ارشيف من : 2005-2008

قمة كوالا لمبور ترسم معالم آسيا في القرن الـ21

قمة كوالا لمبور ترسم معالم آسيا في القرن الـ21

كتب توفيق المديني‏

تحت ظلال ناطحتي السحاب التوأمتين الشاهقتين بيتروناس، ذاتي الـ32000 نافذة، اجتمع قادة ست عشر دولة رئيسة من دول آسيا والمحيط الهادىء في قمة كوالالمبور يوم الاربعاء 14كانون الاول/ديسمبر الماضي، التي أرادت أن تضع حجر الأساس لعملية اندماج اقتصادي وسياسي على غرار ماهو قائم في أوروبا وأمريكا.‏

وقد جمعت أول قمة لشرق آسيا رؤساء الدول أو الحكومات لعشرة بلدان من جمعية أمم جنوب شرق آسيا(آسيان تضم 530 مليون نسمة)، إضافة إلى شريكيهما المنتظمين اليابان والصين ، والتحاق الهند ، وأستراليا ، ونيوزيلاندا ، وكضيف مراقب روسيا بشخص الرئيس فلاديمير بوتين.‏

وقامت الصين برعاية القمة من حيث الأساس، واستثنيت منها الولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى الرغم من حذف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه القمة، فإن واشنطن تحظى بعدد من الحلفاء في هذه المحادثات ، فاليابان على سبيل المثال، عملت على إشراك استراليا و نيوزيلاندا، رغم معارضة رئيس الحكومة الماليزية السابق مهاتير محمد، الذي كان أول من ارتأى عقد هذه القمة قبل 14 عاما ً.وقال في حينه، أن هاتين الدولتين اللتين تقعان في "الجنوب البعيد" ليستا آسيويتين على قدر كافٍ، وتشكلان في الواقع من يحتل موقع "الشريك" للولايات المتحدة الأمريكية في القمة.‏

على أن أستراليا و نيوزيلاندا قد تم السماح لهما بالمشاركة بعد توقيع معاهدة الصداقة، وهي اتفاقية بين 16 دولة حول حل النزعات بالطرق غير العنيفة، وعدم التدخل في القضايا الداخلية للآخرين ـ مع التركيز من جانب الصين ، على وجه الخصوص،على النقطة الأخيرة.‏

أما ضم دول من ذات الوزن الثقيل، مثل اليابان والهند وأستراليا، فخفف من مشاعر القلق الأولية التي ساورت دول المنطقة من امكانية هيمنة الصين على النادي الجديد.‏

وكانت القمة التي أعلنت تحت شعار طموح "رؤية، هوية، جماعة"، تريد أن تقيم جماعة سياسية إقليمية متميزة، و بعيدة عن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ،وأن تقدم جوابا ًلسؤال معقدمن دون أن يكون مسمّياً: هل يمكن أن يستخدم العطش غير ممكن إطفاؤه للاستهلاك على الصعيد الديموغرافي الأكثر اتساعاً كإسمنت لبناء سياسي يتجاوز قرون عديدة من المواجهات المتعددة الأطراف والسريعة التأثربسبب النزاعات بين مختلف المؤرخين الوطنيين؟‏

إن قسما ً كبيرا ًمن البلدان الممثلة في قمة كوالالمبور، وفي طليعتهاالصين، يعرفون نموا ً اقتصاديا ً قياسيا َ. وقد أخذ مسؤوليهم الكلام ، باسم 3 مليارات من السكان، بوصفهم ممثلين لخمس التجارة العالمية، ولاقتصادات مركبة بما يقارب 7000 مليار يورو. ويشمل هذا التجمع الأولي فضاءاً أكثر اتساعا ً من منطقة الازدهار المشترك الآسيوية. فالطموح المعلن يتمثل في جعل القرن الواحد و العشرين "قرنً آسييا". ولم يتردد رئيس البنك الآسيوي للتنمية، الياباني هاروهيكوكورودا من اقتراح، إنشاء اتحاد نقدي آسيوي على طريقة اليورو، على المدى البعيد.‏

وكان الغياب الكامل للقوة الاقتصادية العالمية الأولى، و القوة العسكرية الأولى في المحيط الهادي، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية ـ يكفي لوحده إظهارنسبية البعد الملموس للقمة. وهكذا، لم تظهر الصين أي رغبة للمحادثات متعددة الأطراف، مفضلة المعالجةالثائية بين بلد وآخر.وكان الرئيس الكوري الجنوبي، كيم داوجونغ، المنتخب ديمقراطيا في عام 1998، قد أعاد بعث هذه الديناميكية. وقد أظهرت مساومات السنوات الأخيرة هذه حدود الشعار المرفوع في القمة.‏

وإذا كانت الصين راضية عن إقصاء واشنطن من القمة، فإن المشاحنات بين اليابان والصين بشأن الحرب العالمية الثانية قد أظهر بطريقة حادة عمق الحذر المتبادل خلف مقولة تقاسم "الرؤية" في القمة . فقد قال رئيس الوزراء الصيني وين جياباو في ماليزيا، أن رئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومي لن يقر بتاريخ بلاده في العنف في آسيا، الأمر الذي يجعله سببا ً رئيسا ً في تصديع العلاقات بين البلدين. وفي الأسبوع السابق ، قال مسؤولون صينيون وجنوب كوريون أنه لن نعقد اجتماعات جانبية مع اليابان.‏

أما غياب تايوان عن القمة، فأدى هو الآخر إلى احتكاك أيضا ً، وفي هذا الخصوص، تساءل رالف كوسا، من مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية في واشنطن"هل ممكن إقامة مجموعة شرق آسيوية حقيقية، بينما تستثني منها احدى الدول الأكثر قوة ووفرة اقتصادية".؟‏

ويمكن لقمة كوالالمبور أن تكون لها تأثير مفيد على بعض الملفات الماموسة. فدخول الهند في اللعبة، التي لم تكن تعرف المنطقة كليا ًمنذ عشر سنوات ، يمكن أن يغير السلوك في مجال التعريفات الجمركية.‏

وعلى الرغم من أن منطقة آسيا الشرقية و المحيط الهادي تعيش ديناميكية خاصة وتتحرك بسرعة وانسياب، فإن المحللين يقولون أن منطقة آسيا هذه التي هي في غاية الحركية الدينامكية هي منطقة شاسعة ذات اتفاقيات قليلةجدا ً حول كيفية المضي إلى الأمام. فالوضع الأمريكي ـ الجنوب كوري غير ملائم في الوقت الحاضر، و الحال اليابانية ـ الجنوب كورية تشكل نعضلة، ولا نعرف في الحقيقة إلى أين الصين متجهة.‏

2006-10-30