ارشيف من : 2005-2008

ضغوط موجات الهجرة على أبواب إسبانيا

ضغوط موجات الهجرة على أبواب إسبانيا

توفيق المديني‏

يتحدث الإسبان هذه الأيام عن "جرف ثلجي" حقيقي. هذا ماحصل يوم الخميس 29 أيلول/سبتمبر الماضي ، حين حاول أكثر من 500 مهاجر غير شرعي، يتحدرون في معظمهم من أصول إفريقية، إقتحام السياج الأمني الذي وضعته السلطات الاسبانية حول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال المغرب. وخلال محاولتهم هذا ، اشتبك المهاجرون غير الشرعيين بقوات الحرس المدني الإسباني المكلفة بمراقبة الحدود الإسبانية المغربية، في مواجهة وصفت بالعنيفة جدا، وتمكن مئة منهم من دخول المدينة، ما شجع مجموعة ثانية ضمت حوالي ألف مهاجر من معاودة محاولة الاقتحام، ونجح 200 منهم في التسلل بقوة، وجرح مئة وثلاثين آخرين، بينما لقي خمسة أشخاص حتفهم، إثنان من الجانب الإسباني، وثلاثة من الجانب المغربي. وفتحت السلطات المغربية والاسبانية تحقيقات في الموضوع.‏

ليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الإقتحام الجماعي من جانب المهاجرين. فقد أحصت الحكومة الإسبانية تسع محاولات إقتحام منذ نهاية شهر آب/أغسطس الماضي. وتعود وقائع محاولات اقتحام السياج الأمني في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلة الى الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، حين أفشلت قوات الحرس المدني محاولة اقتحام نفذها حوالي 250 مهاجراً من جنوب الصحراء، ما أدى الى اعتقال 87 منهم على يد قوات الدرك على الجانب المغربي. وفي السادس والعشرين من آب/اغسطس الماضي اتفق مهاجرون على استخدام ما اطلقوا عليه "ماراثون الدخول" عبر استخدامهم سلالم للقفز فوق السياج، إذ تمكن حوالي عشرة مهاجرين من التسلل الى مليلية. وعاودت أفواج المهاجرين المحاولة في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، ونجح 80 منهم في التسلل، بينما لقي مهاجر يتحدر من أصول كاميرونية مصرعه إثر تدافع قوي بين المهاجرين.‏

وفي الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي حاول مهاجرون أفارقة القفز على السياج الأمني على رغم ارتفاعه، واصيب 12 منهم بجروح متفاوتة.‏

وتعتبر مدينتي سبته ومليلة المغربيتين المحتلتين من إسبانيا، والواقعتين على الشاطئ الشمالي في المغرب، منطقتين تسهلان أعمال التهريب الناشطة، كون المغاربة يمكنهم الدخول اليهما بواسطة بطاقة الهوية فقط. ففي سبته يسجل يومياً عبور 25000 شخص من المهربين، ولذلك تحاول سبته أن تقيم سياج حماية على حدودها من خلال ستار حديدي مشبك ومكهرب. غير أن مراكز الحراسة تواجه ضغطاً كبيراً من المهاجرين، وخصوصاً من الأولاد الذين يرد منهم الألوف سنوياً.‏

وترى السلطات الاسبانية أن المهاجرين يأتون من كل أرجاء القارة الافريقية (وحتى من الشرق الأوسط وآسيا)، لكن دوائر الشرطة الاسبانية تؤكد أن 80 في المئة من المهاجرين هم من المغاربة. وفي كل حال، أصبح المهاجرون الأفارقة وجهاً مألوفاً في المشهد المغربي (في طنجة والرباط)، بالرغم من ظروف الحياة المأساوية. فهم يفدون من الجزائر عبر الصحراء فيتولى أمرهم عملاء النقل الذين يوجهونهم نحو تطوان أو الناظور حيث يؤوونهم موقتاً في انتظار العبور، وما يحدث هو أنهم يعادون أحياناً الى الجزائر بدون أي اجراء أو معونة، والأكثر من ذلك جماعات جماعات، وهذا ما يناقض جميع الاتفاقات الدولية. وأخيراً، أخلي مخيم للمهاجرين في الجانب الجزائري من 10000 مهاجر كما ان هناك الألوف منهم محتجزون في مراكز الحراسة الاسبانية.‏

ولمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، أرسل رئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيز زاباتيرو 500 جندي من جيش "الأرض" لتعزيز قوات الحرس المدني في مدينتي سبته ومليلة. وقد أثار هذا القرار قلق المنظمات غير الحكومية التي تساعد المهاجرين على تسوية اوضاعهم. و بالمقابل شنت المعارضة الإسبانية هجوما عنيفا على سياسة الهجرة التي تنتهجها السلطات الإسبانية. فقد اتهم زعيم المعارضة اليمينية ماريانو راجوي رئيس الحكومة الإسبانية زاباتيرو، بأنه "تصرف بطريقة لامسؤولة"، خاصة عندما عندما استفاد 700000 مهاجر غير شرعي، من تسوية أوضاعهم بصورة قانونيةخلال هذه السنة ، مظهرا بذلك الضعف أمام المغرب.‏

إن الاختلاف في معدل النمو والثروة والسكان على ضفتي المتوسط، كبير الى درجة أنه لا يساعد في تخفيف الضغط. فمنطقة كوستا دل سول الغنية تقع في مواجهة الريف اليائس، كما يتبين من إهمال منطقة قطامة التي تركت لزراعة وحيدة هي زراعة الحشيشة.‏

ويساعد الاتحاد الأوروبي اسبانيا مالياً كي تواجه هذا التدفق الهائل من المهاجرين غير الشرعيين، ولدى اعتقالها المتسللين، تسلمهم السلطات الاسبانية الى المغرب مطالبة إياه في المقابل بـ300 يورو عن الشخص الواحد، وهذا الوضع هو ما يؤلم المغرب الذي يحتج مبدياً حسن نيته وتعاونه آسفاً لأنه لا يحظى بمساعدة أوروبية.‏

وقد مر الاقتصاد المغربي، بعد ثلاث سنوات من الجفاف (1998 ــ2002 ) في مأزق صعب جداً، فاذا 20 %من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع (أقل من دولار يومياً). وقد تبين بعض الاحصاءات الاسبانية أن 70 % من المهاجرين السريين هم من العاطلين عن العمل، الا أنه يمكن اكتشاف شريحة من المجازين بينهم (محامون وأطباء...) ممن استنفدوا جميع الوسائل الشرعية للهجرة فلجأوا الى مجازفة العبور...‏

وتعتبر البلدان المغاربية أن مكافحة الهجرة غير الشرعية يجب أن تتم في إطار«مقاربة اقليمية تتجاوز الجانب الأمني»، متمنية على الاتحاد الأوروبي أن يتبنى «خطة مارشال حقيقية لفائدة دول افريقيا جنوب الصحراء لحل اشكالات الهجرة». والحال هذا أقر وزراء داخلية بلدان غرب المتوسط خطة لمواجهة الهجرة غير الشرعية .وقالت مصادر رسمية إن الاجتماع، الذي استضافته الرباط في حضور مسؤولين من قطاعات الداخلية في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ونظرائهم في اسبانيا وفرنسا وايطاليا والبرتغال ومالطا، أقر «وثيقة الرباط» التي دعت الى «البحث عن حلول متوازنة للهجرة غير الشرعية تضع في الاعتبار دعم مجهودات الوقاية والتصدي التي وافقت عليها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من افريقيا جنوب الصحراء». كما ركزت الوثيقة على محاربة الجريمة الالكترونية وانتشار المخدرات والإرهاب، وأوصت بتشجيع الاتفاقات حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وتعزيز الرقابة على الحدود.‏

2006-10-30