ارشيف من : 2005-2008

لبنان رهينة تقريري ميليس ولارسن:قلق الانتظار هو المسيطر والناخب الدولي هو المقرر؟

لبنان رهينة تقريري ميليس ولارسن:قلق الانتظار هو المسيطر  والناخب الدولي هو المقرر؟

تتوجه انظار اللبنانيين في هذه الفترة باتجاهين، الأول إلى دمشق التي يزورها المحقق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ديتليف ميليس، والثاني نيويورك حيث توجه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود للمشاركة في اجتماعات القمة الدولية التي تبدأ أعمالها يوم غد في مقر الأمم المتحدة، واجتماعات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة منتصف الأسبوع المقبل، وسط أجواء أقل ما يقال فيها إنها محمومة ومشوبة بقلق كبير وحبس للأنفاس بانتظار جلاء غبار التحقيقات وما يترتب عليها من آثار وتداعيات على مجمل الوضع اللبناني بملفاته المتشعبة والمركبة والمترابطة في آنٍ واحد، وبشكل لا يخلو من التخطيط المبرمج .‏‏

ولاحظت مصادر متابعة لمجريات الأمور على الساحة اللبنانية، بروز عامل التدويل في هذه المرحلة بقوة أكثر من أي وقت مضى، ويكاد اللبنانيون أن يكونوا مجرد شهود على ما ينتظر بلدهم، فاقدي الحيلة أو الفعل المباشر، لا يلوون إلا على انتظار التقارير الدولية التي من شأنها التأثير على مصيرهم.‏‏

وتشير هذه المصادر إلى أن اللبنانيين شاءوا أم أبوا هم رهينة تقريرين دوليين بعد فترة شهر تقريباً :‏‏

الأول: صدور التقرير النهائي لنتائج التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي حصلت في الرابع عشر من شباط /فبراير 2005، وبات أكثر من ملف يرتبط بنتيجة هذا التحقيق، لعل أهمها معركة رئاسة الجمهورية، وإن سجلت محاولات لاستباق صدور نتائج التحقيق وتوظيف المستجدات القضائية في جريمة الاغتيال للنيل من رئاسة الجمهورية على الرغم من الدعوات المتكررة لعدم استباق نتائج التحقيق.‏‏

الثاني: تقرير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار الدولي 1559 تيري رود لارسن، الذي يُنتظر أن يصدر تقريره نصف السنوي بعد شهر تقريباً، ويعرض فيه لما نفذ من بنود القرار وما لم ينفذ وكيفية تعاطي الأطراف المعنية معه سواء أكانت لبنانية أم سورية، والعراقيل التي اعترضت تنفيذ البنود المتبقية لا سيما البند المتعلق بنزع سلاح الميليشيات، والمقصود هنا سلاح المقاومة الذي يرى غالبية اللبنانيين أنه محكوم بالحوار الداخلي فيما بين اللبنانيين وبما يتناسب مع مصلحة لبنان العليا بعيداً عن الحسابات الضيقة .‏‏

وتشير المصادر المتابعة إلى أن تفعيل هذه الملفات الخاضعة مضامينها لقرارات دولية، يتحرك بشكل متواز ومنسق تقريباً، بحيث تتداخل دوائر القرارات 1559، 1416 و1595 لتصبح رزمة متكاملة تحقق "النقلة النوعية" للبنان كما تنشدها كل من واشنطن وباريس ومن ورائهما "تل أبيب" التي قفزت إلى الواجهة مجدداً عبر شن حملة على قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان "اليونيفيل" ومطالبة الأمم المتحدة بتقليص عديدها ونشر الجيش اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة قبل بدء الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشاتها الأسبوع المقبل في محاولة واضحة لفرض هذا العنوان في المناقشات وممارسة التحريض والضغط على لبنان ومقاومته من خلال بحث الموضوع مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في وقت تنشط مباحثات بين واشنطن وباريس لتفعيل القرار 1559 وبالتزامن أيضاً مع مباحثات أجراها لارسن مع الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة، ومع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، ومع المستشار الرئاسي الفرنسي موريس غوردو مونتاني تناولت الشق المتعلق بتنفيذ القرار المذكور.‏‏

كما يلاحظ المتابعون أنه في الوقت الذي تنشط فيه دوليا المباحثات المتعلقة بالوضع اللبناني، ثمة ضعف عربي في التعامل مع هذا الواقع، وتأتي القمة المصرية- السورية قبل شهر رمضان المقبل والقمة السعودية – المصرية المتوقعة لمناقشة الوضع اللبناني السوري لتكرس هذا الواقع، حيث يبقى فقدان القدرة على التأثير الفعلي في مجريات الأمور ومآلاتها هو السائد في ظل الهجمة التي تتعرض لها المنطقة بشكل عام.‏‏

ويتوقف المتابعون طويلاً عند انعدام المبادرة اللبنانية في هذه اللحظة، وحالة الانتظار التي ترخي بثقلها على الوضع اللبناني بانتظار ما سيقرره الآخرون عنهم تحت غطاء القرارات الدولية، واكتفاء السياسيين اللبنانيين بالهرولة إلى عواصم القرار الدولي، تارة لاستشراف المرحلة المقبلة، وتارة أخرى للترويج والتسويق لطموحاتهم السياسية المستقبلية، وانتظار البعض الآخر ممن قضوا فترة طويلة من حياتهم في الخارج وعادوا مؤخراً الضوء الأخضر من سفراء الدول الكبرى التي تسعى لتكون الناخب الأكبر في تقرير مصير لبنان من دون أن يكون أي دور للناخب اللبناني في تقرير هذا المصير أو هذا الرئيس.‏‏

وإذ يلفت المراقبون إلى أن أهمية هذه المعطيات وتأثيرها على الواقع اللبناني، إلا أن ذلك لا يعني أن ما تريده عواصم دول الوصاية قدر محتوم لا يمكن تجاوزه، مشيرة إلى تجارب ماضية حيث أثبتت بعض القوى الفعلية جماهيرياً وسياسياً أنها حاضرة بقوة وتمكنت من فرض معطيات كان لها تأثيرها في مسار الأحداث على الرغم من كل الجهود التي بذلتها تلك العواصم، وكان لها رؤيتها التي تشكل الجزء الأخر من الواقع الذي لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال.‏‏

سعد حميه‏‏

2006-10-30