ارشيف من : 2005-2008

أسبوع أمني بين الحكومة ومجلس النواب: توجس من "فقدان رسمي" لبوصلة تحديد العدو والصديق

أسبوع أمني بين الحكومة ومجلس النواب: توجس من "فقدان رسمي" لبوصلة تحديد العدو والصديق

يبقى الملف الأمني بجميع تشعباته الى أجل غير مسمى الشغل الشاغل للبلاد على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، نظراً لخطورة التداعيات الحاصلة جراء ما يواجهه لبنان على هذا الصعيد.‏‏‏

وكان الاسبوع الجاري اسبوعاً أمنياً بامتياز على صعيد المتابعة الرسمية والسياسية والاجراءات المتخذة، فمن جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية الثلاثاء في السراي الحكومي التي جرى خلالها اقرار التعيينات الأمنية، الى جلسة مجلس النواب العامة التي خصصت لمناقشة الحكومة في سياستها الأمنية أمس الأول الأربعاء، مروراً ببقاء الغموض يلف "الخطة الأمنية" التي ستعتمد في البلاد وسط خلافات كبيرة على الدور الاميركي الأمني واستسهال طلب المساعدة في هذا المجال برغم مخاطره على الأمن الوطني اللبناني، وصولاً الى الاجراءات المتخذة عسكرياً حول المخيمات الفلسطينية وإثارة مسألة السلاح الفلسطيني..‏‏‏

وسط هذه الخارطة المتشعبة أمنياً طرحت العديد من التساؤلات حول العقيدة الأمنية الجديدة في لبنان، ومن أين يأتيه الخطر، ولماذا لا يجري التعامل بجدية مع المخاطر الصهيونية ويجري التركيز على اتجاهات اخرى.‏‏‏

جلسة التعيينات‏

المتابعة الرسمية للملف الأمني انطلقت هذا الاسبوع مع الجلسة الاستثنائية للحكومة التي عُقدت في السراي الحكومي يوم الثلاثاء الماضي برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والتي جرى خلالها بت التعيينات الأمنية وجزء من التعيينات القضائية بعد توافق على هذا الأمر حصل بين رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة والقوى الممثلة في الحكومة.‏‏‏

سلة التعيينات التي أُقرت ولدت بعد المخاض القاسي الذي سبقها وتمثل بالسجال العنيف الذي حصل في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود على خلفية ملف التعيينات. وإذا كانت الأوساط السياسية طرحت العديد من التساؤلات حول السرعة الفائقة التي جرت فيها التعيينات بعد مماطلة استمرت أكثر من شهرين، ترى مصادر متابعة ان الذي عجل في بت هذه التعيينات هو ظهور مؤشرات عن نتائج التحقيق التي يقوم بها المحقق الدولي ديتيلف ميليس في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومفادها ان هذا التحقيق لم يتوصل الى "أدلة دامغة" حول الجهات المتورطة في هذه الجريمة، وبالتالي فالقوى السياسية التي كانت تتوقع انقلاباً في الأوضاع الداخلية بعد صدور تقرير ميليس عادت الى نوع من الواقعية، معترفة بأنه ليس بإمكانها بناء وقائع سياسية جديدة على نتائج هذا التقرير، خصوصاً بعد الاعلان عن تمديد مهمة ميليس حتى نهاية العام. ومن هذه الوقائع مسألة ملف رئاسة الجمهورية الذي يبدو أنه بات مؤجلاً حتى نهاية الولاية الممددة لرئيس الجمهورية عام ألفين وسبعة.‏‏‏

المسألة الثانية التي أملت الاسراع في بت التعيينات بحسب الأوساط السياسية المتابعة، هي السعي الى التخفيف من وطأة جلسة مناقشة الحكومة أمس الأول الأربعاء التي انعقدت بناءً على طلب من تكتل الاصلاح والتغيير برئاسة العماد ميشال عون تحت عنوان عجز الحكومة عن كشف المتورطين في التفجيرات المتوالية، وعدم قدرتها على بت التعيينات ووضع خطة أمنية واضحة لمواجهة الأوضاع الأمنية التي تواجهها البلاد من تفجيرات وغيرها.. ومن هذا المنطلق ترى الأوساط المتابعة أن الأكثرية النيابية الممثلة في الحكومة عمدت الى تليين موقفها والقبول بالملاحظات التي كان يبديها رئيس الجمهورية حول بعض الأسماء المطروحة في مرسوم التشكيلات الأمنية، وذلك لكي تذهب الحكومة الى جلسة المناقشة مرتاحة وفي جعبتها بعض الإنجازات العملية، ومنها مسألة بت التعيينات برغم عدم الوصول الى خاتمة لموضوع الخطة الأمنية المعدة من قبل وزيري الداخلية والدفاع بالوكالة حسن السبع ويعقوب الصراف، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في جلسة السراي عندما أعرب عن ثقته بوضع الحكومة، وقوله إن لا مشكلة لدى الحكومة في مسألة طرح الثقة أمام المجلس النيابي، وتشديده على مسألة فصل السلطات.‏‏‏

جلسة المناقشة النيابية‏

وهذا ما حصل في جلسة المناقشة حيث بدت الحكومة مرتاحة في الاطار العام ومتسلحة بخطوة انجاز التعيينات الأمنية. وقد دفع هذا الأمر كتلة الإصلاح والتغيير الى الاكتفاء بإطلاق النار "فوق رأس الحكومة" دون السعي الى تعمد إصابتها مباشرة بطرح الثقة بها، وترجم ذلك من خلال كم المداخلات لنواب الكتلة التي كانت لهجاتها متفاوتة بين الهجوم وطرح الأسئلة على الحكومة من دون الوصول الى طرح الثقة، وذلك ان الكتلة رأت ان اللجوء الى هذا الخيار سيجعل الحكومة تنال ثقة جديدة كبيرة تعطيها دفعاً جديداً بعد سهام الانتقاد التي نالت منها جراء عجزها عن اتخاذ اجراءات وقرارات فعّالة على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية. هذا وقد تولى نواب كتلة تيار المستقبل الدفاع عن سياسة الحكومة وركزوا هجومهم على وزير العدل ورئيس الجمهورية العماد اميل لحود، فيما تولى نواب آخرون توجيه الاتهام لما يسمى النظام الأمني اللبناني السوري.‏‏‏

جلسة مناقشة سياسة الحكومة الأمنية التي تحدث فيها قرابة تسعة وعشرين نائباً لم تكن بالسخونة المتوقعة، والملاحظة البارزة على معظم المداخلات هي تركيزها على ما اعتبرته مشكلة السلاح الفلسطيني ومزاعم تهريب السلاح من سوريا الى لبنان، وأغفلت هذه المداخلات الخطر الصهيوني على لبنان، ما دفع بعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار الى الإدلاء بمداخلة ساخنة رد فيها بعنف على هذه الأجواء التي تريد الانحراف بالعقيدة الوطنية عن الخطر الصهيوني ورميها تجاه الفلسطينيين وسوريا. وأكد النائب عمار الثوابت الوطنية المتمثلة بالمقاومة والعلاقة المميزة مع سوريا وخيار العروبة ورفض استغلال لبنان لحياكة مؤامرات ضد سوريا من قبل القوى المستكبرة.‏‏‏

الخطة الأمنية‏

في هذه الأثناء يستمر الخلاف الحاصل في البلاد بين القوى السياسية حول النظرة الى ادخال الولايات المتحدة كطرف مساعد في المجال الأمني والتحقيقات الجارية في التفجيرات التي وقعت، وحصل توجس من طريقة استسهال طلب التدخل الاميركي "دون الأخذ بعين الاعتبار ان الولايات المتحدة لم تكنّ في يوم من الأيام الخير للبنان، وهي التي دعمت الكيان الصهيوني في اعتداءاته على مدى عقود ضد لبنان".‏‏‏

كذلك كان هناك استغراب من قبل العديد من الأوساط السياسية حول اثارة زوبعة حول مزاعم نقل أسلحة من سوريا الى المخيمات الفلسطينية في لبنان، وإثارة ملف السلاح الفلسطيني ومن ثم المسارعة عبر القوى الأمنية الرسمية الى اتخاذ اجراءات أمنية حول المخيمات وغيرها من الأماكن التي فيها وجود فلسطيني.. وتعرب بعض المصادر عن خشيتها من كون هذه الإجراءات تأتي في سياق سيناريو متكامل موحى به من الخارج لتطبيق القرار 1559 الذي ينص في أحد بنوده على سحب سلاح المخيمات الفلسطينية.‏‏‏

وتلاحظ الأوساط أن كل هذا "التصعيد الرسمي" في الموضوعين الفلسطيني والسوري يترافق مع تجاهل تام للخطر الصهيوني على لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً ان هذا الخطر مستمر على أكثر من صعيد معلن عبر الاعتداءات اليومية، أو غير معلن عبر شبكاته الموجودة على الأراضي اللبنانية التي يبدو أنها لا تزال بمنأى عن المتابعة الجدية من قبل الجهات الرسمية التي تتابع التحقيقات في الاعتداءات المتكررة في أكثر من منطقة.. وعليه فإن الاوساط تخلص الى التخوف من تحول يحصل في العقيدة الأمنية الوطنية، خصوصاً في مسألة تحديد العدو من الصديق، وهو ما سيكون محل متابعة في المرحلة المقبلة.‏‏‏

هلال السلمان‏‏‏

2006-10-30