ارشيف من : 2005-2008
قمة باماكو وحدود الإلتزام الفرنسي
كتب ـ توفيق المديني
تتعاقب القمم الفرنسية ـ الإفريقية باستمرار مرة كل سنتين، في القارة الإفريقية، وفي فرنسا، منذ أن عقدت أول قمة فرنسية ـ إفريقية في عهد الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيودو عام 1973، وكأنها حلقة جوهرية تفرض الكولونيالية الفرنسية بواسطتها قوانين سيطرة الرأسمالية الفرنسية، وعاداتها الإستعمارية، وأعمالها العسكرية على مسيرة تحرر شعوب القارة الإفريقية، باعتبارها سياسة كولونيالية ملازمة دائمة لفرنسا في علاقاتها الدولية مع الأنظمة الإفريقية.
في المقابل، وبعد مرور ما يقارب أربعة عقود ونيف من الإستقلال السياسي لمعظم البلدان الإفريقية، وعلى الرغم من التباين والتفاوت، في إختياراتها السياسية والإيديولوجية والإقتصادية، وفي درجة التأثر من الأمراض الهيكلية الإفريقية، من الأزمة الإقتصادية، وتراكم الديون إلى التصحر والمجاعة المزمنة، إلا أننا نجد العديد من الدول الإفرقية ثبتت و أضفت نوعا متميزا في علاقات التبعية مع فرنسا أيا كانت السلطة الحاكمة في باريس، على قاعدة القمة الفرنسية ـ الإفريقية التي ليس لها أي إطار مؤسساتي، لبحث المعضلات الكبرى التي تعاني منها إفريقيا.
وفي مثال هذه القمة الفرنسية – الإفريقية الـ 23 التي عقدت في باماكو عاصمة مالي، واستمرت مابين (3و4)ديسمبر الجاري، وللمرة الاولى في تاريخ هذه القمم، تتمثل جميع الدول الافريقية البالغ عددها 53، منها 23 رئيس دولة إفريقية. بيد أن هناك زعماء أفارقة كانوا غائبين، لأسباب مختلفة، منهم: الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والتونسي زين العابدين بن علي، والإيفواري، لورانت غباغو، والرواندي بول كاغامي، والأنغولي جوسي إدوارد دوس سانتوس، والليبي معمر القذافي، و رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطي ، جوزيف كابيلا، وملك المغرب ، محمد السادس.
وقد شكل موضوع "الشباب الإفريقي" الموضوع الرسمي في إفتتاح القمة، إذ إن إفريقيين من أصل ثلاثة هم دون سن 25 سنة. وقد تعهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ونظيره المالي امادو توماني توري في اعلان موجه الى الشباب الافريقي، بمحاربة الفقر في إفريقيا، لتمكين خاصة الشباب من استخدام تكنولوجيا المعلومات وتحقيق آماله في ارساء السلام وتطوير القطاع الصحي. وقال الرئيسان متوجهين الى الشباب: "نتعهد بتطوير تكنولوجيا المعلومات ونشرها في جميع انحاء القارة، لكي تتمكنوا من اثبات خياراتكم ووجودكم وروح المبادرة لديكم وقدرتكم على الابتكار".
وتظل القارة الإفريقية البالغ عدد سكانها زهاء 900 مليون نسمة غارقة في وحل الفقر، إذ إن 320 مليون إفريقي يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، حسب تقرير الأمم المتحدة. كما أن مرض الإيدز (نقص المناعة) ما انفك يحصد ضحاياه بمئات الألاف سنويا. و تأوي إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من 60% من الأشخاص المصابين بمرض الإيدز، أي ما يعادل 25،8 مليون مصابا...
وقال شيراك في مؤتمر صحافي في باماكو اثر اختتام هذه القمة: "حذرنا من الافراط في التطورات الليبرالية التي قد تؤدي بنا الى (وضع) مرض بالنسبة للدول الغنية والنامية في المجال التجاري، لا سيما الزراعي، على حساب الدول الفقيرة".
وأضاف شيراك: "على الدول الإفريقية أن تكافأ بإنصاف على عملها. لا يمكن أن نقبل أن يؤدي تحرير متسرع للتبادل الزراعي إلى هدم جهود الدول الأقل تطورا" واصفا فرنسا أنها "المحامية الدائمة عن إفريقيا".
وكان شيراك دعا مجددا الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلغاء دعمها للقطن، المادة الأولية التي يعتاش منها ملايين الأفارقة، وتعهد أيضا بإقناع الإتحاد الأوروبي برفع مساعداته للتنمية إلى 0،7% من ناتجه المحلي الإجمالي بحلول سنة 2015 كما فعلت فرنسا التي تسعى إلى تحقيق هذا الهدف بحلول سنة 2012.
وبلغ مجموع المساعدات العمومية الفرنسية للتنمية سنة 2005 ، 8،09 مليار يورو، أي ما يعادل 0،47 % من الناتج الإجمالي الفرنسي ، مقابل 0،41 سنة 2004. بيد أن قسما أساسيا من تلك المساعدات تم امتصاصه من قبل الديون الإفريقية الملغاة (2,8 مليار يورو) التي لم يتم سدادها.وتعتبر إفريقيا جنوب الصحراء الجهة الأولى التي ترسل إليها المساعدات العمومية من أجل التنمية . ففي عام 2004 حصلت على 55% من تلك المساعدات، مقابل 12% لبقية بلدان شمال إفريقيا. وفي عامي 2003 و 2004 كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية هي المستفيدة الأولى من المساعدات الفرنسية، تليها السنغال ، و مدغشقر،و الكاميرون.
واحتل موضوع الهجرة حيزا رئيسا في قمة باماكو، خاصة هجرة الأدمغة الإفريقية التي يبلغ عددها أكثر من 300000 شخص يعملون خارج إفريقيا، فضلا عن أن 20000 من الكوادر الجامعية تغادر القارة سنويا. وأعلن شيراك أن فرنسا قررت تسهيل منح تأشيرات لمدد طويلة ولمرات متكررة لرجال الأعمال والكوادر والباحثين و الأساتذة الجامعيين والفنانين الأفارقة الذين يقومون بنشاطات "مرتبطة اساسا بالتبادل".
وعلى هامش قمة باماكو عقدت قمة بديلة نظمها المنتدى الإجتماعي العالمي لباماكو : وهو إئتلاف يضم منظمات غير حكومية، تحت شعار مقاومة النيوكولونيالية الفرنسية في إفريقيا. وكانت فرنسا لعبت دورا رئيسا في إستعباد عدد كبير من الشعوب الإفرقية، حيث هيمنت على جزء كبير من الثروات الإفريقية ونهبتها ، واستعبدت مواطنيها، وألحقت الأضرار بالمجتمع الإفريقي، و نأت بنفسها عن تقديم الإعتذار و الأسف لأحفاد من أذاقتهم أنواع الظلم والإضطهاد . ويطرح المنتدى السؤال التالي: لماذا لا تعترف فرنسا بالثروة التي سلبتها من إفريقيا وما قدمه الأفارقة من تضحيات لإزدهار فرنسا الحديثة، ألا يستدعي هذا أن تقدم الحكومة الفرنسية إعتذارا لأحفاد أولئك العبيد الأفارقة؟. وما يؤخذ عل السياسة الفرنسية أنها لا تزال تساند الديكتاتوريات الإفريقية الفاسدة.
إن إدعاء فرنسا برغبتها بتحقيق الديمقراطية في إفريقيا لا يقترن بالجهد اللازم لتحقيق الديمقراطية. فالعبودية ليست متأصلة في القارة الإفريقية ، وإنما هي عالم أنشأته الدول الإستعمارية الأوروبية.
التاريخ: 05 كانون الاول/ ديسمبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018