ارشيف من : 2005-2008
تراجع النزاعات المسلحة في العالم
كتب توفيق المديني
أشار التقرير الذي حمل العنوان التالي:"حرب و سلام في القرن الحادي والعشرين" وصدر يوم الإثنين 17 تشرين الاول/ اكتوبر عن مركز الأمن الإنساني التابع لجامعة بريتش كولومبيا بـ"فانكوفر"، إلى إنخفاض قوي لعدد النزاعات المسلحة في العالم منذ نهاية الحرب الباردة، وإنخفاض أيضا عدد القتلى عن كل نزاع مسلح خلال المرحلة عينها.
وهو تقرير يخالف الأفكار المسبقة، خاصة في أوروبا، حول تطورالنزاعات المسلحة .
إن الدروس المستخلصة حول التغييرات التي حصلت منذ العام 1990 و نهاية الحرب الباردة متعددة: إذ انخفضت الإبادة الجماعية والمجازر الكبيرة الأخرى بنحو80 في المئة، وانخفض عدد النزاعات المسلحة بنحو 40 في المئة، وبالتالي انخفضت ظاهرة عدد القتلى عن كل نزاع (من 38000 في المعدل الوسطي خلال سنوات 1950 إلى 600 في الوقت الحاضر).كما انخفض عدد اللاجئين في العالم بنحو 30 في المئة.
ومن الجدير بالذكرالتطرق في الظرف الراهن إلى الظاهرة السلبية التالية:
في النزاعات المسلحة الماضية كان عدد القتلى يمس المقاتلين بشكل رئيس، على نقيض ما هو حاصل في الوقت الحاضر حيث أن ضحايا الحروب هم في معظمهم من المدنيين بنحو 90 في المئة.
ويعتبرالمحللون في الغرب مرحلة "السلام الطويل" هي المرحلة التي افتتحت عام 1945، لأنها لم تنشب فيها أي حرب بين القوى العظمى الرئيسية في العالم . ومع ذلك، تضاعف عدد النزاعات المسلحة التي تورطت فيها دولة عظمى ثلاث مرات ما بين 1946 و 1991.
ومن البلدان التي خاضت العدد الأكبر من النزاعات الدولية نجد بريطانيا تحتل المرتبة الأولى(21)، وفرنسا(19)، والولايات المتحدة الأمريكية (16)، وروسيا(9). ومع نهاية الحروب المناهضة للكولونيالية، ثم الحرب الباردة، انتهت نزاعات كثيرة ببساطة.
و يمكن عزو تراجع النزاعات المسلحة في العالم إلى عدة أسباب:
أولها، نهاية الحروب الوطنية التحررية المناهضة للإستعمار الأوروبي، إذ كانت مصدرا حقيقيا لعدد القتلى.
وثانيها نهاية الحرب الباردة بين العالم الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الشيوعي بزعامة الإتحاد السوفياتي، التي غذت عدة نزاعات مسلحة في بلدان العالم الثالث، وحمت عدة أنظمة ديكتاتورية وتسلطية، مارست سياسة القتل ضد شعوبها.
وثالثها، الدبلوماسية المكثفة التي أصبحت تستخدم لدرء النزاعات الكبيرة، والعمل على إيجاد تسويات سياسية في سبيل المحافظة على السلم العالمي.
وبصدد الدبلوماسية، علينا أن نسجل بعض الإخفاقات، والكوارث، كما هو الحال في الصومال، والبوسنة ، ورواندا.
ولكن هناك نجاحات يجب ذكرها، خاصة من قبل الأمم المتحدة في ناميبيا، وكمبوديا، و تيمور الشرقية. فهناك عدد أكبر من النزاعات المسلحة تم حلها بوساطة المفاوضات خلال الخمسة عشرة عاما الأخيرة أكثر من القرنين الماضيين.واليوم تمثل بوروند ي مثالا رائعا، خاصة بفضل المجهود الدولي الكبير.
إن هذا الوضع الجديد يعكس لنا تطورا أساسيا: فبينما كانت الدبلوماسية في مرحلة الحرب الباردة مولدة للنزاعات المسلحة (باستثناء أراضي أوروبا الغربية نفسها)، أصبحت الدبلوماسية منذ عام 1990 صانعة للسلام.ولا يسعنا في هذا الصدد إلا أن نحصي عدد المبادرات في مجال البحث عن إحلال السلام ، وتحقيق العدالة الدولية، حتى وإن انتهى بعضها إلى إخفاقات مريعة كما هوالحال في ساراييفوا و كيغالي.
وهناك عامل آخر يفسر لنا تبلور هذا الإتجاه: نهاية شلل الأمم المتحدة.فما بين 1990 و2002، شهد العالم ست مرات أكثر إرسال البعثات الدبلوماسية الوقائية، وأربع مرات أكثر مهمات إحلال السلام.
أما مهمات حفظ السلام فقد تضاعفت أربع مرات خلال إثنتي عشر سنة. وهو حال أفضل بكثير من التقدم الاقتصادي أو إحلال الديمقراطية في بلدان العالم (20 ديمقراطية في عام 1946، مقابل 88 ديمقراطية في عام 2005). ثم إن زيادة أنشطة المنظمات غير الحكومية، و المنظمات الإقليمية، وهيئة الأمم المتحدة، يفسر لنا أيضا تراجع العنف في العالم.
بيد أن هذا التفاؤل تعكره استمرار النزاعات في دول إفريقيا جنوب الصحراء. ومنذ، سبتمبر 2002، أسفرالنزاع المسلح الإيفواري عن ترحيل حوالي 4 ملايين لاجىء سواء داخل البلاد أو خارجها. كما أن عانى سكان ليبريا و سيرا ليوني من الإرهاب المسلط على رقابهم طيلة السنوات الماضية، بسبب النزاعات الأهلية المحتدمة. وتتجمع في هذه المنطقة الإفريقية عدة عوامل مفجرة للحروب: الفقر، وعدم الإستقرار السياسي، والتفرقة الإثنية و العرقية.و مع ذلك ، فقد انتقل عدد النزاعات المسلحة في إفريقيا من 15 إلى 10 ما بين 2002 و 2003، و تراجع ايضا عدد القتلى والمجازر .
العالم اصبح أكثر اماناً، لأنه من الصعب اليوم أن تلجأ دولة إلى إبادة سكانها أو إحتلال دولة أخرى مجاورة، من دون أن تجد ردا حازما من المجتمع الدولي.
ومع ذلك، من المستحيل الزعم أن أمن العالم ليس في خطر. فهناك ثلاثة أنماط من التهديدات تشكل تحديا حقيقيا للعالم: إنتشار أسلحة الدمار الشامل، خاصة النووية منها، والإرهاب الدولي الذي يعتبر ظاهرة متفردة، إذ شهد العالم خلال الأربع سنوات الماضية عدة هجمات إرهابية عنيفة، رغم تراجع الأعمال الإرهابية منذ عام 1980، وأخيراً سياسة القطب الأوحد التي تنتهجها القوة العظمة الوحيدة في العالم المفرطة في قوتها ألا وهي أمريكا.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018