ارشيف من : 2005-2008

بوتين يلتقي بلير على هامش القمة الأوروبية - الروسية : الطاقة الروسية أداة تخشاها أوروبا

بوتين يلتقي بلير على هامش القمة الأوروبية - الروسية : الطاقة الروسية أداة تخشاها أوروبا

خاص ـ طه عبد الواحد‏

على هامش أعمال قمة الاتحاد الأوروبي، وفي الشق المُسمى منها قمة روسيا – الاتحاد الأوروبي، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء البريطاني توني بلير (لندن 4/10/2005). المواضيع التي بحثها الجانبان كثيرة وواسعة بدءاً من قضايا مستعصية في العلاقات الثنائية وصولاً إلى مسائل إقليمية ودولية،ولا يمكن القول أن القمة أسفرت عن نتائج ذات شأن وأهمية، فلأمر اقتصر على خطوات تهدئة رمزية قدمتها أوروبا لروسيا.‏

ففي شأن إقليم كاليننغراد قرر الجانبان تشكيل لجان لدراسة ما أطلقا عليه اسم (خارطة الطريق) كمشروع لحل الأزمة بين روسيا وجمهوريات البلطيق بهذا الخصوص. نذكر بأن الإقليم المذكور تابع لروسيا لكن أراضي جمهورية ليتوانيا البلطيقية تفصلها عن روسيا جغرافياً. وكانت ليتوانيا عضو الاتحاد الأوروبي قد ضيقت الخناق على المواطنين الروسي حين فرضت مختلف أشكال التأشيرات عليهم للعبور نحو المدن الروسية الأخرى، حتى أنهم قد منعوا أي جندي أو ضابط يؤدي الخدمة في كاليننغراد من العبور إلى روسيا لقضاء إجازته. واعتبرت روسيا أن هذه السياسة نحو الإقليم المذكور لا تعكس حقيقة الشراكة الأوروبية الروسية المعلنة، وسعت خلال السنوات الأخيرة إلى إيجاد حل جذري لها عبر أطر الاتحاد الأوروبي.‏

مسألة أخرى لا يمكن وصفها بالهامة أو ذات الأثر الكبير على العلاقات بين الطرفين هي مسألة تخفيف نظام التأشيرات للمواطنين الروس إجمالاً لسفرهم وتجوالهم في دول الاتحاد الأوروبي. في هذا الشق وافق الاتحاد الأوروبي على تسهيل منح التأشيرات لفئات معينة كخطوة أولية نحو إلغاء التأشيرات كلياً في السنوات اللاحقة، والفئات التي تشملها التسهيلات هي الطلبة والدبلوماسيون ورجال الأعمال. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الفئات تتمتع بتسهيلات واسعة منذ سنوات ويبدو أن الإعلان عن هذه التسهيلات ليس إلا إعلان سياسي يراد منه دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي قدّم جديداً في علاقاته مع روسيا.‏

وبعيداً عن هذه القضايا التي تُعتبر من الثانويات في الملف الأوروبي – الروسي، وفي أثرها على العلاقات بين الجارين، نتوقف عند تساؤل طرحه البعض حول العلاقة بين بوتين وشيراك، هل دخلت مرحلة فتور، ولماذا؟ وأسباب تركيز القيادة الروسية على عقد قمة مع توني بلير تحديداً؟ لماذا لم تأت وكالات الأنباء على ذكر أي شيء عن بوتين وشيراك؟ الإجابات على هذه الأسئلة لها خلفية تعيد إلى الموقف الروسي – الألماني – الفرنسي المشترك من الحرب على العراق، حين أعلنت الدول الثلاث عن رفضها للحرب الأميركية، وشكلت محوراً توقع البعض أن قد يكون نواة القوة العظمى الثانية التي طالما انتظرت شعوب العالم ظهورها. وحسب المحللين فإن سياسة شيراك في تلك المرحلة كانت قائمة على أساس رفض السياسة الأميركية ورفض مبدأ عالم أحادي القطب، مع السعي إلى تشكيل قرار أوروبي مستقل عن واشنطن. فشيراك كان من أول الداعين إلى تشكيل قوة تدخل سريع أوروبية مستقلة عن الناتو في إطار سعيه للاستقلال أوروبياً عن مركز القرار السياسي والعسكري الأميركي الذي يفرض هيمنته على القرار الأوروبي عبر الناتو.‏

ويبدو أن تعثر خطوات الوحدة الأوروبية عند التصويت على الدستور الأوروبي، إضافة إلى عوامل أخرى جعلت شيراك يتراجع عن تكتيكه تجاه العلاقة بواشنطن ليجعل من القرارات الفرنسية في أكثر من شأن تابعة للقرارات الأميركية، وفي بعض الحالات أصبحت الدبلوماسية الفرنسية أداة تنفذ رغبات الدبلوماسية الأميركية في أكثر من قضية دولية مثل الملف النووي الإيراني والضغوط الظالمة على سورية.‏

لقاء بوتين – بلير لم يكن لمجرد أن بريطانيا تترأس القمة الأوروبية الحالية، وحسب تصريح شخصية هامة من الكرملين لصحيفة (فريميا نوفوستي)، فإن ((موقف بلير الأكثر ثباتاً بين مواقف قادة الدول الكبرى في أوروبا،والشخصية الأكثر استقرار بين قادة الدول الأوروبية الكبرى)) لهذا، من وجهة نظر المراقبين، اختارت روسيا أن يكون البحث عن حلول للقضايا المستعصية والتنسيق في خطوات ذات صفة إقليمية ودولية مع زعيم لن تخشى موسكو من أن تتغير مواقفه خلال عام أقل من عامين.‏

من هنا جاءت النقاط التي بحثها الرئيس بوتين مع توني بلير لتعكس مدى أهمية اللقاء بواحد من أكثر قادة أوروبا ثباتاً، بغض النظر عن طبيعة هذا الثبات وميوله، إلا أنه يساعد روسيا على تحديد سياستها اتجاه أوروبا للمرحلة القادمة، التي يبدو أنها ستتصف بهيمنة أميركية على القرار الأوروبي. أما ما بحثه بوتين مع بلير فقد تركز على التعاون في مجال تزويد أوروبا بالطاقة الغازية والنفطية جزئياُ. تصريحات الزعيمين في هذا الشأن جاءت دبلوماسية بصيغتها حيث النفي هنا يعني التأكيد.‏

الجدير بالذكر أن أوروبا تدق منذ فترة نواقيس الخطر خشية وقوعها أسيرة مصادر الطاقة الروسية الأمر الذي لا بد وأن يجر معه الكثير من التغيرات في طبيعة العلاقة الإقليمية بين أوروبا وروسيا وفي حجم أوروبا كقوة لها صولة وجولة في السياسة الدولية. الرئيس بوتين رفض الموافقة على هذه المخاوف وقال: ((الشائعات حول فقدان أوروبا لاستقلالها الطاقي مضخمة جداً)) أما توني بلير فقد أدلى بما لديه في هذا الشأن وقال: (( لن يكون أحد واقع تحت نفوذ الآخر، لا نحن أمام روسيا، ولا روسيا أمامنا. الأمر ببساطة يقوم على المصالح المتبادلة)).‏

المتتبعين للعلاقات الاقتصادية الروسية – الأوروبية وتحديداُ تصدير روسيا الطاقة لأوروبا يقرؤون في جوهر هذه التصريحات تأكيد ضمني على مدى تأثير مصادر الطاقة الروسية على الوضع في أوروبا، والدور الذي قد يكون للطاقة الروسية في علاقاتها مع الأوروبيين. ويكفي التذكير بأن الاتفاقية التي وقعها بوتين مع المستشار الألماني شرويدر قبل الانتخابات الألمانية أصبحت اليوم محوراً رئيسياً تتشكل حوله التكتلات الاقتصادية الأوروبية وتبني دول أوروبا الآمال عليه في ضمان أمنها الطاقي.‏

محللون استراتيجيون يعتقدون أن السنوات العشر القادمة قد تحمل مستجدات في العلاقات الأوروبية – الروسية، سيكون لها أثرها السلبي على أهمي دور واشنطن في القارة الأوروبية وهيمنتها هناك. ويحيل هؤلاء المحللين هذه المستجدات لانتخابات عام 2008 في روسيا وقدرة الرئيس القادم خلفاً لبوتين على لعب ورقة الطاقة الروسية لأوروبا بصورة تتناسب مع سياسة روسيا الخارجية وحجمها الإقليمي والدولي.‏

2006-10-30