ارشيف من : 2005-2008

بعد بيان "حراس الأرز" نشرة طلابية لـ"القوات": استحضار شبح الحرب الأهلية ونبش الطروحات التقسيمية

بعد بيان "حراس الأرز" نشرة طلابية لـ"القوات": استحضار شبح الحرب الأهلية ونبش الطروحات التقسيمية

لم يكد ينسى اللبنانيون بيان "حراس الأرز" في أيلول الماضي حتى أعادت "نشرة أسبوعية سياسية يصدرها طلاب القوات اللبنانية في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية الفرع الثاني" تحت عنوان "قضيتنا"، تأجيج المخاوف من تنامي الخطاب الطائفي القائم على نبش كل مفردات ومصطلحات ومفاهيم الحرب الأهلية المشؤومة وكأن الزمن يعود إلى الوراء!‏‏

بيان حزب "حراس الأرز" والنشرة الجامعية لطلاب "الحقوق" السنة الثانية بصفحاتها الأربعة، ينهلان من منبع واحد، ويبثا أفكاراً عنصرية شوفينية ويعيدان إحياء "تاريخ قومي" خاص يستفز المسلمين بكافة طوائفهم، ويعيد إلى الذاكرة الطروحات التقسيمية والفيدرالية والإنعزالية التي يزعم أصحابها بأنهم تركوها لمصلحة الانفتاح والحوار والتواصل وتوسيع حدود طروحاتهم لتشمل "كل لبنان من النهر الكبير شمالاً حتى الناقورة جنوباً ومن البحر غرباً حتى الحدود الشرقية".‏‏

القراءة المتأنية للنشرة المذكورة تؤكد هذه المعاني ويمكن التوقف عند العديد من الفقرات التي تضمنتها.‏‏

من الناحية الشكلية، رأس النشرة يدل على الجهة المعنية سياسياً و"قضيتنا" الواقعة بين الأرزة ضمن الدائرة والصليب المشطوب محصورة بطائفة واحدة ما يضعها في مواجهة الطوائف الأخرى.‏‏

ومن ناحية المضمون، تركز الافتتاحية على "الحرص على التمثيل المسيحي الحقيقي" والتشديد على "أننا نريد من يمثلنا فعلاً في المناصب المسيحية في الدولة" وفي موارد أخرى تتعلق بموقع الرئاسة تكررت عبارة "نريده أن يمثل المسيحيين أولاً" وليس اللبنانيين مثلاً!‏‏

وتفتح النشرة صفحات "من تاريخنا القومي" لتبدأ بالحديث عن الفتح الإسلامي والجزية واستنادها لآيات القرآن الكريم لتكون الخلاصة " فكان لمسيحيي الشرق قصة عذاب لم تنته فصولها حتى اليوم في معظم الدول ذات الأكثرية الإسلامية"، وبالتالي تحميل الإسلام كرسالة مسؤولية الاضطهاد، وهناك فرق كبير بين الإسلام والدول والإمارات التي وصفت بالاسلامية ولم تطبق من الرسالة شيئاً.‏‏

وخلافاً لم توافق عليه اللبنانيون في وثيقة الطائف والدستور بأن لبنان لجميع أبنائه، تصر النشرة على فكرة أن لبنان صنعه المسيحيون فيصبح " الجبل المسيحي المسمى لبنان هو الجزيرة المسيحية في بحر الإسلام. وقد أراد المسيحيون فيما بعد توسيع رقعة لبنان ليعتقوا المسيحيين في الجوار من الحكم الذمي ويمدوا التجربة الجبلية إلى سائر المناطق المتاخمة له. لهذا وجد لبنان ولهذا يجب أن يستمر ليكون بقعة يتمتع فيها المسيحيون بحقوقهم كاملة. وهذه هي العلاقة بين لبنان والمسيحية الحرة، فبدون مسيحية حرة لا مبرر لوجود لبنان. فتاريخيا انشأ المسيحيون لبنان ليستطيعوا أن يحكموا انفسهم دون أن يكونوا ذميين .‏‏

وفي... صفحات كتبت بالدماء ... كي لا ننسى ... تورد النشرة تواريخ لأحداث شهدتها الحرب اللبنانية، تركز على الفلسطينيين والسوريين لينالوا قسطهم من التحريض المباشر فتقترن مع صفة "الإعتداء ، والغزو" ليصبح في هذه الحالة العدو مشخصاً واضحاً .‏‏

إضافة إلى أخبار تتضمنها النشرة ورد فيها تجريح وتطاول على بعض المواقع الرسمية والرموز السياسية والدينية وهو ما يعرض من يقف وراء هذه النشرة إلى المساءلة القانونية والسياسية.‏‏

وتؤكد النشرة المذكورة معطوفة على بيان "حراس الأرز" نقاط عدة يمكن التوقف عندها:‏‏

ـ التقارب الزمني بين الواقعتين واعتمادهما منطقاً واحداً أدانه اللبنانيون وحسبوا أنهم تجاوزوه منذ زمن بعيد، غير أن الوقائع المتتالية تؤكد أن ثمة أرضية خصبة لهذا المنطق وهو يتفاعل لدى بعض الأوساط مستفيداً من الظروف السياسية والإعلامية الراهنة على الساحة اللبنانية.‏‏

ـ الواقعتان تنطلقان من ساحة واحدة فكرياً وعقائدياً وحتى سياسياً، وتحاولان العودة إلى ممارسة العمل السياسي بعد غياب طويل، وإعادة بناء قواعدهما شعبياً وامتلاكهما أدوات للترويج لهذا الخطاب.‏‏

ـ إنخراط بعض وسائل الإعلام في الترويج لهذا الخطاب بصورة غير مباشرة وفي بعض الأحيان تظهر تجليات هذا الخطاب في بعض برامج "التوك شو" من خلال توجيه الأسئلة وإسقاط الطائفية على المواقف السياسية لبعض الجهات في لحظات الإشتباك السياسي في مجلس الوزراء أو مجلس النواب.‏‏

ـ الحديث بأن هذا الخطاب محصور بفئات محدودة لم يعد واقعياً ومقنعاً، إذ أن انخراط صحافيين ومحاميين في هذا الخطاب (واقعة حراس الأرز) والطلاب الجامعيين (النشرة الجامعية) يؤكد اتساع هذه الظاهرة خصوصاً أن هذه الفئات تملك تأثيراً فاعلاً على المجتمع والأشخاص العاديين.‏‏

ـ إستغلال أجواء الحرية في لبنان واعتبار هذا الخطاب على خطورته جزءاً من حرية التعبير على الرغم من أنه يقوض أسس السلم الأهلي والعيش المشترك ويثير النعرات الطائفية والتحريض على الطوائف الأخرى تارة تحت حجة أن احدى الطوائف تحتكر "تأسيس لبنان" وطوائف أخرى تحتكر "التبعية" و"العمالة" لدول أخرى مجاورة ، فضلاً عن إعادة إحياء مقولة "مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية"!‏‏

ـ تجاهل القوى السياسية والنيابية المسيحية هذه الظاهرة عندما ظهرت علناً مع بيان "حراس الأرز" في أيلول الماضي والتعليق باستحياء وحذر، وتعمد الإنشغال في قضية موازنة الإدانة مع قضية "أصدقاء حبيب الشرتوني" التي تزامنت بيان "حراس الأرز" من دون المسارعة إلى معالجة حقيقية لهذه الظاهرة.‏‏

ـ عدم صدور أي موقف من الجهة السياسية الحاضنة لهؤلاء الطلاب ينفي أو يوضح أو يصحح على الأقل، والسكوت في هذه الحالة يعطي شرعية لهذه الطروحات وضوءاً أخضر للإستمرار تصاعد هذا الخطاب التقسيمي.‏‏

هذا الخطاب أقل ما يقال فيه أنه يتضمن إثارة النعرات المذهبية والعنصرية، والحض على النزاع بين الطوائف ويعرض السلم الأهلي للمخاطر، وكل هذه العناصر الجرمية يحاسب عليها القانون فهل يستجيب لها القضاء ليقوم بدوره، ويسارع رجال السياسة والحوار لإعادة النظر في بعض المواقف التي شكلت سقفاً لتطور ونمو هذا الخطاب ليبقى لبنان لجميع أبنائه؟‏‏

سعد حميه‏‏

2006-10-30