ارشيف من : 2005-2008
العلاقة بين رحيل الجنرال بلخير وتدعيم سلطة بوتفليقة
توفيق المديني
في الجزائر، كثر الحديث هذه الأيام عن الجنرال العربي بلخير الذي كان يشغل مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، و الذي عينه مؤخرا سفيرا مفوضا فوق العادة، بالمغرب. وكان بيان وزارة الخارجية الذي صدر في 23 آب/أغسطس الماضي، أكد صحة الخبر، بيد أن الصحافة الجزائرية استمرت في الإعتقاد أن "الموجه الخفي للسياسة"الجزائرية ، ليست له النية لقبول هذا التعيين الجديد.
غير أن الجنرال بلخيرالذي كان في زيارة خاصة لباريس لإجراء بعض الفحوصات الطبية، خرج عن صمته وأكد في حوار نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية الاسبوع الماضي ، أنه قبل " المهمة " التي كلف بها، موضحا أنه سيلتحق بالرباط ربما في شهر تشرين الاول/أكتوبر المقبل.
وأضاف بلخير ساخرا: "لقد زعم البعض أنني رفضت المنصب الجديد. وأكد البعض الآخر أنني صفقت الباب. و نصحني آخرون بعدم مغادرة الجزائر باعتباري عنصر إستقرار في البلاد، أما الحقيقة فهي أن الرباط منصب حساس (...)، ولدينا إحساس بذلك من الجانبين الجزائري والمغربي. إن أولويتي ستكون إقامة علاقات مع المغرب مبنية على الثقة، وإرساء حوار حقيقي بين البلدين. لقد ظلت علاقاتنا تمر بمراحل صعود و هبوط منذ وقت طويل. بيد أن المغرب جارنا وسيظل كذلك، وبالتالي نحن محكومون بالتفاهم ".
وكان عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، قال أن اختيار الجنرال العربي بلخير في منصب سفير فوق العادة بالمغرب" ليس له دلالة أخرى غير رغبة بوتفليقة في تمتين العلاقة مع المغرب".
وأضاف مشيدا بالثقة التي يضعها بوتفليقة في بلخير: "عندما اختار مدير ديوانه سفيرا لدى المغرب فإنه يريد من وراء ذلك أن يكون على إتصال مباشر بينه وبين سفيره الجديد، سعيا لتمتين الروابط بين البلدين". ومن المعروف عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تفضيله ترديد الجملة التالية كلما سئل عن علاقات الجزائر مع دول الجوار ومع البلدان التي تربطها علاقات متميزة: "العلاقات مع المغرب و مع فرنسا تدخل ضمن صلاحياتي فأنا من يصنعها ويحددها ولا أحد غيري".
إن إحدى المهمات الرئيسة لممثل الجزائر الجديد في الرباط ستكون إعادة فتح الحدود الجزائرية – المغربية المغلقة منذ الاعتداء الذي حصل على أحد فنادق مراكش في 27آب/أغسطس 1994، عندما بادر المغرب بفرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين. وكان رد الجزائر هو تطبيق الإجراء الممائل بل إقفال الحدود البرية بين البلدين.أما قضية الصحراء الغربية ، فستظل من "صلاحيات الأمم المتحدة" حسب تأكيد بلخير متمترسا بذلك خلف الموقف التقليدي للجزائر.ودرجت السلطات الجزائرية ، على التأكيد عدم الخلط بين العلاقات الثنائية التي ترغب في توطيدها مع المغرب و بين القضايا التي تبقى صلاحياتها في أيدي الأمم المتحدة خاصة فيما يتعلق بالملف الصحراوي.
يبلغ الجنرال العربي بلخير من العمر 67 سنة، إنه " كاردينال فرندة" (الإسم مشتق من منطقة قريبة من تيارت، وهي مدينة تقع في الغرب الجزائري، ويتحدر منها بلخير). و يلقب بلخيرمن قبل الفرنسيين بـ" شامبيلان الكبير، حاجب الملك أوالرئيس" أو أيضا " العراب"، في حين يلقبه الجزائريون بـ "صانع رؤساء الجزائر" باعتباره يمثل أحد ركائز النظام الجزائري.إذ كان أحد المستشارين للرئيس السابق الشاذلي بن جديد، و مدير ديوانه. فرجل الظل هذا، اللطيف دائما، استلم منصب وزير الداخلية إبان الصعود المدوي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في حزيران/يونيو 1991، و اشرف على تنظيم الإنتخابات التشريعية في ديسمبر من السنه عينها، و هو الذي أعلن في مساء إنتهاء الدورة الأولى عن فوز الإسلاميين الكاسح فيها.
و ينتمي العربي بلخير إلى مجموعة الجنرالات "الينايريين" ، الذين قرروا، في كانون الثاني/يناير 1992، بعد ما أجبروا الرئيس السابق الشاذلي بن جديد على الإستقالة، إلغاء المسار الإنتخابي، حارمين بذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ من إنتصارها التاريخي في الإنتخابات ، و بالتالي وصولها إلى السلطة. وبعد ذلك دخلت الجزائر في أتون حرب أهلية مدمرة دامت أكثر من عشر سنوات، وذهب ضحيتها ما يقارب 200000 قتيلا.
وبعد إغتيال الرئيس محمد بوضياف في حزيران/يونيو 1992، و هو أحد القادة التاريخيين للثورة الجزائرية الذين استقدموه الجنرالات من المغرب لكي يتسلم السلطة الرئاسية داخل المجلس الأعلى للدولة، تخلى العربي بلخير عن وظائفه العامة. وبحكم تقاعده من الجيش دخل عالم المال والأعمال. إنه رسميا بعيد عن السلطة، لكنه ظل وزنه قويا، إذ لعب دورا بارزا في إقناع رفاقه السابقين في الجيش بالإتيان بعبد العزيز بوتفليقة مرشحا للرئاسة في ربيع سنة 1999.
وعاد الجنرال العربي بلخير إلى الرئاسة في السنة التالية، مديرا لديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. و لما كانت تجربة التعايش بين الرئيس الجديد "والمقررين" داخل الجيش، يشوبها التوتر، بسبب تنازع الصلاحيات، لعب بلخير دور الوسيط . ويقول عنه مراقب غربي للحياة السياسية الجزائرية : "إنه رجل التوافق، قادر على تجرع الإهانات، من دون إحداث ردات فعل. لقد خدم دائما كعازل للصدمات، حتى في عهد الشاذلي بن جديد ".
لقد استقبلت الرباط تعيين السفير الجزائري الجديد العربي بلخير، المدافع بقناعة عن تطبيع العلاقات الجزائرية – المغربية بتفاؤل كبير، إذ قال عنه وزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل أن تعيين السفير الجزائري الجديد بالرباط، العربي بلخير، قد يكون "علامة خير"، بالنظر إلى معرفة هذا الأخير بملف الصحراء، وقربه من الرئيس الجزائري، وكذا لصداقاته بالمغرب.
ومع كل ذلك، فإن المحللين للشؤون الجزائرية يعتبرون أن الوظيفة الجديدة للعربي بلخيرهي بمنزلة الإبعاد، حتى وإن كان صاحب العلاقة يرفض التسليم بها.و من الواضح أن مهمة هذا الرجل صاحب الشبكات والعلاقات قد انتهت. فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ولايته الثانية أحال العديد من الجنرالات على التقاعد، وخرج منتصرا شعبيا و حزبيا بعد الأزمة مع علي بن فليس داخل حزب جبهة التحرير الوطني. و قد وسع من دائرة سلطته، بعد أن قدم الجنرال محمد العماري إستقالته السنة الماضية، إذ لم يبق من الجنرالات " الينايريين" سوى ثلاثة هم:عبد المالك غنايزية، الوزير المفوض للدفاع الوطني (رئيس الدولة هو الذي يتولى منصب وزير الدفاع ) وتوفيق مديان، وإسماعيل العمايري ، اللذين يشغلان رئيسين في أجهزة الإستخبارت الجزائرية.
إن رحيل بلخير يعني أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بات يشعر أنه يمسك بكامل السلطة في الجزائر، ولم يعد في حاجة إلى وسيط مع الجيش، وأصبح يمتلك القدرة على إزاحة أي عسكري يقاوم أويهدد بخلق مشاكل له. وبعد هذه الخدمة الطويلة، فإن زوال الحظوة التي كان يتمتع بها بلخير لدى الرئيس بوتفليقة ترافقت مع الإحتفاظ له بمخرج أكثر من مشرف.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018