ارشيف من : 2005-2008
أثر الانسحاب من غزة على الداخل الفلسطيني
خاص الانتقاد .نت ـ بقلم توفيق المديني
إذا كان أي انسحاب صهيوني من أي قطعة أرض فلسطينية محتلة يعتبر أمرا مهما في سيرورة النضال الوطني الفلسطيني التحرري، فإن الإنسحاب الصهيوني الأخير من قطاع غزة ، يشكل ضربة للغطرسة العسكرية و الأمنية الصهيونية، واهتزازا عميقا في الإيديولوجية الصهيونية القائمة على أساس شرعية الإستيطان، وإخفاقا صهيونيا جديدا في كسر إرادة المقاومة والصمود لدى الشعب الفلسطيني وقواه الحية المكافحة، ذلك أن تفكيك المستوطنات يمثل سابقة خطيرة في وعي المستوطنين الصهاينة وتطرح سؤالا كبيرا حول أساس شرعية الإستيطان عينه.
بيد أن المطلوب هو وضع هذا الإنسحاب في ظروفه السياسية والتاريخية الملموسة، لجهة كونه ليس خطوة في طريق السلام الشامل، ذلك أن هذا الانسحاب تم بقرار صهيوني منفرد من جانب واحد ودون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، لتخوف شارون ـ ومعه الصهاينة ـ من أن يشكل الإتفاق مع الطرف الفلسطيني حوله سابقة يتم البناء عليها للمناطق الأخرى في الضفة الغربية والقدس، بل في الأراضي المحتلة سنة 1948. كما حرص الصهانة أن يبقى القطاع محاصرا بعد انسحابهم، وبعد تفكيك مستوطناتهم، وأن يبقوا نقاط كثيرة عالقة وملتبسة كقضية المعابر والأجواء والميناء والمطار و "الممر الآمن" إلى الضفة الغربية..، حتى لا يتحول القطاع إلى قاعدة إنطلاق لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فالأكثر خطراً من عدم التعاون بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، إصرار شارون على اعتبار أن المقصود من الانسحاب من غزة ليس تسهيل عملية الحل الشامل (الأرض مقابل السلام)، بل منع هذا الحل بالذات. فمنذ بداية اقتراح شارون الانسحاب من غزة، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني أنه إنما يقوم بذلك لإفشال عملية الانسحاب من الضفة الغربية، أو كما قال: الانسحاب من غزة من أجل منع ما هو أخطر، أي سواد حل الأرض مقابل السلام. وقد قال فايسغلاس كبير مستشاري شارون، ورئيس فريقه السابق، في السنة الماضية، إن الانسحاب من غزة المقصود به جعل خارطة الطريق، وعملية السلام، والدولة الفلسطينية كل ذلك، أموراً لا يمكن لأحد التفكير فيها. وفي 30 حزيران/ يونيو الماضي قال شارون إنه مصرّ على الانسحاب من غزة رغم اعتراضات المستوطنين لأنه يريد تقوية "إسرائيل "وتشديد قبضتها على الضفة الغربية، وهو هدف مشترك له وللمستوطنين، الذين وصفهم شارون بأنهم "زبدة الشعب اليهودي"!
إن شارون متمسك باستمرار الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية، وتوسيع هذا الاستيطان وخاصة في محيط القدس، والكتل الاستيطانية الكبيرة، وغور الأردن، وهي المناطق التي لا ينوي الكيان الصهيوني الانسحاب منها حتى في " تسوية نهائية".
ويرى المحللون السياسيون المتابعون للقضية الفلسطينية أن هناك تداعيات خطيرة لهذا الإنسحاب من غزة على الوضع الفلسطيني جراء المقاربات المتناقضة بين السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية حول النهج الواجب إتباعه لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، وحول أولوية المقاومة، أو التفاوض والعملية السياسية، وكيفية ترتيب البيت الفلسطيني، والتعامل مع الوضع الذي سينشأ بعد الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة، وفي مسألة إستمرار المقاومة الفلسطينية كخيار إستراتيجي.
إن معظم القادة الصهاينة يؤكدون أن السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات في الماضي، وبقيادة عباس في الحاضر، ليست "ناضجة" بعد للدخول في عملية السلام الحقيقي!
والنضج الذي يقصده شارون وكبار قادة العدو الصهيوني : ظهور سلطة فلسطينية تقبل بالخارطة الصهيونية للدولة الفلسطينية الموعودة في قطاع غزة من دون سيادة، ومن دون مطالبة باستعادة الضفة الغربية والقدس.. شارون قال إن عباس قائد "ضعيف"، لا تستطيع "إسرائيل" أن تجري صفقة معه.
شارون يريد أن يدفع الأوضاع الداخلية الفلسطينية نحو التأزم، فالاقتتال الداخلي، وهو هدف أساسي لعملية الفصل "وفك الارتباط"، من خلال العزف على وتر ضرورة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وأن ذلك يشكل البند الأول في نص خارطة الطريق التي تتحدث عن "تفكيك البنية التحتية للإرهاب"، وهو ما يردده شارون يومياً منذ الآن، وأنه بدون ذلك لن تحدث أية انسحابات أخرى من مناطق الضفة الغربية، وقد يجعل ذلك شرطاً أساسياً لحل مسألة المعابر.
سوف يستمر شارون في تطبيق إستراتيجية الحصار والتضييق الاقتصادي والعسكري الصهيوني على قطاع غزة، وفي بناء الجدار العازل حول القدس، و الضفة الغربية، وفي تهميش السلطة الفلسطينية، ورفض التفاوض معها، ورفض تخفيف معاناة السكان الفلسطينيين، وربط تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، وحل المسائل العالقة، وتسهيل المرور والسفر، وإطلاق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بتحسن الوضع الأمني واستمرار الهدوء، أو ما يسمى باختبار الفلسطينيين.
أي أن هذا التضييق على سكان الضفة الغربية، مقروناً مع استمرار حصار قطاع غزة، موجه لخلق "حالة سخط داخلي شعبي ضد" السلطة "التي لا تستطيع ايجاد مخارج "، في مقابل الضغط على السلطة لنزع سلاح المقاومة والتلويح بأن هذا هو المخرج لإنهاء هذا التضييق المعيشي، لإيصال الوضع إلى حالة الصدام بين السلطة والمقاومة، أو الانفجار الداخلي ضد السلطة.
هل أن الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة كافٍ لوقف عمليات المقاومة العسكرية التي تشنها فصائل المقاومة الفلسطينية؟
على الرغم من أن غالبية الشعب الفلسطيني تعاني من الإنهاك والإعياء والجوع بعد انتفاضتين، إلا أن الفلسطينيين الآن يعطون الفرصة لـ "أبو مازن" لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، رغم أنهم لا يعتقدون كثيرا في جدوى هذه الفرصة، وليست لهم أوهام في هذا الشأن. ولكن إذا واصل شارون والقادة الصهاينة الآخرون سياسة تشجيع الاستيطان في شرقي القدس لتهويدها بالكامل، وابتلاع الضفة الغربية، فإن الوضع الفلسطيني مقبل على إنفجار كبير ، لجهة العودة إلى العمليات المسلحة أو اشتعال انتفاضة فلسطينية ثالثة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018