ارشيف من : 2005-2008

انتخاب "إيفو موراليس" رئيسا ً لبوليفيا

انتخاب "إيفو موراليس" رئيسا ً لبوليفيا

توفيق المديني‏

حقق اليسار البوليفي فوزا ً كبيرا ً في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد 18 كانون الاول/ ديسمبر الجاري، إذ حصل مرشح زعيم الحركة نحو الاشتراكية "إيفو موراليس" على نسبة 51% من الأصوات، متقدما ً بأشواط كبيرة على مرشح اليمين، الرئيس السابق خورخي كيروغا الذي حصل بدوره على 31%.‏

وكان الاستقطاب الحاد للمجتمع البوليفي قد قلص حظوظ مرشح الوسط، صامويل دوريا مدينا.أما الأحزاب التقليدية فقد كانت غائبة ً عن هذا الإستحقاق الانتخابي، باستثناء الحركة القومية الثورية (يمين الوسط) التي حكمت بوليفيا لمدة طويلة، والتي قدمت اليوم مرشحا ً هو ابن مهاجر ياباني ميشياكي ناغاطاني.‏

وقد انتخب الـ3،6مليون ناخب بوليفي أيضا ً130 نائبا في البرلمان، و27 عضوا في مجلس الشيوخ.‏

وضاعفت الحركة نحو الاشتراكية من عدد مقاعدها في البرلمان بحصولها على 65 مقعدا،و 12عضوا في مجلس الشيوخ. فهي تحقق اختراقا ً غير متوقع في إقليم سانتا كروز(شرق البلاد)، القطب الواعد للتنمية الاقتصادية في بوليفيا، و الخاضع تقليديا للمحافظين.‏

وبالمقابل حصل اليمين على 45 نائبا و 12 سيناتورا. أما أنصار مرشح الوسط صامويل دوريا مدينا، فقد حصلوا على10 نواب و عضوا واحدا في مجلس الشيوخ، إنه الحزب التقليدي الوحيد الذي لم يندثر من المشهد السياسي، وتعد الحركة القومية الثورية 8 نواب وسيناتوراواحدا.‏

ولد خوان إيفو موراليس الهندي المتحدر من قبيلة أيمرا في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1959 من دون عناية طبية في قرية نائية لا ماء فيها ولا كهرباء في إقليم أورورو جنوب منطقة الالتيبلانو البوليفي، وتعين عليه التوقف عن دراسته الثانوية.‏

وكان لهذا الابن الفقير لفلاحين من قبيلتي أيمرا وكيتشوا الذين يشكلون الأغلبية في بوليفيا ستة إخوة وأخوات، توفي أربعة منهم قبل بلوغهم العامين، واضطر إلى العزف على آلة موسيقية ليحصل على قوته.‏

وفي عقد الثمانينيات، دفع الفقر عائلته، مثل العديد من العائلات الفقيرة، إلى هجرة الجبال للإقامة في المناطق الزراعية. وفي منطقة تشاباري ( شرق )، أصبح "إيفو موراليس" الزعيم المناهض للإمبريالية وفي عام 1977، انتخب نائبا ً عن محافظته، بحصوله على70% من الأصوات. وكمناضل نقابي في صلب النقابة المركزية العمالية ، ثم قائدا للحركة نحو الاشتراكية ، عرف إيفو صدامات كبيرة مع البوليس ، وجرد من منصبه كنائب.‏

و في عام 2002، ترشح للانتخابات الرئاسية، وخلافا ً لماِ كان متوقعا ً، حصل على المرتبة الثانية بنيله 21% من الأصوات.وعقب المنتدى الاجتماعي العالمي، تظاهر إيفو موراليس إلى جانب أمهات ألاف المفقودين في ساحة مايو في بيونس أيرس، و القى خطابا ، دعا فيه إلى تأميم حقول الغازالضخمة. وفي أكتوبر تشرين أول 2003 قاد النائب زعيم مزارعي الكوكا ثورة ضد الرئيس الليبرالي غونسالو سانشيس دي لوسادا. وأمر الرئيس بقمع هذه الثورة بشدة ( 80 قتيلا ) قبل أن يهرب إلى الولايات المتحدة.و خلال صعوده السياسي المدوي، أقام إيفوعلاقات قوية مع أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، مثل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، والكوبي فيديل كاسترو.‏

لقد كان للتشقق الاجتماعي ، والإثني، والإقليمي، التي تعيشه بوليفيا تأثير واضح على سيرهذه الانتخابات.هناك إثنان من أصل ثلاثة بوليفيين يعيشون تحت خط الفقر، و60% منهم هم من السكان الأصليين(أكثر من ثلاثين إثنية).فالألتيبلانو أنديز (في غرب البلاد) يعارض المتروبول الاقتصادي الجديد سانت كروز(في الشرق) الذي يطالب بالحكم الذاتي.‏

اليسار في بوليفيا المناهض للامبريالية ركز في حملته الانتخابية على موضوعين رئيسين: إصلاح قطاع المحروقات في بوليفيا من خلال تأميم الأرض، بما فيها حقول الغاز، وهي الثروة الأساسية في هذا البلد الواقع على سلسلة جبال الأنديز، ويرى أن موارد الغاز يجب أن يستفيد منها البوليفيون، وليس الشركات المتعددة الجنسيات التي تنشط في هذا القطاع.و الدعوة إلى جمعية وطنية جديدة "لإعادة تأسيس بوليفيا"، وإنهاء "الدولة الاستعمارية".‏

وقد أبدت الشركات المتعددة الجنسيات التي تستثمر حقول الغاز و النفط البوليفيين حذراواضحا، لكنها تقول أنها مستعدة للحوار عقب فوزالزعيم الاشتراكي إيفو موراليس في الانتخابات الرئاسية. وبالمقابل يبدو أن الرئيس المستقبلي يريد طمأنة الشركات الأجنبية عندما صرح عقب فوزه:"أن حكومته لن تستملك ولن تصادر" امتيازات الشركات العاملة في بوليفيا، البلد الذي تقدر احتياطاته من الغاز الطبيعي بنحو 137 مليار متر مكعب. وستتصرف حكومة الحركة نحو الاشتراكية تجاه حق الملكية مثل أي دولة لها واجب التصرف تجاه حق الملكية. ولا يعني هذا استملاك أو مصادرة خيرات الشركات الدولية".‏

لاشك أن هذا الخطاب حول هذا الموضوع الحساس يقلق الشركات المتعددة الجنسيات ،لأنه يتسم بالغموض: ففي حملته الانتخابية، وعد إيفو موراليس بـ"تأميم" الغاز، بينما حسب الخبراء، لا يعدو أن يكون الأمرمتعلقا بشكل خاص ، باستعادة ملكية الأراضي التي تتواجد فيها حقول الغاز.وتسيطر شركة بتروباس البرازيلية على نحو 14% من الاحتياطات البوليفية ، منذ أن وقعت عقدا للإستثمار بقيمة 1،5 مليار دولار، في عام 2003. بينما تشارك شركة توتال الفرنسية في استثمار حقول الغاز بنحو 15% مننذ عام 1995.‏

ومع ذلك، خلف هذا الخطاب الراديكالي الذي يجسده مرشح الهنود السكان الأصليين في بوليفيا، يمد المنظّر الحقيقي للرئيس الجديد ألفارو غارسيالينيرا يديه للبرجوازية البوليفية مترافقة مع تهديده لرفاقه القدامى، بقوله:"لقد عزلنا القيادات الراديكالية ووقعنا اتفاقيات مع الحركات الاجتماعية، لكن اذا اقتضى الحال، ستتغلب سلطة الدولة".‏

تاريخ النشر: 20/12/2005‏

2006-10-30