ارشيف من : 2005-2008
"إسرائيل" تؤكد نواياها العدوانية بانتقادها للصفقة الروسية ـ الإيرانية: إنجرار موسكو لضغوطات واشنطن تهديد للاستراتيجية الروسية
عادت "إسرائيل" لتثير من جديد الضجيج بخصوص صفقة أسلحة روسية، لكن هذه المرة بين روسيا وإيران، حيث عبر قادة الكيان عن استيائهم من تزويد موسكو لطهران بصواريخ أكدت الجهات المعنية وكذلك العارفون بالأسلحة وأنواعها أن الصواريخ التي ستحصل عليها إيران هي صواريخ دفاعية ولا تتمتع بأي ميزات تقنية تجعلها سلاحاً يمكن وصفه بالهجومي. وكان من الطبيعي أن تسارع واشنطن أيضاً للوقوف إلى جانب ربيبتها "إسرائيل" في الاستياء من هذه الصفقة.
وكان وزير الدفاع الروسي "سرغييه إيفانوف" قد أكد في تصريح له منذ عدة أيام وجود صفقة بين روسيا وإيران، تحصل الثانية بموجبها على صواريخ دفاعية جوية من "TOR-M1" وقال إيفانوف: " أستطيع أن أؤكد توقيع صفقة لتصدير قواعد صواريخ "TOR-M1" روسيا إلى إيران، وهذه الصفقة لن تُحدث أي خلل بموازين القوى في المنطقة". واعتبر المحللون أن إشارته إلى أن هذا النوع من الصواريخ لن يُحدث تغيير لموازين القوى في المنطقة جاء في إطار التأكيد على أن الصواريخ المذكورة هي صواريخ لا تزيد عن كونها نظام دفاعي جوي. وهنا يطرح كثيرون سؤال سبق وأن وجهوه أثناء الأزمة بخصوص الصفقة الروسية ـ السورية، والتي حاولت "إسرائيل" أن تعيق تنفيذها، حيث تساءل البعض حينها، ويتساءلون الآن عن أسباب قلق "إسرائيل" من امتلاك إيران لأنظمة دفاعية متطورة؟ الإجابة التي تفرض نفسها هي أن "إسرائيل" إنما قلقة على أن تؤدي هذه الأسلحة إلى إفشال أو على الأقل إلى عرقلة ما تبيته من خطط عدوانية تستهدف إيران.
البيت الأبيض سارع إلى الوقوف جنياً إلى جنب مع إسرائيل، وأعلن على لسان "آدام إيرلي" ممثل الخارجية الأمريكية أن الاتفاقية المذكورة "لا تتوافق مع المصالح الأمريكية". ومن هذا الكلام يبدو واضحاً أن القلق الأمريكي لا علاقة له بمخاوف من انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو ما شابه ذلك من شعارات تستغلها الإدارة الأمريكية لتبرير موقفها من الملف النووي الإيراني. والأمر برمته يعود إلى توافق أو تعارض مشروع قد تقوم به أي دولة، مع المصالح الأمريكية. في هذا الشأن نُذكر بأن قائد أركان الجيش الروسي "بالويفسكي" كان قد وجه انتقاداً للولايات المتحدة حين أشار إلى هجمتها الدبلوماسية على الصفقة الروسية ـ الإيرانية والتزامها الصمت حيال امتلاك "إسرائيل" للسلاح النووي.
إن واقعة امتلاك "إسرائيل" للسلاح النووي تجسيد واقعي لازدواجية المعايير الأمريكية، فهي تمتلك السلاح النووي وبدعم صريح من الولايات المتحدة التي تسارع إلى إنهاء أي مبادرة قد تؤثر على وجود هذه القوة المدمرة للبشرية بأيدي "صقور تل أبيب" الذين سيستخدمون هذا السلاح في حال شعروا بالضيق في أي مواجهة عسكرية لا يُستبعد أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الشأن نذكر بما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الثاني عشر من نيسان عام 1976، عن تجهيز "إسرائيل" لقنابلها النووية كي تلقيها على الدول المتحاربة معها حينها بعد أن أرسل الجنرال "خوفي" قائد الجبهة الشمالية برقية لقادته يقول فيها أنه غير واثق من قدرة قواته على الصمود مدة أطول. حينها علق موشي ديان محذراً: هذا يعني نهاية إسرائيل. أما غولدامائير فقد أعطت موافقة حكومتها على استخدام السلاح النووي حتى دون عقد جلسات تشاورية ودون العودة إلى ما يسمونه ببرلمان"الكنيست". تم تجهيز القنابل وتركيبها على صواريخ "اريخون" ومن ثم تحميلها على متن الطائرات، وقبل الإقلاع تم إلغاء العملية نتيجة تغيرات على الجبهة!
لعل هذه الرواية مؤشر واضح نحو الجهة "الدولة" التي يجب أن يشعر العالم كله بالقلق حيال فقدانها لأي درجة من درجات المسؤولية عن سياساتها العدواينة. أما بالنسبة للتعاون الإيراني-الروسي في المجال الحربي، فإنه يقوم على حاجة إيران إلى تقوية أنظمتها الدفاعية لأنها مستهدفة على الدوام من كيان العدو بدعم مباشر من البيت الأبيض والبنتاغون اللذان قدما لها منذ عدة أشهر قنابل أعماق في إطار الإعداد لتوجيه ضربة ضد المشروع النووي الإيراني. أما روسية فهي دولة كبرى لها الحق في حماية مصالحها وعقد الصفقات التي تأتي لخزينتها بدخل كبير، والأهم أن هذه الصفقات تساعدها على حماية نفوذها ودورها في منطقة الشرق الأوسط، وبأسوأ الأحوال فإن روسيا التي يشكل التعاون الأمريكي-الإسرائيلي تهديداً مباشراً للمشاريع الاقتصادية التي تنفذها في إيران لها كل الحق في القيام بالإجراءات اللازمة لحماية هذه المشاريع.
ختاماً فإن صفقة الصواريخ الروسية – الإيرانية لا تتنافى مع القوانين والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن، وهدف إيران منها هو تأمين الحماية لنفسها من عدوان محتمل قد تقوم به "إسرائيل" ضدها. في ما يتعلق بروسيا فمن الضروري التذكير بأن "إسرائيل" عندما تعلن عن أي موقف فهي تعلن عنه بما يتناسب مع مصالحها، وهي لا تهتم للمصالح الروسية، حتى أنها لا ترى بروسيا أكثر من دولة "ممول لإسرائيل" بالطاقة البشرية. هذه هي الحال منذ قيام الكيان وحتى يومنا هذا حيث يبحث شارون مع القيادة الروسية موضوع دفع اليهود الروس إلى الهجرة، فهو قلق أن أعداداً كبيرة ما زالت موجودة في روسيا وترفض الهجرة إلى "كيانه" على الرغم من عدم وجود أية عوائق تمنعهم من ذلك. هذا هو هاجس "إسرائيل" في علاقتها مع روسيا وقبل ذلك مع السوفييت. في لقاء جمع إسحاق رابين مع وزير الخارجية السوفييتية غروميكو "14/9/1981" في مقر هيئة الأمم، استعرضا خلاله العلاقات السوفييتية ـ الإسرائيلية التي رفض غروميكو إعادتها، أكد رابين على ضرورة وجود أي نوع من الاتصالات بين الجانبين مع ضرورة السماح لليهود السوفييت بالهجرة إلى "إسرائيل".
لهذا ولأسباب كثيرة لن تكفي صفحات قليلة للتوقف عندها، يرى الأغلبية من أصحاب الرأي في هذه الشؤون أن سماح روسيا لواشنطن وتل أبيب بالتأثير على علاقاتها مع كل من طهران، ودمشق أيضاً، سيكون له نتائجه السلبية جداً على كل ما حققته القيادة الروسية الحالية من انجازات ضخمة في سياستيها الداخلية والخارجية وعلى استراتيجية روسيا الحديثة.
طه عبد الواحد
معلومات تقنية(*):
قواعد صواريخ "TOR-M1" صناعة إيجيفسكي إلكترو زفود- كوبول "مصنع كوبول الإيجيفسكي للصناعات الإلكترو-ميكانيكية".
تتمتنع بقدرة عالية ودقة في إصابة الأهداف الطائرة من صواريخ ومروحيات وطائرات مقاتلة وقاذفات. تصيب الهدف الذي قد تصل سرعة تحليقه إلى 700م/ثا، وعلى بعد من واحد إلى إثنا عشر كيلو متر، وإرتفاع من 10 إلى 9000 متر، قادر على إصابة هدفين في آن واحد.
(*) المصدر: مصادر صحفية روسية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018