ارشيف من : 2005-2008
التراجع الأمريكي عن قيام الدولة الفلسطينية
توفيق المديني
قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة الى واشنطن بعد الانسحاب الصهيوني شبه الشامل من قطاع غزة، يحدوه الأمل أن تضغط الإدارة الأمريكية على الكيان الصهيوني لتحقيق المطالب الفلسطينية المتمثلة في الانسحاب الصهيوني الشامل من القطاع وتحرير معابره ووضعها تحت السيطرة الفلسطينية التامة، اضافة للعودة الى طاولة المفاوضات وفق أجندة خطة "خريطة الطريق الأميركية" التي عطلتها وما زالت حكومة شارون.
بيد أن الرئيس الاميركي جورج بوش، وبعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) في البيت الابيض أقر، أن تعهده بإقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية في كانون الثاني 2009، لن يتحقق، داعيا ابو مازن الى ضرب فصائل المقاومة التي وصفها بأنها "عصابات مسلحة"، ومكررا مطالبته المبهمة اسرائيل بـ"وقف التوسع الاستيطاني"، متجنبا الدعوة الى منع حركة حماس من المشاركة في الانتخابات التشريعية.
ورأى بوش ان الانسحاب الصهيوني من غزة وفر "فرصة نادرة لإحراز تقدم في العملية السياسية بين الجانبين". وقال "الطريق الى الامام يجب ان يبدأ بمواجهة التهديد الذي تمثله عصابات مسلحة لفلسطين ديموقراطية حقا. وفي الاجل القصير، يجب على السلطة الفلسطينية ان تكسب ثقة جيرانها برفض الارهاب ومكافحته".
وبالتزامن مع لقاء القمة الذي ضمّ الرئيس الاميركي جورج بوش والرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الابيض، أعلن الكيان الصهيوني أنه لن يبدأ البناء في منطقة A1 في الضفة الغربية الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه ادوميم" والبالغة مساحتها نحو 100 كيلومتر مربع، بل سينفذ المخطط في المستقبل على رغم معارضة الولايات المتحدة.ويذكر ان المخطط الصهيوني يقضي ببناء ما بين 3500 و4000 وحدة سكنية تهدف الى ربط مستوطنة معاليه ادوميم والقدس الشرقية التي احتلها الكيان في حرب حزيران 1967. وفي حال تنفيذ المخطط، سيقضي على فرص اقامة دولة فلسطينية متصلة في الضفة الغربية، لان المشروع يقسم الضفة شطرين.
وكان الرئيس بوش قد دعا في 24 حزيران/يونيو 2002 في خطابه عن السلام في الشرق الأوسط إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، و ذلك وفقا لخطة "خريطة الطريق " التي أعدتها اللجنة الرباعية و تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اعتبرت السلطة الفلسطينية و معظم الدول العربية هذا الموقف الأمريكي "تاريخيا" لأنه يشكل اختراقا دبلوماسيا كبيرا، علما أن موقف بوش المذكور لم يتضمن أية إشارة لقرارات الأمم المتحدة ، و لا يعدو كونه محاولة لإشغال الرأي العام العالمي عن المجازر الوحشية التي يرتكبها الإرهابي شارون في فلسطين المحتلة .
ليس من شك أن هناك خلفيات تقف وراء موقف بوش ، خصوصا موقف الولايات المتحدة الأميركية من الصراع العربي ـ الصهيوني عامة، و إعلان الدولة الفلسطينية خاصة . فالإدارة الأميركية بزعامة جورج بوش الابن أدارت ظهرها للصراع العربي ـ الصهيوني منذ توليها قيادة الأمور في واشنطن ، لكن أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي عصفت بالولايات المتحدة جعلت الرئيس بوش يتحدث و بغموض شديد عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة, وهو ما أثار دهشة المحللين فتعددت تفسيراتهم و تأويلاتهم و أحكامهم حول المبادرة التي أطلقها بوش..
وكانت رؤية بوش غير محددة لإقامة دولة فلسطينية ، حين دعا إلى وقف ما أسماه أعمال العنف، من دون أن يحمل الكيان الصهيوني مسؤولية ما يرتكبه من مجازر وحشية بحق الشعب الفلسطيني، و من دون أية إشارة عن ماهية هذه الدولة وشكلها وحدودها وسيادتها ، فضلا عن تجاهله للقضايا الجوهرية للقضية الفلسطينية كقضيتي القدس وعودة اللاجئين .
ضمن سياق المخطط الأميركي – الصهيوني ، لم يكن موقف بوش سوى حلقة جديدة في ترتيبات الاستراتيجية الأميركية لما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر ، أي خوض الحرب الإستباقية ضد العراق.
ثم إن رؤية لحل قضية الشرق الأوسط عبر خلق " دولتين "إسرائيلية" و فلسطينية ، تعيشان جنبا إلى جنب ، ضمن حدود آمنة و معترف بها "، ليست جديدة ، إذ اقترحتها لأول مرة لجنة بيل عام 1937 التي جاءت لتحقق في الأسباب التي قادت إلى اندلاع ثورة 1936 في فلسطين ، إذ أصبح قرار تقسيمها بعد عشر سنوات من ذاك التاريخ قانونا دوليا من خلال القرار الذي أصدره مجلس الأمن 181 في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بأغلبية الثلثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة . وقد اعتبر القرار 181 في حينه ( قرار التقسيم قرارا صالحا لحل الصراع العربي – الصهيوني ).
وهكذا ، فان القيادة الفلسطينية التي تؤمن بالمعادلات الدولية أساساً ، وتراهن على أن تأتي لها المعادلات الدولية بحل قد تبخرت آمالها مؤخراً ، لأن الدولة الفلسطينية التي يريدها بوش و شارون لا تعدو أن تكون سوى " دولة الحكم الذاتي " في قطاع غزة . و إذا قامت هذه الدولة الفلسطينية في غزة فهي لا تستند إلى أي من القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية ، ولا الى مرجعية مدريد ، ولا الى المرجعية النضالية ، لأن "مرجعية أوسلو" لا يمكن أن يتمخض عنها دولة ذات سيادة . وأية دولة بلا سيطرة فعلية على الأرض ، وبلا سيادة ، هي أشبه بـ"بنتوستات" داخل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين .
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018