ارشيف من : 2005-2008

تركيا والعضوية الأوروبية:العقبات والتحديات الحضارية

تركيا والعضوية الأوروبية:العقبات والتحديات الحضارية

خورشيد دلي‏

مع موافقة الاتحاد الأوروبي على بدء مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد ثمة أسئلة وتحديات حضارية تطرح نفسها على الجانبين، ولكن قبل الحديث عن هذه الأسئلة والتحديات ينبغي القول ان الموافقة الأوروبية- بحد ذاتها- تشكل حدثا تاريخيا في مسار العلاقة الأوروبية بالجغرافية الإسلامية, ولعل قول وزير الخارجية البريطاني جاك سترو من ان الحدث يؤكد انتصار القيم على التاريخ يشكل دلالة بالغة على المعنى الحضاري للموافقة الأوروبية, هذا أولا. وثانيا: ان هذه الموافقة جاءت لتحل دون وقوع أزمة حضارية من نوع ( صراع الحضارات ) في العلاقة التركية الأوروبية, فلولاها لربما صح قول رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عندما أكد ( انه لم يبق لدى أوروبا الا الموافقة على الرغبة التركية والا فانها في العمق تعد نفسها ناديا مسيحيا وليس قطبا دوليا), وعليه فان للقبول الأوروبي هذا معنى حضاري كبير ينبغي التوقف عنده في سياق الفكر وتطوره والأسئلة الحضارية التي تطرح باستمرار.‏

في الواقع, إذا كان مسار انضمام تركيا إلى العضوية الأوروبية مساراً للممارسة الديموقراطية وضمانها عبر المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وصولا إلى تطبيق معايير كوبنهاغن الأوروبية، فإنها بالنسبة للاتحاد الأوروبي سيكون اختباراً حضارياً لاحترام الهوية الإسلامية بعيداً عن سياسة التذويب أو بعض المفاهيم اليمينية الصاعدة في الغرب والتي تضع الإسلام والمسلمين في موقع الإرهاب والتخلّف، ومن هذه الزاوية بالذات ينظر العالم الإسلامي بعين الأهمية إلى مسألة انضمام تركيا كأول بلد إسلامي إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الذي له هوية حضارية مختلفة عن تركيا التي كانت في أذهان الأوروبيين ربما حتى هذه اللحظة وريثة الإمبراطورية العثمانية التي دكت أسوار فيينا.‏

مع التأكيد بأن مسألة الهوية مسألة إشكالية في مضمونها واتجاهاتها، فإن الأسئلة التي تطرح نفسها على الجانبين التركي والأوروبي كثيرة, فهي بالنسبة لتركيا من نوع: هل نجحت النخب التركية في تحقيق معادلة التوفيق بين الهوية الإسلامية للبلاد والعلمانية الأوروبية ؟‏

وهل البنية السياسية التركية قادرة على تجاوز الجذور الفكرية ( للطورانية والعثمانية والأتاتوركية ..) لصالح تطبيق المعايير الأوروبية حتى النهائية ؟‏

وفي المقابل فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على الاتحاد الأوروبي، هو: هل الاتحاد بقبوله دولة إسلامية في عضويته تنازل عن بنود ميثاقه التي تقر بانسجام دول الاتحاد الأوروبي حضارياً وثقافياً واجتماعياً؟‏

وعندما وافق على بدء مفاوضات العضوية إلى أية درجة اختلطت الأولويات السياسية النابعة من المصلحة الآنية والسياسة الدولية مع البعد الحضاري لحقيقة الفكر الليبرالي في أوروبا؟‏

إنها أسئلة في غاية الحساسية والدقة للجانبين لا يمكن الإجابة عنها الا بمعرفة نتيجة مفاوضات العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد أو عدمه.‏

في الواقع، إذا كانت النخبة التركية ترى أن مسألة تحقيق المعايير والقيم الأوروبية هي مسألة وقت لا أكثر، فإن بديهية تركيا بلد إسلامي، يشكل المسلمون قرابة 98 في المائة من مجموع السكان البالغ عددهم قرابة 75 مليون نسمة، هذه البديهية تطرح علينا السؤال الآتي:‏

كيف يمكن حل إشكالية وجود مجتمعين مختلفين في ظل اتحاد له هويته الحضارية ومؤسساته العليا وميثاقه؟‏

إذا تذكرنا أن البرلمان الأوروبي هو أعلى سلطة تشريعية في دول الاتحاد وينتخب على أساس مباشر ومن منطلق التحالفات الحزبية عبر هذه الدول، فكيف يمكن تصوّر انضمام تركيا لعضوية الاتحاد ثم اشتراك حكومة أو حتى حزب له توجه إسلامي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية ؟‏

في الواقع، إذا كان من الصعب وجود حزبين مختلفين حضارياً في برلمان واحد لا بد من السؤال عن آلية حل هذا الإشكال الحضاري السياسي، فمثلما هو مستحيل بالنسبة للأتراك إثبات انتماء بلدهم إلى أوروبا جغرافياً وحضارياً، كذلك فإن المسألة صعبة وإشكالية بالنسبة لأوروبا نفسها في قبول العضوية الكاملة لدولة لا تنتمي إلى اتحادهم حضارياً وجغرافياً، وحلّ هذا الإشكال يشكل تحدياً للفكر الأوروبي الذي يصنّف نفسه بالليبرالي، والتحدي هنا هل بإمكان هذا الفكر أن يقرّ بالهوية الإسلامية حضارياً وثقافياً في بنية اتحاده، خصوصاً وأن قبول عضوية تركيا يعني أن حدود الاتحاد ستصبح مع دول مثل إيران والعراق وسوريا ودول آسيا الوسطى .‏

تضاف إلى قضية الانتماء الحضاري والجغرافي، قضيتان مهمتان تؤخذان في الاعتبار أوروبياً في مسألة قبول عضوية تركيا، الأولى: تتعلق بالاقتصاد التركي الذي يعاني أزمة بنيوية تتم معالجتها بوصفات صندوق النقد الدولي. والثانية: تتعلق بعدد سكان تركيا الذي بلغ قرابة 75 مليون نسمة في ظل معدلات نمو سكاني مرتفع مقابل نسبة منخفضة جداً في دول الاتحاد.‏

من دون شك، التحديات المذكورة تجعل من مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مسألة محفوفة بالمخاطر عند أي مشكلة أو أزمة إجرائية تتجاوز مسألة تطبيق معايير كوبنهاغن إلى القيم الحضارية وهذا ما يفسر تأكيد العديد من الدول الأوروبية ان العضوية ليست مضمونة وأنها سترتبط بحل العديد من المشكلات الأوروبية التركية مثل قبرص والعمالة والموازنة الأوروبية 2014 والتأكيد ان القرار يعود في النهاية إلى استفتاء الشعوب الأوروبية بشأن انضمام تركيا .. وكل هذا يؤكد أن مسيرة انضمام تركيا إلى العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي ستكون صعبة وطويلة وشاقة بحجم التباعد الحضاري حتى لو كان البعد السياسي ( الدور الأمريكي والبريطاني ) حاضرا في دفع دول الاتحاد إلى الموافقة إلى بدء مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي .‏

2006-10-30