ارشيف من : 2005-2008
فوز متوقع لمبارك في الإنتخابات ومفارقات الديمقراطية
خاص "الانتقاد.نت" ـ توفيق المديني
أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية في مصر عن فوز الرئيس حسني مبارك بنصر كاسح في الاقتراع الذي اجري يوم الإربعاء 7 أيلول/سبتمبر وبنسبة تشير نتائج فرز معظم الصناديق الى انها تصل الى ما يقرب من 80 في المئة.ومن المقرر إعلان النتائج النهائية للانتخابات في مؤتمر صحافي يعقده رئيس اللجنة المستشار ممدوح مرعي، واستعد الحزب "الوطني" الحاكم لتنظيم الاحتفالات بفوز الرئيس مبارك بولاية رئاسية جديدة على ان تسبقها مسيرات شعبية لاعلان بهجة اعضاء الحزب بالفوز الكبير، الذي انهى ثلاثة اسابيع من الحملات الانتخابية المكثفة لعشرة مرشحين تنافسوا على الفوز بمنصب رئيس مصر في أول انتخبات تنافسية تشهدها البلاد.وبدأ يتكشّف حجم التجاوزات الانتخابية التي تتهم كل من المعارضة ومنافسي مبارك والمنظمات الحقوقية أنصار الحزب الوطني الحاكم بارتكابها لتأمين فوز سهل للرئيس المصري.
وستكون هذه التجاوزات مادة أساسية في تقارير المنظمات الحقوقية التي رصدت عبر مراقبيها العملية الانتخابية في البلاد.
ووصف مرشح حزب الغد أيمن نور الذي احتل المرتبة الثانية بحصوله على 10 في المئة من أصوات الناخبين، التجاوزات بأنها "خطيرة وتخلّ بنزاهة العملية الانتخابية"، بل إنه هدّد باللجوء إلى القضاء، مشككاً بنزاهة الانتخابات وبشرعية الرئيس المنتخب، ومطالباً بضرورة إعادتها.
ولم تكن هذه النتيجة مفاجأة في شيء، بل إن المصريين على إختلاف إنتماءاتهم:من المحللين السياسيين، و المرشحين المنافسين مرورا بالباعة المتجولين و الناس البسطاء، تنبأوا بحصول الرئيس حسني مبارك على أعلى نسبة من الأصوات في الإنتخابات.و كانت المسألة المجهولة في هذا الإستحقاق الإنتخابي تتعلق بنسبة الإمتناع عن التصويت.
لكن كثيرين من المحللين يحاجّ بأن نسب التصويت المتضائلة، والتي لم تصل في بعض اللجان الانتخابية إلى 2 في المئة، قد تعني في نهاية الأمر أن مبارك سيحكم "الغالبية بأصوات الأقلية في ضوء ضعف الإقبال على التصويت" كما يقول رئيس تحرير جريدة العربي الناصري عبد الله السناوي.
ومع ذلك ، و بصرف النظر عن كيفية جريان الأمور ، فإن هذه الإنتخابات هي بكل تأكيد أكثر من إستفتاء و أقل من إنتخابات حرة و نزيهة ، و ستظل في حوليات تاريخ مصر حدثا تاريخيا لا مجال إطلاقاً، لإنكار أهميته.فلأول مرة ، نجد في الواقع عشرة مرشحين يتبارون في هذه الإنتخابات الرئاسية مع معرفتنا المسبقة أن هذه المباراة غير متكافأة على الإطلاق بين الرئيس المرشح مبارك و بقية المنافسين.
فمهما كان الأمر شكلياً ، فللأول مرة شهدت الصحافة المصرية حرية حقيقية . و مجلة الدستور الممنوعة منذ خمس سنوات ، سمح لها بالصدور مجددا. وها هم الملايين، ولأول مرة منذ فجر التاريخ، أمام احتمال، ولو افتراضياً، لدخول العازل والاختيار.
هذه سابقة يمكن لها أن تدشن مرحلة جديدة إذا أمكن البناء عليها. لقد صاحبها حراك سياسي واجتماعي وثقافي يبقى، في الحالة المصرية، غامضاً ومتراوحاً بين نخبوية ظاهرة وبين إمكانية التعبير عما يجول في وجدان الكتلة الشعبية الهامدة والتي أقصاها النظام، منذ عقود، عن المشاركة في الشأن العام.
إن الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر و أنور السادات لم يتركا منصبيهما إلا من خلال الموت.فبعد مقتل أنور السادات في 6 أكتوبر سنة 1981، استلم حسني مبارك الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ، مقاليد السلطة في مصر. و منذ ذلك الحين ، كان المرشح الوحيد يزكيه البرلمان ، قبل أن يتم إنتخابه عن طريق الإستفتاء الشعبي.بالنسبة للرئيس مبارك، الذي يسيطر حزبه (الحزب الوطني الديمقراطي) على 85% من البرلمان، يعتبر الإستفتاء مجرد ظاهرة شكلية.
وهكذا ، كانت ولايته تجدد كل ست سنوات بدءا من سنة 1981، بنسب أصوات تتراوح بين 98،4% و 93.7%.
وبعد أن بلغ سن السابعة و السبعين، و بعد 24 سنة من الحكم المتواصل أيضا، يحتفظ الرئيس حسني مبارك بالرقم القياسي للتعمير على رأس الدولة المصرية.و كان دائما يبرر رفضه بتعيين نائب للرئيس بقوله:"لا نعين خليفة للرئيس في ظل الديمقراطية".
و هذا ما جعل المصريون يشعرون بالقلق من مرحلة"مابعد مبارك"، و يتخوفون من الخلافة "المبرمجة": أي توريث رئاسة الدولة لإبنه جمال مبارك.و في إنتظار ذلك، شوهت عملية تمركز كامل السلطات في يد الرئيس صورة "الديمقراطية" المتحكم بها في مصر.
وتقع العملية الانتخابية تحت الضغط المزدوج: الخارجي القادم من الولايات المتحدة الأمريكية التي تطالب السلطات المصرية بتقديم بعض التنازلات للمجتمع المدني بعد أن مارست نقدا على حليفها بسبب عجزه الديمقراطي ، و الداخلي الذي تقوده حركة "كفاية" -التي تضم احزاب صغيرة متعددة المشارب الفكرية و السياسية ، إضافة إلى شخصيات سياسية مستقلة، وممثلين عن الحركات العلمانية او الدينة – و التي تطالب بإحترام حقوق الإنسان، و التعددية السياسية، و حرية التعبير ، و حرية الصحافة، ، ونددت بشكل قوي مستخدمة تعابير غاية في الراديكالية ب"هذا الحليف للعدو الأمريكي"الذي يمثله في نظرها الرئيس حسني مبارك، انتهى بهذا الأخير أن يقدم بعض التنازلات.
فمن خلال تعديل الدستور الذي اجراه في 10 أيار/مايو الماضي ، قدم مبارك لمواطنيه أول إنتخابات رئاسية تعددية بوساطة الإقتراع السري المباشر.ولا شك ان هذا القرار المجازفة من جانب السلطة المصرية ، أحدث مفاجأة وسخطا من جانب المعارضة ، التي أدانت الشروط المحجفة المفروضة على الأعضاء المرشحين. و الحال هذه ، فإن رؤساء الأحزاب المعترف بها (و هناك العديد من الأحزاب الممنوعة) هم الذين تقدموا للترشح في هذا الإستحقاق الإنتخابي. وكان الإستفتاء الذي جرى في 25 أيار/ مايو للتصديق على هذا التعديل الدستوري قد رافقه قمع بوليسي كبير.
لا شك أن هذه الإنتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس مبارك تمثل شرعية ناقصة ، نظرا لأنها لم تتوافر فيها كل الشروط الديمقراطية ، لكنها تظل بداية خطوة صغيرة على طريق الديمقراطية، رغم كل ما شابها من تزوير لإرادة الناخبين، فضلا عن انها وفرت غطاء شرعيا للولايات المتحدة الأمريكية الموزعة بين ضرورة الوفاء لادعاءاتها الديموقراطية التي تشن الحروب باسمها وبين ضرورة الحفاظ على الاستقرار وعدم الذهاب بعيداً في استعداء حلفاء لها في المنطقة تحتاج إليهم.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018