ارشيف من : 2005-2008
حرب الغاز بين روسيا و أوكرانيا
كتب توفيق المديني
قطعت شركة "غازبروم" العملاقة التي تديرها الدولة في روسيا الغاز عن أوكرانيا بداية من أول كانون الثاني/ يناير 2006. وكانت العلاقات بين أوكرانيا وروسيا شهدت تدهوراًكبيرا ً، بسبب استمرار الخلاف حول سعر الغاز، إلى درجة أن رئيس الوزراء الأوكراني ، يوري إيخانوروف ، طلب يوم الإربعاء 26 كانون الاول/ ديسمبر الماضي وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكانت الشركة الروسية العملاقة في مجال الطاقة قد هددت منذ أسابيع بوقف ضخ إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا ما لم تقبل كييف زيادة أسعار الغاز الذي تحصل عليه بمقدار خمسة أضعاف، إذ انتقلت التعريفة الجديدة للغاز من50 إلى 230 دولار لكل ألف مترمكعب من الغاز،بحلول أول أيام العام الجديد.
وتعتبر روسيا الشريك التجاري الأول لأوكرانيا. و توجد علاقات تبعية متبادلة في مجال الطاقة بين البلدين .فروسيا هي المزود الوحيد لأوكرانيا بالغاز والبترول، اللذين يجمعان 30% من وارداتها ، في حين أن 80% من الغاز الروسي الذي يباع لأوروبا يمر عبر الأراضي الأوكرانية، الذي يتم الإقتطاع منه بطريقة متوحشة في الماضي القريب.
وقد رفض الرئيس الأوكراني فيكتوريوشينكو، يوم الخميس 29 كانون الاول/ ديسمبر الماضي عرض القرض الذي قدمه له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقا:"نحن معترفون بالجميل(لهذا الاقتراح) القرض الكبير، بيد أننا لسنا بحاجة لهذا القرض"،مضيفا ً أن "أوكرانيا ستدفع بإمكاناتها الخاصة سعرا ً معقولا ً،مُصَاغاًبشكل صحيح وموضوعي". وقدّر الرئيس الأوكراني أن السعر "الموضوعي" للغاز الروسي للسوق الأوكرانية هو ما بين 75 إلى 80 دولار لكل 1000مترمكعب.
وكرّر فيكتوريوشينكو أن بلاده مستعدة لتحرير أسعار الغاز الروسي، ولكن حسب القاعدة الأوروبية."إن هدفنا هو بالدرجة الأولى أن نتفق مع الروس حول مرحلة انتقالية، تمتد لثلاث سنوات على الأرجح(...) اليوم، حسب ما فهمت من تعليقات فلاديمير بوتين، أن الجانبين يتفهمان ضرورة هذه المرحلة الانتقالية".
وبالمقابل كان ردة فعل الناطق الرسمي للعملاق "غازبروم"، سيرجي كوبريانوف، على قناة التلفزيون الروسي، سريعة، معتبرا ً أن سعر الغاز75-80 دولار لكل 1000متر مكعب، سخيف. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح قرضا ًبقيمة 3،6 مليار دولارلاستيفاء انتقال مبيعات الغاز الروسي للأوكرانيين بسعر السوق، عقب لقائه مع إيفان بلاتشكوف وزير الطاقة الأوكراني، وألكسي إيفتشنكو رئيس شركة نفطوغاز، في مقر إقامته الشتوية في نوفوأوغاريفو، قرب موسكو، مشيرا ً بالقول "أننا مستعدون لتقديم قرض تجاري مباشرة إلى شركتكم نفطوغاز مع ضمانات من قبل إحدى البنوك الدولية الرئيسية، الأوروبية أو الأمريكية".
وكانت شركة "غازبروم" العملاقة قد أصرت على أن تدفع أوكرانيا 230 دولارا لكل ألف متر مكعب. ويتساءل الخبراءعن كيفية تنفيذ الرئيس بوتين تهديده بشأن قطع امدادات الغازعن أوكرانيا ؟و بما أن ربع الغاز الذي تستهلكه أوروبا يأتي من روسيا بوساطة خط أنابيب يشق أوكرانيا، فإن الخلاف بين البلدين سيترجم إلى وضع هذا الخط كرهينة قي أيدي أوكرانيا ، وبالتالي إلى نقص في الامدادات للطاقة لبعض البلدان في الاتحاد الأوروبي. . وستكون سلوفاكيا والمجر وبولندا وجمهورية التشيك أكثر الدول المتضررة من هذه الخطوة حيث تعتمد هذه البلدان على روسيا للحصول على ما بين 70 و100 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وفوق كل ذلك فإن إمدادات الغاز الروسية تشكل ثلث احتياجات القارة من الغاز الطبيعي.
الغازهو سلاح. وروسيا اليوم هي المنتج الأول في العالم. وفلاديمير بوتين الذي يريد بعث الامبراطورية الروسية يعرف ذلك.وبمجرد أن أصبح سيد الكرملين ماسكا ً بزمام السلطة، عمل لإعادة الاستيلاء على محروقات بلاده بشكل حاسم ومن دوم تورّعٍ، كما أظهر ذلك عندما وضع في السجن مالك العملاق النفطي يوكوس بهدف ضمان إلغاءنظام التأميم الجزئي.
إن تشكيل هذا البتروـ سلطة هو متقدم الآن. فقد عيّن بوتين على رأس شركة غازبروم العملاقة التي أصبحت ملكيتها للدولة، إثنين من أصدقائه الأوفياء ضمن حلقة سانت بترسبورغ :ديميتري ميدفيدفيد كرئيس لمجلس الإدارة، و ألكسي ميليركرئيس مدير عام.و ستفتح غازبروم رأسمالها لرؤوس الأموال الأجنبية لأنها بحاجة ماسة إلى استثمارات ، بيد أن الكرملين سيحتفظ بملكية 51% من رأسمال الشركة.و في القطاع النفطي ،فإن مجموعة الدولة روسنيف ،التي لا تضمن سوى 7% من الإنتاج من النفط الخام،تحتفظ اليوم بنحو 30% عقب مشتريات متنازع عليها.ويستخدم هذا السلاح داخليا لانتهاج سياسة تنوع في الصناعة، لاسيما، في أجهزة الإعلام. فقد وضعت غازبروم يديها على قناة التلفزيون آن.تي .في، و هي قناة كانت تابعة للمعارضة سابقا.
إن سعر الغاز المطلوب من موسكو يلبي معايير الولاء. فقد حافظت بيلروسيا على سعرالغاز بنحو 50 دولار لكل 1000متر مكعب، ولكن أوكرانيا التي تحققت فيها "الثورة البرتقالية" و تحاول أن تلتحق بالمعسكر الغربي، تُفرَضُ عليها فاتورة مُضاعفة خمس مرات.ويمارس الرئيس بوتين ضغوطات أيضا ً على ليتوانيا لشراء الغاز الروسي بدلا من الغاز الكازاخي.وهو يقترح مشروع بناء خط أنابيب غاز تحت بحر البلطيق نحو ألمانيا لتجاوز خط أوكرانيا.فمن أجل إدارة هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته 5 ملياراد دولار ، تم توظف غيرهارد شرودرفيه عقب تركه للمستشارية الألمانية.
إن أزمة الغاز ما تزال تتفاعل بين روسيا و أوكرانيا مع تبادل الاتهامات و التهديدات. ويبدو أن كييف مترددة بشأن الحجج التي تقدمها لموسكو، مثيرة في الوقت عينه إمكانية زيادة الإيجار المدفوع من قبل الأسطول الروسي المتمركز في مدينة سيباستبول في بحر القرم، و حقها في استخدام خطوط الأنابيب الاوكرانية التي تمر عبر أراضيها أكثر من 80 في المائة من صادرات الغاز الطبيعي الروسي نحو أوروبا، أو من الآن فصاعدا مذكرة التخلي عن الأسلحة النووية.
و الآن بعد أن تم قطع الغاز عن أوكرانيا، تؤكد روسيا أنها ستحافظ في الوقت عينه على تدفق القسم الأكبر من صادراتها من الغازالطبيعي نحو أوروبا التي تمرعبرالأراضي الأوكرانية،الأمر الذي يشكك فيه بعض الخبراء.
و في قمة مجموعة الدول الثمني التي ستعقد في موسكو، سيخصص جزءا منها لمناقشة "أمن الطاقة".ويريد الرئيس بوتين أن يقدم نفسه كشريك ذي مصداقية و ثابت لتوفير الامدادات من الطاقة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. إنه مورد قوي، يحتاجة الجميع، ولايمكن للأوروبيين أن يتجاهلوه.
2 كانون الثاني / يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018