتهم وكأن الأرض أرضه، وكأن البيت بيته، وكأنه ليس محتلاً غاصباً، وكل ذلك على مرأى العالم أجمع، وللأسف على مرأى من العالم العربي الذي يبدو وكأنه نسي ما يمثله "حق العودة" من جوهر الروح الوطنية الفلسطينية الراسخة في ذكريات نكبة 48 وفي الشعور بأن ظلماً تاريخياً لحِق بالفسطينيين وشردهم وجعل بعضهم يعيش الغربة وهو في وطنه.
58 عاماً مرت على قرار تقسيم فلسطين، والفلسطيني "اللاجيء" في وطنه و"اللاجئ" في دول الشتات والمنفى، لا تزال تفوح منه رائحة الليمون والزيتون، تنتقل من جيل الى جيل، فتنتقل مع الرائحة مشاعر الشوق والحنين الى الارض، ومشاعر الغضب والعنفوان ازاء المحتل....
وترنيمة يرددها "أبو أحمد" في كل صباح لأولاده "صباح الخير يا بلادي يا وردة نورت نيسان... صباح الخير لجروحك، لدمك عطَّر الحيطان".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018