ارشيف من : 2005-2008

العراق في اجتماع القاهرة: بين الساعين لتوسيع جبهة مواجهة الإرهاب والباحثين عن تأثير سياسي اكبر

العراق في اجتماع القاهرة: بين الساعين لتوسيع جبهة مواجهة  الإرهاب والباحثين عن تأثير سياسي اكبر

بغداد ـ عادل الجبوري‏

مع ان جامعة الدول العربية نجحت في اقناع الفرقاء السياسيين العراقيين بالالتئام والجلوس حول طاولة واحدة او تحت سقف واحد في مقرها العام في العاصمة المصرية القاهرة، الا ان تلك الخطوة لا يمكن ان تكون بأي حال من الاحوال مقياسا او مؤشرا الى ان الدور العربي في العراق من خلال الجامعة سيصبح فاعلا ومؤثرا بعد ان بقي طيلة اكثر من عامين غائبا او مغيبا او هامشيا. وفي الوقت ذاته فإنه من الخطأ القول ان الجامعة لم تعد النظر حتى الآن في طبيعة وطريقة تعاطيها مع الشأن العراقي. وحينما نقول جامعة الدول العربية فذلك يعني بالدرجة الاساس الاطراف العربية الفاعلة كالقاهرة والرياض.‏

ولا شك في ان مؤتمر الحوار الوطني يفترض ان يشكل فرصة مناسبة لفتح الكثير من الملفات على مصراعيها وبقدر كبير من الصراحة والشفافية التي قد تتسبب بحجب جانب من الوقائع عن وسائل الاعلام والشارعين العربي والعراقي على حد سواء.‏

فالحضور على الصعيد العراقي يشمل شخصيات سياسية تمثل بمجموعها العام مختلف مكونات الطيف السياسي والمذهبي والقومي للمجتمع العراقي. وفضلاً عن ذلك أغلب تلك الشخصيات تشغل مواقع مهمة، سواء في اطار الكيانات السياسية التي تمثلها او ضمن مجمل المشهد السياسي العراقي.‏

وهذا الحضور في ظل أجواء ومناخات مختلفة عن أجواء ومناخات العاصمة العراقية بهذه الصورة او تلك، قد يتيح البحث والنقاش في قضايا شائكة ومعقدة بعيدا الى حد ما عن الانفعال والتشنج والتطرف.‏

وما يساعد في ذلك هو ان هناك حضورا عربيا مهما يعتد به من الناحية النوعية، فإذا لم يحضر المؤتمر زعماء دول عربية، فسوف يحضره ممثلون او مندوبون خاصون عنهم هناك، هذا الى جانب عدد من وزراء خارجية وسياسيين ودبلوماسيين رفيعي المستوى. ويضاف الى ذلك كله أنه من المقرر ان يشهد المؤتمر حضورا دوليا مهما من منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولسوف يضفي أهمية اكبر على وقائعه وربما نتائجه ايضا.‏

وإذا كان البعض في بغداد وعواصم عربية اخرى ينظر الى الاجتماع التمهيدي لمؤتمر الحوار الوطني العراقي في القاهرة على انه تظاهرة سياسية دولية لتفعيل الدور العربي حيال العراق، ومد جسور الثقة بين العراقيين من جهة والعرب من جهة اخرى بما ينسجم مع معطيات وحقائق ومقتضيات الواقع الجديد.. اذا كانت هذه النظرة هي السائدة في أوساط ومحافل سياسية عديدة، فإنها قد تكون صحيحة وواقعية الى حد كبير، لا سيما انه من الواضح ووفق معلومات من مصادر شتى، ان مبادرة جامعة الدول العربية التي تبناها مباشرة أمينها العام عمرو موسى عندما زار العراق أواخر شهر تشرين الاول/ أكتوبر الماضي والتقى بممثلي كل مكونات الواقع السياسي العراقي وسمع كلاما كثيرا وأسمع الآخرين كلاما أكثر، جاءت نتاج تنسيق عربي ـ دولي، وتحديدا بين الاطراف العربية صاحبة الثقل السياسي الأكبر من جهة وواشنطن ولندن من جهة ثانية.‏

ولعل الاستقطابات السياسية في الساحة العراقية التي بدت واضحة من خلال المواقف المتباينة في التفاصيل والجزئيات ازاء مبادرة جامعة الدول العربية، لا بد من ان تلقي بظلالها على أجواء اجتماع القاهرة التمهيدي.‏

فهناك اطراف سياسية تمثل الاتجاه الغالب ترى ان الخطر الاكبر الذي يواجه العراق والذي من الممكن جدا ان يمتد الى جيرانه، هو الإرهاب، وأنه من دون تبني مواقف نظرية وعملية منسجمة ومتوافقة حيال التعامل معه عراقيا وعربيا وإقليميا ودوليا فإن أي حديث آخر قد لا يؤتي النتائج المرجوّة.‏

في حين ان هناك اطرافا سياسية اخرى تمثل الاتجاه الآخر لا تبدي شعورا كبيرا بالقلق من موضوع الإرهاب، بقدر قلقها من تعرضها للتهميش والتغييب في الواقع الجديد، وهي تتطلع الى ان تتبنى جامعة الدول العربية مواقف حازمة من شأنها اعادة التوازن للمعادلة التي ترى تلك الاطراف انها اختلت لمصلحة مكون سياسي واجتماعي معين على حساب مكون سياسي واجتماعي آخر.‏

وقد يكون من الصعب الى حد كبير على جامعة الدول العربية او أي طرف آخر التقريب بين مطالب واستحقاقات قد تكون متقاطعة بالكامل، ناهيك عن ان حالة عدم الثقة والتوجس والشك بين الاتجاهين لا يمكن تذويبها الا بفعل عوامل ومبادرات داخلية.. وإذا كانت هناك مبادرات خارجية فإنها لا تتعدى كونها عوامل دفعة مساعدة ليس الا.‏

وإذا كانت معظم الاطراف العربية قد تعاملت طيلة العامين الماضيين مع الإرهاب المستفحل في العراق على انه مقاومة وطنية ضد الاحتلال، غاضة الطرف عما سببته تلك "المقاومة الوطنية" وما زالت تسببه من كوارث انسانية حينما تستهدف المدنيين الابرياء والمنشآت الحيوية في البلاد، فإنها ـ أي معظم الاطراف العربية ـ بعد تفجيرات العاصمة الأردنية مطلع هذا الاسبوع وما سببته من صدمة عنيفة على الصعيدين الرسمي والشعبي العربي، وجدت نفسها ملزمة بتبني موقف جديد وخطاب آخر ورؤية مختلفة لما يجري في العراق، سيما ان الجهة المسؤولة عن الإرهاب في العراق تبنت تفجيرات الفنادق الثلاثة في عمان.‏

وطبيعي ان ما حصل في الأردن سيفرض نفسه على أجواء اجتماع القاهرة، وسيجد الساعون الى توسيع جبهة مواجهة الإرهاب الفرصة سانحة لطرح ملف الإرهاب كملف دولي وعربي وإقليمي خطير.. وفي الوقت ذاته قد يكون الباحثون عن دعم سياسي من جامعة الدول العربية للعب دور سياسي اكبر في الساحة العراقية، ملزمين بطرح مواقف واضحة بما فيه الكفاية من موضوع الإرهاب، ومن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وزعيمه "أبو مصعب الزرقاوي".‏

تبقى الإشارة المهمة هي ان نجاح الاجتماع التمهيدي يعد نجاحا لمشروع المبادرة والعكس صحيح.. ولكن يبقى معيار النجاح مختلفا من وجهة نظر هذا الطرف عن ذاك.‏

2006-10-30