ارشيف من : 2005-2008
بوش وبعبع الارهاب:ضخ الخوف لدى الاميركيين
خاص "الانتقاد.نت" ـ كتب عبد الحسين شبيب
لماذا بادر الرئيس الاميركي جورج بوش الى الكشف الاسبوع الماضي عن احباط سلسلة هجمات قال ان تنظيم القاعدة خطط لها في الفترة التي اعقبت هجمات نيويورك وواشنطن لمهاجمة اهداف اميركية داخل الولايات المتحدة وخارجها؟ الجواب البديهي استقدمته وسائل الاعلام في تغطيتها الاخبارية للتصريح المخصص للحديث عن الارهاب وربطته بالصعوبات التي يواجهها الرجل داخلياً على خلفية اكثر من ازمة يتعثر بها، وابرزها العراق وزيادة منسوب القتلى الاميركيين فيه منذ آب اغسطس الماضي بوتيرة متسارعة، اضافة الى التخبط الذي رافق اعصار كاترينا، و"المناورات" الفاشلة التي تقوم بها ادارته في مواجهة البرنامج النووي الايراني.
لذا بدا ان بوش في ادائه مؤخراً انه يحاول استحضار "العدو" المائع غير المحدود جغرافياً المتنقل من ساحة الى اخرى والذي يضمر "الشر" للمصالح الاميركية اينما وجدت، وذلك اعتقاداً منه ان هذا العدو الذي ارعب الاميركيين في الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر كفيل باستعادة شعبية الرئيس التي هبطت الى مستويات غير مسبوقة، و"تبشره" بولاية ثانية متعثرة ان لم تكن فاشلة.
فمنذ حزيران/ يونيو الماضي ومؤشرات استطلاع الرأي تظهر تراجعاً كبيراً في نسبة الاميركيين المؤيدين "للحرب على الارهاب"، بعدما اعتبر بوش ان غزوه للعراق تعتبر نقطة محورية لنجاح هذه الحرب، ولتاتي النتائج معاكسة: ان بالنسبة لمستوى الفوضى والقتل الوحشي الذي بلغته الساحة العراقية وما فتحته من احتمالات كبيرة على تمزق هذا البلد، او لجهة عدد القتلى والجرحى الكبير في صفوف العسكريين الاميركيين الذين لم تقدم لهم ادارتهم تصوراً حقيقياً لما بعد انتهاء "مهمتهم" التي ُطلب منهم انجازها. وقد جاءت تقديرات مراكز الابحاث الغربية في اعقاب تحليل الوقائع العراقية المتدهورة لتخلص بان هذه الحرب اعطت "قوة دفع" للقاعدة وجعلت عدداً من الدول وبينها اسبانيا وبريطانيا بنوع خاص عرضة لهجمات.
على ان الرئيس بوش الذي حاول ان يجري ربطاً محكماً بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة والبحث عن مسؤولية ما له في هجمات نيويورك ومن ثم اعتبار اسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة جزء من منظومة المخاطر التي تتهدد الامم "الحرة والديمقراطية" من قبل الارهابيين، جهد لتقديم أي "نصر" يحرزه في العراق باعتباره كسباً اساسياً في معركته ضد الارهاب، بعيداً عن الاهداف الحقيقية لهذا العدوان العسكري الواسع على المنطقة.
لكن المآلات التي انتهت اليه سنتين ونصف من خوض هذه الحرب، وتفكك الذرائع التي خيضت بها، اجبرت بوش على العودة الى ساحته الاساسية أي الداخل الاميركي، ليعيد ضخ الخوف لدى مواطنيه عبر سلسلة من التصريحات المنظمة والمدروسة في محاولة لاستعادة زمام المبادرة. فجاء تصريحه في السادس من الشهر الجاري عن احباط الهجمات في السنوات القليلة الماضية، ليعقبه في اليوم التالي حالة تاهب واستنفار امني في مترو الانفاق في نيويورك على خلفية تلقي الاجهزة الامنية معلومات عن احتمال تعرضه لاعتداء، تفاوتت درجة صدقيتها وخطورتها بين مؤكدة حسب رئيس البلدية وغير مؤكدة حسب شرطة المدينة إلى أن تبين كذبها لاحقا، لكن بعدما تم استثمارها دعائيا حيث عملت وسائل الاعلام عبر تغطيتها اساليب الانتشار الامني والبحث عن مواد سامة وغيرها، عملت بطريقة موجهة على تذكير النيويوركيين خصوصاً والاميركيين عموماً بذكريات تدمير البرجين لتحفيزهم على تغيير انطباعاتهم عن جهود ادارة بوش في مواجهة الخطر الذي لا يجب ان تغفو عنه عيونهم، أي "الارهاب"، بعدما ذهب بعض الخبراء الى حد اعتبار ان النتائج الطبيعية للذكريات التي تزول عن الاحداث مع مرور الزمن، ساهمت بشكل ما في تراجع تأييد هذه الحرب، وهو الامر الذي تاكد في اعقاب حالاة اللامبالاة والشك التي ساورت الاميركيين بصدقية تصريحات بوش عن احباطه هجمات مؤكدة، ما استدعى تقديم تفاصيل مسائية من البيت الابيض، وبينها محاولات خطف طائرات في منتصف 2002 لتحطيمها على الساحل الغربي للولايات المتحدة واخرى مماثلة كانت تستهدف ايضا الساحل الشرقي في منتصف 2003، لكن دون تقديم أي دليل ملموس يثبت صحة ما ذُكر. وايضاً استحضر سكوت ماكليلان خوسيه باديلا وايمان فارس اللذين اعتقلا في الولايات المتحدة واتهما بأنهما كانا ينويان تنفيذ اعتداءات، حيث حكم على ايمان فارس بالسجن 20 عاما في 2003.
كما بدا ان وظيفة الكشف عن رسالة عثرت عليها القوات الاميركية في العراق موجهة من الرجل الثاني في تنظيم القاعدة ايمن الظواهري الى ابو مصعب الزرقاوي بشان النتائج التي يمكن ات تترتب على استهدافه للمدنيين العراقيين التذكير بان مواجهة المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها الداخل الاميركي تحصل من العراق ايضاً، وانه ليس صحيحاً ارتفاع اصوات مطالبة بالانسحاب من هذا البلد لان العدو الموجود فيه الآن هو نفسه الذي ضربهم في نيويورك وواشنطن ولا يزال يتهددهم.
هل يفلح بوش في مهمة انعاش شعبيته المتدهورة؟ الجواب لا بحسب مايكل شوير المسؤول السابق عن "وحدة بن لادن" في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) الذي طارد عدة سنوات زعيم تنظيم القاعدة، بتحذيره الاسبوع الماضي من ان اسامة بن لادن سيعود الى الظهور عندما يشن هجوما جديدا على الولايات المتحدة، معتبراً ان الرجل ما زال قوياً
مع انه مختف عن الانظار. وشوير هو واحد من مجموعة من الباحثين الذين خلصوا في دراساتهم التي اجروها على هذه الظاهرة الى البحث عن وسائل جديدة في مواجهة هذا العدو، غير الخيار الامني، أي امكانية فتح حوار معه وفهم مطالبه. وهؤلاء ـ وبينهم شوير ـ يعتبرون ان الوسائل والخيارات المتبعة حالياً قد ادت الى الفشل في هذه المعركة. هل يعترف بوش بذلك ويستعين باستشارة من كان تحت امرته سابقاً وانفض عنه منتقداً ادارته للازمات؟ جواب لا تصعب الاجابة عنه بالنسبة الى رجل لا يعرف ان يعتاش الا من الحروب الموكلة اليه من الله حسب مزاعمه!!!!!
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018