ارشيف من : 2005-2008

دعوات الزرقاوي تنقلب على مطلقها: مواقف شيعية وسنية موحدة حيال الإرهاب

دعوات الزرقاوي تنقلب على مطلقها: مواقف شيعية وسنية موحدة حيال الإرهاب

بغداد ـ عادل الجبوري‏

مهما قيل عن العمليات العسكرية الأخيرة للقوات العراقية والقوات المتعددة الجنسيات في مدينة تلعفر (600 كم شمال غرب بغداد)، وأياً تكن الرؤية تجاهها، فإنها على ما يبدو شكلت ضربة قاصمة لتنظيم الجهاد في بلاد الرافدين بزعامة الاردني أبي مصعب الزرقاوي، ونجحت في تفكيك وتدمير عدد غير قليل من خلاياه التنظيمية.‏

ولم يكن عسيراً على المراقب السياسي ان يشخص مدى قوة الضربة التي تعرض لها التنظيم في مدينة تلعفر، والتي ربما كانت أمضى من الضربة التي تعرض لها العام الماضي في مدينة الفلوجة (60 كم غرب بغداد).‏

وأبرز مؤشرين واضحين على حالة الارتباك والاضطراب في اوساط تنظيم الزرقاوي، هما العمليات الإرهابية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد يوم الأربعاء الماضي (14-9-2005)، وأودت بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء، خصوصاً في مدينة الكاظمية، عندما أقدم انتحاري على تفجير مركبة مفخخة في الساعة السابعة من صباح اليوم المذكور وسط حشد من عمال البناء.‏

والمؤشر الثاني هو بيان أبي مصعب الزرقاوي الذي أعلن فيه الحرب الشاملة على الشيعة وعلى كل من يشارك في العملية السياسية في العراق، سواء كانوا من الشيعة او من السنة او غيرهم، وألحقه ببيان توضيحي بعد أيام قلائل استثنى فيه السيد مقتدى الصدر والشيخ جواد الخالصي والسيد أحمد البغدادي الحسني وعموم العاملين في تياراتهم من بيانه الأولـ، الا اذا كانوا هم المبادرين بالاعتداء.. مع تأكيد استهداف ست شخصيات شيعية وكردية من بينها السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد، وإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الحالي وأحد أبرز قيادات حزب الدعوة الاسلامية، ومسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان، وجلال الطالباني رئيس الجمهورية وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، وأحمد الجلبي نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي، ورئيس الوزراء السابق إياد علاوي.‏

ويبدو ان الزرقاوي كان يهدف من خلال ما أقدم عليه بعد عمليات تلعفر، الى خلط الاوراق وإحداث شرخ شيعي ـ سني ضمن اطار الساحة العراقية. وما يعزز هذا الافتراض او الرؤية التحليلية، هو ان الزرقاوي برر عمليات الاربعاء الإرهابية في بغداد بأنها جاءت انتقاماً وثأراً لأبناء السنة من مدينة تلعفر، وأنه فيما بعد أراد ان يبعث برسالة الى السنة بأن الحرب تستهدف الشيعة فقط، والذين يتعاونون معهم ومع الاحتلال من السنة أنفسهم، وهو ما يعني محاولة لخلط الأوراق في اطار الوضع السني أيضاً، فضلاً عن خلط الاوراق بين السنة والشيعة. وفي مسعى لتوظيف جانب من الخلافات والاختلافات السياسية وما يرتبط بها من أحداث هنا وهناك بين تيارات وقوى شيعية، أقحم أسماء ثلاث شخصيات دينية لها حضور سياسي في الساحة، هي الصدر والخالص والبغدادي، من خلال استثنائهم من حربه الشاملة على الشيعة وكل من يساهم في العملية السياسية.‏

وما تجدر الاشارة اليه هنا هو ان تنظيم القاعدة في العراق أعلن قبل بضعة اسابيع عن تشكيل فيلق عمر لمواجهة منظمة بدر ـ الجناح العسكري السابق للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق.‏

ولكن حقائق الواقع وردود الأفعال أشارت الى معطيات ونتائج غير تلك التي أراد لها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ان تتحقق وتفرض نفسها على الارض.‏

ففضلاً عن الموقف الشيعي الرافض والمستنكر بشدة بمختلف مستوياته وعناوينه لدعوات زعيم التنظيم، باعتبار ان الهدف من وراء تلك الدعوات واضح الى حد كبير، ألا وهو اثارة النعرات الطائفية وجر البلاد الى حرب اهلية طائفية، فإن ردود الفعل من قبل الاوساط السياسية والدينية والشعبية السنية جاءت هي الاخرى رافضة ومستنكرة لدعوات الزرقاوي، وهو ما بدى واضحاً وجلياً من خلال تصريحات وبيانات صدرت عن جهات سنية لها ثقلها في الساحة، مثل الحزب الاسلامي العراقي وديوان الوقف السني.. حتى هيئة علماء المسلمين المعروفة بتشددها وحرصها على عدم توجيه أي نقد لتنظيم القاعدة وللزرقاوي على وجه الخصوص، أصدرت بياناً فيه نوع من الانتقاد الضمني. علماً بأن هذا البيان قوبل بانتقادات حادة ولاذعة من قبل اوساط ومحافل سياسية، لأنه تجنب الإدانة الواضحة والصريحة لإعلان الزرقاوي الحرب الشاملة على الشيعة، ولم يخرج عن نطاق الرجاء والتوسل للأخير بالتراجع عما أعلنه، على اعتبار ان الشيعة لا يتحملون تبعات سياسات الحكومة الطائفية الحالية الموالية للاحتلال.‏

ولكن يبقى التحول المهم في هذا السياق هو المواقف الرافضة لما أعلنه تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين من قبل جهات سنية عربية معروفة باتجاهاتها السلفية المتشددة وتأييدها المباشر او غير المباشر لما يسمى بالمقاومة في العراق. فمفتي الديار السعودية اعتبر ان دعوات الزرقاوي تهدف الى إشعال حرب طائفية بين المسلمين، ودعا الشيعة والسنة العراقيين الى تجنب الانجرار وراء اي حرب من هذا النوع.‏

وكذا الحال مع حزب جبهة العمل الاسلامي الاردنية ـ الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين ـ حيث انها نددت بشدة بإعلان الزرقاوي.‏

ومع ان هناك من يعتبر ان مواقف تلك الجهات تعكس حقيقة مواقف حكومات تلك البلدان، فإنها وإن كانت كذلك، فهي تبقى ذات دلالات ومعان مهمة ينبغي أخذها بنظر الاعتبار عندما يراد قراءة مجريات الامور قراءة موضوعية هادئة. وإذا قورنت بالمواقف الرسمية العربية الصامتة او الخجولة حيال كل ما يجري من ارهاب ضد المدنيين العراقيين، فإنها تعد خطوة متقدمة تجاه التعاطي الايجابي مع الواقع العراقي.‏

وإذا كانت الاستراتيجية الجديدة ـ القديمة لتنظيم الجهاد في بلاد الرافدين قد تكشفت بالكامل من دون اي لبس او غموض، فحينذاك يمكن القول ان تلك الاستراتيجية توفر اكبر خدمة لقوات الاحتلال في حال نجاحها في تحقيق أهدافها او حتى جزء منها، لأنه في الواقع كلما ازدادت حدة الاضطراب والفوضى في الشارع العراقي طال أمد الاحتلال وبرزت مبررات أكثر لبقائه، وستكون المكاسب السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للاحتلال اكبر اذا نجح الزرقاوي في استدراج العراقيين الى فخ الحرب الطائفية.. وهذا ما يبدو مستبعداً ان لم يكن مستحيلاً، خصوصاً ان العقلاء من كل مكونات المجتمع العراقي يدركون طبيعة ذلك الفخ. وإذا صح ما نُقل عن آية الله العظمى السيد علي السيستاني من انه "حتى لو قُتل نصف الشيعة فلن ننجر الى حرب طائفية"، يتضح مدى الفهم والإدراك الحقيقي لحجم المؤامرة.‏

2006-10-30