ارشيف من : 2005-2008

مأزق "الأغلبية الشكلية" بمواجهة "الأغلبية الحقيقية": قوى 14 آذار تتخبط نتيجة تسرعها

مأزق "الأغلبية الشكلية" بمواجهة "الأغلبية الحقيقية": قوى 14 آذار تتخبط نتيجة تسرعها

تبدو قوى الرابع عشر من أذار التي تتشكل منها "الأغلبية" الوزارية قد صدمت بقرار مجلس الأمن رقم 1644، إذ أظهر مجلس الأمن برودة لافتة تجاه مطالبها بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتورطين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، أو توسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية لتشمل الاغتيالات ومحاولات الإغتيال التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ الأول من تشرين الأول عام 2004 وصولاً إلى اغتيال النائب جبران تويني أو تشكيل لجان أخرى للتحقيق في هذه الجرائم .‏

هذا الشعور، تحرص القوى المذكورة على إخفائه عبر مسارعتها للترحيب بالقرار، وإظهار أنها حققت إنجازاً من خلال التركيز على الفقرة المتعلقة بالتمديد للجنة مدة ستة أشهر وبإجماع الأعضاء مع إغفال تفاصيل المطلبين الأخرين إضافة إلى خلو القرار من فرض عقوبات على سوريا وفق توقعات هذه الأغلبية أو ما روجت له قبل انعقاد مجلس الأمن.‏

الأيام المقبلة قد تكشف تفاصيل عن الإحباط لدى هذه القوى التي اندفعت بعيداً في تسرعها للإنخراط في لعبة الأمم وملاقاتها في منتصف الطريق من دون أن تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التوافق لا بل الإنقلاب عليه عبر اللجوء إلى اعتماد "الأغلبية" في القضايا الأساسية، وفي الوقت الذي كان الحوار متواصلاً ويسجل تقدماً في ما يتعلق بموضوع المحكمة الدولية بين حزب الله وتيار المستقبل وهو ما تسبب بانسحاب وزراء حزب الله وحركة أمل من الجلسة ومن ثم الاعتكاف.‏

ثمة أوساط في هذه القوى طرحت تساؤلات عن الأداء الذي اتبعته الحكومة ورئيسها في ضوء النتائج التي أسفرت عنها مداولات مجلس الأمن وبالتالي القرار 1644، وأشارت تلميحاً إلى نوع من المراهقة السياسية في تقدير التوازنات الدولية وقراءة توجهاتها، إضافة إلى الخضوع لما أسماه رئيس الحكومة ضغوطاً من بعض القوى؟‏

من الواضح أن ثمة قوى في تحالف 14 آذار عبرت قبل فترة عن تبرمها من ما أسمته ضعف "الأغلبية"، وعبرت أكثر من مرة عن رغبتها تجاوز التوافق داخل مجلس الوزراء وظهر ذلك خلال أزمة التعيينات الأمنية وجرى التلويح في حينه باستخدام هذا "السلاح". وهذه القوى هي التي دفعت موضوع السلاح الفلسطيني سابقاً إلى الواجهة، وهي نفسها سعت وطالبت بتوسيع عمل لجنة التحقيق الدولية لتشمل كل جرائم الاغتيال في لبنان منذ 2004 وبدأت هذه الحملة منذ اغتيال سمير قصير، واشتدت بعد محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق، وأخيراً اغتيال النائب جبران تويني. والجهة نفسها، تطالب أيضاً بفتح ملفات الاغتيال حتى خلال فترة الحرب الأهلية، وتجاريها في ذلك جهة أخرى، وظهر في الأونة بينهما تناغم على أكثر من صعيد خصوصاً عقب اغتيال النائب تويني، ولوحت الجهتان بالانسحاب من جلسة الحكومة إذا لم يتم أقرار موضوع المحاكمة الدولية وتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية بهدف الضغط على القوى الأخرى داخل الحكومة واستجاب رئيس الحكومة على ما يبدو لمطالبها مغادراً مربع الحكمة والتروي الذي لطالما تميز بهما.‏

وثمة مصادر سياسية عبرت عن استغرابها من إستعجال الحكومة طلب المحكمة الدولية وتوسيع عمل لجنة التحقيق من دون تأمين أولاً التوافق الداخلي واستسهال الدخول في مأزق داخلي غير مأمون النتائج وتجاهل وجهة نظر منطقية وعقلانية تدعو إلى عدم الاستعجال وأخذ الأمور بروية. وثانياً عدم القدرة على تشخيص حقيقة مواقف الدول الدائمة العضوية أو على الأقل بعضها والتوهم بأن مجلس الأمن رهن إشارتها!‏

الأداء الأخير للحكومة صدع الوضع الحكومي إضافة إلى صورة رئيسها كرجل دولة يتمتع بالحكمة والصبر والحنكة، وبدا كأنه انزلق إلى مأزق معقد. هذا المأزق يتمثل بأن "الأغلبية" دفعت حزب الله وحركة أمل ـ وهما طرفان أساسيان ـ إلى خارج الحكومة وبالتالي إلتفاف قوى أساسية معارضة للحكومة حولهما مثل التيار الوطني الحر وتيارالذي يحظى بتمثيل شعبي كبير(21 نائب مع حلفائه) الرئيس سليم الحص وتيار الوزير سليمان فرنجية إضافة إلى قوى أخرى لتصبح الأغلبية الحقيقية شعبياً خارج الحكومة "والأغلبية الشكلية" داخلها!.‏

سعد حميه‏

2006-10-30