ارشيف من : 2005-2008

الإنقلاب و الديمقراطية في موريتانيا

الإنقلاب و الديمقراطية في موريتانيا

توفيق المديني ـ خاص "الانتقاد.نت"‏

تبين التجربة و التاريخ أن الأنظمة الديكتاتورية لم تتعلم أي شيء من التاريخ ، حين تجد نفسها مرغمة ومكرهة على تغيير نفسها، لا سيما أذا شاخت سلطتها، و تفسخت ، و اصبحت عاجزة عن السيطرة بالقوة على الحركة الشعبية. ورغم تنوع الظروف السياسية و التاريخية لهذه الأنظمة، إلا أنها تجد نفسها في المحطة النهائية محاصرة بالمعادلة الصعبة ذات الحدين، و وكلالهما ليس في مصلحتها: إما وصول إنقلاب عسكري إلى السلطة من داخل النظام عينه، بهدف تثبيته و المحافظة عليه، و تقديم بعض التنازلات الجزئية و غير المهمة للمعارضة وللحركة الشعبية، لكي يقال أن الإنقلاب العسكري يشكل نقطة البداية في الصفحة الجديدة للحياة السياسية في المجتمع، وعندئذ لا يلبي الإنقلاب التغييرات الجذرية السياسية والإقتصادية والإجتماعية المفترضة و المرتقبة، أو الإنفجار الشعبي الذي يشكل القطيعة النهائية مع النظام القديم، ويفتح الطريق أمام تدخل المعارضة و الفئات الشعبية الحاسم بالتحالف مع بعض من قوات الجيش الوطنية ، المعادية للرجعية الداخلية و الصهيونية و الإمبريالية، لبناء الكتلة التاريخية و الحلف الطبقي الشعبي، لتحقيق التغييرات الجذرية المنشودة، و إقامة سلطة الشعب الديمقراطية.‏

لاشك أن الإنقلاب العسكري الذي حصل في موريتانيا يوم 3 آب/أغسطس2005،و أطاح بالرئيس الموريتاني "معاوية ولد سيد أحمد الطايع" ، و أنهى حكم 21 عاما من الإستبداد ، يشكل منعطفا جديدا في الحياة السياسية الموريتانية ، خاصة أن القوى الداخلية العشائرية والإسلامية التي حاربت نظام ولد الطايع، و عانت من قمعه ، أبدت ترحيبا كبيرا بالإنقلاب، حتى و إن كانت لم تضطلع بدور مركزي فيه.‏

وقد اتسمت الحياة السياسية الموريتانية بسلسلة كاملة من الإنقلابات العسكرية خلال العقود الثلاثة الماضية ، كان أولها إنقلاب 10 تموز/يوليو 1978 حيث شارك عدد من الضباط البعثيين في الهيئة العسكرية الحاكمة التي حملت اسم "اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني". وقد حددت اللجنة العسكرية أهدافها بإيقاف الحرب في الصحراء وتقويم الإقتصاد الوطني و إنجاز المؤسسات الديمقراطية.ثم قام العقيد المصطفى ولد محمد سالك رئيس اللجنة العسكرية بتصفية الجناح القومي العربي، وشن حملة قمع صارمة ضد الضباط السياسيين و البعثيين عام 1982.وأدت دورة الإنقلابات الداخلية في اللجنة العسكرية و المحاولات الإنقلابية العديدة المضادة إلى تغيير كبير في اللجنة العسكرية أوصل العقيد معاوية ولد الطايع في 12 كانون أول /ديسمبر سنة 1984 إلى رئاسة اللجنة و الدولة.و منذ ذلك التاريخ ظل معاوية في الحكم حتى تمت الإطاحة به من قبل"المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطيبة".‏

وقد شهدت موريتانيا محاولة انقلاب فاشلة في يونيو 2003 ضد نظام ولد الطايع قام بها العقيد "ولد صالح حننا" لاعتراضه على نمو العلاقات الموريتانية الصهيونية ، وتناقلت بعض المصادر والتقارير الصحفية وقتها أن الكيان الصهيوني قدم مساعدة مباشرة لإحباط هذا الانقلاب. وذكرت الحكومة الموريتانية أنها قد أفشلت أيضا محاولتين انقلابيتين خلال عام 2004. غير أن انقلاب 2005 يختلف عن انقلابات 2003 و2004 كثيرا ،لأنه ليس من المتوقع أن يقوم الموساد (المخابراتالصهيونية ) بذاك الدور الذي قام به عام 2003 لنجدة "ولد الطايع".‏

بالنسبة للمحللين المتابعين لشؤون المغرب العربي ، ليس هذا الإنقلاب العسكري مفاجأة في شيء ، إذ كان متوقعا حدوثه ، و ذلك للأسباب التالية:‏

1-إن العلاقة التي أقامها نظام ولد طايع مع الكيان الصهيوني منذ عام 1999، خلقت توترا حادا بين الشعب الموريتاني و نظامه. و من النادرجدا أن يكون الموريتانيون مجمعين على موقف ما في شؤون حياتهم السياسية الداخلية ، كما هم عليه الآن في حالة العلاقات الدبلوماسية المقامة مع الكيان الصهيوني. وكانت الحالة السياسية الموريتانية تقف بين نقيضين: بين نظام جاء بانقلاب دعمه شخصيا رئيس الأركان الفرنسي عام 1984، فحصل على دعم فرنسا أولا ثم الولايات المتحدة ثانيا عبر خط التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وبين مجتمع ذي طبيعة محافظة قبائلية عشائرية وله توجهات قومية وإسلامية كان دائما ضد النظام وسياساته وتعرض بسبب ذلك لعمليات قمع واعتقالات متوالية.‏

2-إن النظام السابق انتهج سياسة القمع ضد قوى المعارضة السياسية ، خاصة تجاه المعارضة الإسلامية. وعمل على إخضاع الشعب الموريتاني بوساطة القبضة الحديدية، و تكميم الأفواه، و مصادرة الحريات ، و تجريد المواطنين من حقوقهم التي تكفل بها الدستور، كحق التجمع، و حق التظاهر، وحق التعبير.وهكذا أقام نظام ولد الطايع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، لكنه انتهج في الوقت عينه سياسة الحرب على المجتمع ، ورفض إجراء مصالحة وطنيةمع المعارضة.‏

3- إن موريتانيا أصبحت بسهولة نقطة إنطلاق الأخطبوط الأمريكي – الصهيوني في شمال إفريقيا، من خلال أرضها الشاسعة، و اندفاع وانغماس نظامهاوضعفه، و وجود لوبي حاكم تابع للإمبريالية الأمريكية و للصهيونية. فقد استغلت الإدارة الأمريكية برئاسة بوش موريتانيا كقاعدة عسكرية إستراتيجية لخوض الحرب على الإرهاب في منطقة المغرب العربي و إفريقيا عامة ، عبر الحلف المقدس الذي دخلت فيه عدة بلدان مغاربية و إفريقية ، مثل الجزائر و تونس و مالي الخ.‏

4-إن النظام المموريتاني ، نظام يعاني من أزمة اقتصادية ، و أزمة حقوق الإنسان ، وأزمة استشراء الفساد الإداري و الرشوة . و لم يجد النظام من مخرج لهذه الأزمات سوى الإرتماء في أحضان الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني ، وهو ما عمق عزلته الداخلية القاتلة بسبب الطلاق الحاصل بين خياره الإستسلامي هذا وبين خيار الشعب الذي يدافع عن هويته العربية الإسلامية و يرفض التطبيع ، و يؤيد المقاومة الفلسطينية و العراقية .‏

من الواضح أن الإنقلاب نجح ، خاصة بعد أن ترأس العقيد إعلي ولد محمد فال، مدير الامن الوطني، المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي يضم 17 ضابطا اخرين من بينهم 16 عقيدا ونقيبا بحريا. وعرف عن العقيد إعلي ولد محمد فال بانه كان احد المقربين من الرئيس ولد طايع وقاتل الى جانبه لدى تسلمه السلطة عام 1984. وتعهد الانقلابيون في بيانهم بـ"خلق الظروف المؤاتية لجو ديمقراطي منفتح وشفاف يتمكن من خلاله المجتمع المدني والاطراف السياسية من التعبير عن آرائهم بحرية". واضاف البيان ان "القوات المسلحة والامنية لا تعتزم تولي السلطة لمدة تتجاوز السنتين وهي المدة التي تعتبرها ضرورية للتحضير لاقامة مؤسسات ديمقراطية فعلية", وخلص الى القول ان "المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية يتعهد اخيرا باحترام كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها موريتانيا".‏

ورغم بيانات الإدانة الدولية إلا أنه من الصعب على فرنسا أو الولايات المتحدة (أكثر الأطراف الدولية الفاعلة بالمنطقة) أن تتخذ موقفا عنيفا تجاه هذا الانقلاب الأخير؛ بل ستسعى فقط إلى الضغط الأولي المكثف على النظام الجديد لحين معرفة الوقائع الجارية وتوجهات النظام الجديد، الذي لا تزال هويته غير محددة بدقة.‏

2006-10-30