ارشيف من : 2005-2008
الهاجس الأمني يفرض نفسه أولوية:من المستفيد من تواصل مسلسل التفجيرات في لبنان
بيروت ـ سعد حميه
دفع التفجير الأخير الذي استهدف الإعلامية مي الشدياق في المؤسسة اللبنانية للإرسال (25/9/2005) الملف الأمني إلى واجهة الأحداث بقوة ووضع الحكومة والأجهزة الأمنية مجدداً أمام أمر واقع لا مهرب منه يقضي بتوفير الأمن الذي ارتفعت الأصوات مطالبة بتوفيره وتحميل الحكومة مسؤولية التقاعس وعدم القدرة على كشف الجهات المخططة والمنفذة بعد عام تقريباً من بدء هذا المسلسل. ولفت في مجال معالجة هذا الملف مسارعة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى طلب مساعدة الولايات المتحدة في التحقيقات في التفجيرات، وتحفظ حزب الله وحركة أمل وبعض الأحزاب اللبنانية على هذا الطلب نتيجة تخوف هذه القوى من الاستغلال الأميركي لهذه المساعدة بما يحقق المصالح الأميركية المشبوهة بعيداً عن المصلحة اللبنانية.
بدا واضحاً أن الملف الأمني هيمن على ما عداه على الساحة اللبنانية خصوصاً أنه توج بانفجار جديد أعاد تظهير معضلة مسلسل التفجيرات المتنقلة، وجعل الإجابة عمن يقف وراءها أمراً ملحاً في وقت لم تتوصل التحقيقات المحلية لأي نتيجة أو على الأقل الإمساك برأس خيط يشير إلى جهة ما، واقتصار الأمر على فرضيات تختلف بين هذا الطرف أو ذاك بناء على تحليلات سياسية.
لكن الملاحظ أن التفجير الأخير أرسى معطيات سياسية أثارت نوعا من النقاش، وتساؤلات لدى البعض خصوصاً لناحية مسارعة واشنطن للإستجابة لطلب المساعدة الأمنية وإرسال خبرائها الأمنيين "للمساعدة الميدانية والتقنية" في التحقيقات في وقت تتصاعد فيه لهجة التذمر من التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية من باب الوصاية السياسية من خلال القرارت الدولية التي تستهدف لبنان، أو من خلال الوصاية الاقتصادية عبر المؤسسات المالية الدولية وأخيراً فتح الباب لما يمكن وصفه وصاية أمنية من قبل "الأسرة الدولية" وملاقاة مجلس الأمن الدولي لهذا الاتجاه في بيانه الأخير داعياً بعض الدول من دون أن يسميها للاستجابة لطلب لبنان لأي مساعدة أمنية.
وهذه التساؤلات كما هو واضح تنطلق من التجربة مع الأميركيين سواء في لبنان أو في العراق أو فلسطين، وهي مليئة بكل ما يعزز الشكوك والريبة بهذا الأداء المحكوم بالانحياز المطلق للجانب الإسرائيلي لا سيما في القضايا الأمنية، وإمكانية اختراق الأخيرة للأميركيين ديبلوماسياً وأمنياً واقتصادياً.
وقد عبر عن هذه الهواجس بشكل واضح نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم عندما قال" نحن لا نثق بأمريكا، ولا نثق بمواقفها ولا بوعودها ولا بمخابراتها ولا بمشاريعها". وذهب إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن السفير الأميركي يحاول "أن يجعل الحضور الأميركي في كل مفردات الحياة اليومية طبيعياً، فهنا الخطر الكبير".
وتابع" لا نعلم ما الذي تدسه مخابرات أمريكا في لبنان ، ولا ما الذي سيفعله "الأف بي أي" هؤلاء مشبوهون وخطرون.لا نعلم ما علاقتهم بما يجري كي يوصلوا الأمور إلى تدخلهم بهذه الطريقة" مشيراً "إلى أنه عندما يتدخل الأميركيون فيعني ذلك أن الإسرائيليين حاضرون بمصالحهم وسياساتهم لأنهم صنو الأميركي في خيارات المنطقة". وسأل"ألا يوجد خبراء إلى في أمريكا ؟ وقال" نحن نطالب بإيقاف التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية، فهو يزيد الأمور تعقيداً ، ويستخدم ساحتنا لتصفية حساباته وتمرير مشاريعه وهذا أمر مرفوض من قبلنا".
هذا الموقف الحاسم من الأميركيين لا يقتصر على حزب الله بل تشاركه فيه حركة أمل والعديد من الأحزاب والقوى اللبنانية التي عبرت عن انزعاجها وتلقت رداً سريعاً من السفير فيلتمان الذي اعتبر الحديث عن الوصاية أمر سخيف جداً بعد لقائه وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ لبحث مهمة الخبراء الأمنيين الأميركيين بعد الاتصال الذي تلقاه من الرئيس السنيورة الذي أكد بدوره أن لا استبدال للوصاية بوصاية أخرى وإبدائه رغبته لسماع الاعتراضات والملاحظات ومناقشة الموضوع في مجلس الوزراء.
وإبداء الرئيس السنيورة إيجابية في سماع الملاحظات والتساؤلات لم يمنع البعض عند التوقف عند نقطة مهمة تتعلق بالمبادرة إلى طلب المساعدة قبل الرجوع إلى مجلس الوزراء لمناقشة الموضوع واتخاذ الموقف الملائم الذي يحظى بتوافق جميع الأطراف المشاركة في الحكومة خصوصاً بعد اللغط الذي أثاره المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي انعقد في نيويورك وكاد يدخل البلاد في سجال وتجاذب لولا التوضيحات التي قدمها السنيورة إلى الشركاء الآخرين في الحكومة.
ومن التداعيات السياسية التي تركها التفجير الأخير، إظهار الحكومة بمظهر العاجز عن القيام بأي مبادرة، وإقرارها بذلك عبر المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الداخلية حسن السبع عقب الاجتماع الاستثنائي الذي عقده رئيس الحكومة مع قادة الأجهزة الأمنية بالوكالة، وكانت النتيجة تحت سقف توقعات المواطن وعزز هواجسه الأمنية وأعاد تعويم بعض الخلافات داخل الحكومة وظهر ذلك بشكل واضح في عدة نقاط:
ـ إقرار بالفشل في معالجة مسلسل التفجيرات والحديث عن مواجهة أشباح "وشخصاً أو جهة معينة متخصصة تعمل وتضع لنفسها مخططاً إرهابياً تنفذه وهذا المخطط ليس بجديد"!
ـ إعادة تظهير الخلاف حول التعيينات الأمنية وتعويم السجالات السابقة التي دارت حولها وإرسال إشارات تؤجج السجال مع أكثر من طرف معني، وصولاً إلى اعتبار أن "التعيينات أصبحت وراءنا" وبالتالي طي هذا الملف مقابل مطالبة أطراف أخرى مشاركة في الحكومة (وزراء الحزب التقدمي الإشتراكي غازي العريضي ومروان حمادة) باستكمال التعيينات.
ـ جاء الإقرار بالفشل مقترناً تقريباً مع طلب المساعدة الأميركية لتكتمل صورة العجز وفتح باب جديد أمام التدخل الأميركي ليزيد التعقيدات السياسية حول قضايا أمنية عالقة.
ـ تعزيز المخاوف من تدويل ملف الأمن اللبناني بعد فقدان الثقة بالقدرات الأمنية الذاتية في الوقت الذي من المفترض أن يدرس مجلس الوزراء خطة تفعيل وتطوير الأجهزة الأمنية للقيام بمهامها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة والاعتبارات الوطنية.
ـ أبقاء المواطن رهينة الهاجس الأمني في هذه المرحلة وبالتالي زيادة مخاوفه في المستقبل خصوصاً في ظل الحديث عن تداعيات خطيرة بعد صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإزاء هذه الوقائع، يكبر السؤال عن المستفيد من هذه التفجيرات يوماً بعد يوم مع كل عملية تفجير، ولكن الواقع يشير إلى أنه بعد تغيير المعادلات والتوازنات السياسية على الساحة اللبنانية لمصلحة العامل الدولي بات مطلوباً الآن تغيير المعادلة الأمنية بما يتناسب وهذه التغييرات وما التفجيرات إلا عامل محفز للوصول إلى هذا المآل!
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018