ارشيف من : 2005-2008
حملات التصعيد ضد طهران : توقيت.. واهداف محسوبة
بغداد - الانتقاد
عندما سئل وزير الداخلية العراقية باقر جبر صولاغ من قبل محاوره في قناة الجزيرة الفضائية القطرية مساء يوم الاربعاء الماضي في برنامج "لقاء خاص" عن التدخل الايراني في العراق رد بجواب قريب الى الواقعية الى حد كبير ، اذ قال ما معناه "ان وجود افراد وجماعات يمارسون نشاطات مخابراتية تجسسية امر طبيعي لان العراق بسبب طبيعة الاحداث والوقائع التي شهدها بات بلدا متاحا لاي طرف لان يدخل اليه حتى من مجاهل افريقيا ، وان لدينا معلومات ووثائق عن اختراقات مخابراتية لدول قد لا تخطر على البال".
اجابة الوزير العراقي الذي هو بلا شك غير بعيد عن كثير من الاسرار والخفايا المتعلقة بشؤون الامن والمخابرات والتجسس تقر بواقع لا يمكن بأي حال من الاحوال انكاره او تغافله او تبريره ، لكنها في ذات الوقت تؤشر الى حقيقة مهمة وخطيرة وحساسة وان لم يشر اليها صراحة، تتمثل في الاهداف والابعاد والحسابات السياسية وراء التصعيد الكبير ضد ايران من قبل اطراف عراقية وغير عراقية على خلفية المواجهات التي شهدتها محافظة البصرة (جنوب العراق) منتصف الشهر الماضي بين القوات البريطانية وجماعات من ابناء المحافظة.
ولعل التصعيد انطلق هذه المرة من لندن قبل غيرها لاسباب ومبررات ودوافع بدت واضحة على الارض الى حد ما، فالقوات البريطانية التي قامت بتدمير مركز شرطة البصرة بالكامل والتسبب بقتل عدد من الاشخاص واطلاق سراح مائة وخمسين شخصا من المجرمين من اجل تحرير اثنين من البريطانيين من عناصر الاستخبارات التابعة لجهاز(SAS) قامت ميليشيات عراقية مسلحة بأعتقالهم للاشتباه بقيامهم بأعمال ـ بدت ـ تجسسية بعد ارتدائهم ملابس شعبية عربية.
وهنا فأن الطريقة الاستفزازية التي عالجت بها بريطانيا الموقف اثارت حفيظة اوساط سياسية وشعبية في البصرة، ولان التيار الاسلامي يمتلك الثقل الاكبر هناك، وهو مرتبط بعلاقات تأريخية مع ايران ارتباطا بظروف وعوامل سياسية وربما مذهبية وطائفية، وهو الذي تبنى ردود الفعل القوية ضد القوات البريطانية في المحافظة فإن لندن ارادت ان تخلط الاوراق وتلقي بالكرة في ملعب الطرف الاخر لذا شرعت بشن حملة تصعيدية ضد طهران محورها الاساس هو وجود تسلل ايراني واسع وكبير الى العراق ، ونقل كميات كبيرة من الاسلحة الى جماعات مسلحة للقيام بعمليات مسلحة ضد القوات المتعددة الجنسيات في العراق، ولم تقتصر الحملة التصعيدية على المنابر السياسية ووسائل الاعلام البريطانية فحسب، بل انها امتدت الى ما هو اوسع من ذلك.
ووجدت اوساطا سياسية عراقية في ذلك فرصة سانحة لتشن هجمات اعلامية حادة على قوى سياسية تتهم بكونها تابعة او عملية لايران. هذا الى جانب ان فتح ملف الفساد الاداري على مصراعيه وتوجيه اتهامات واضحة لوزير الدفاع السابق حازم الشعلان بسوء الادارة من قبل رئيس لجنة النزاهة في الجمعية الوطنية العراقية هادي العامري الذي يشغل منصب الامين العام لمنظمة "بدر"، هذا الامر دفع بالشعلان الى تكرار اتهاماته السابقة لايران ولبعض من التيارات السياسية الشيعية حينما كان على رأس وزارة الدفاع.
وما ساهم في خلط الاوراق بصورة اكبر التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قبل حوالي اسبوعين من الولايات المتحدة الاميركية وحذر فيها من تنامي النفوذ الايراني في العراق ، مع توجيه انتقادات ضمنية لواشنطن بسبب دعمها للقوى السياسية الشيعية القريبة من ايران على حد قوله.
ويبدو ان حمى التصعيد لم تتوقف حتى الان عند نقطة معينة ، فالى ما قبل يومين فقط وجهت لندن اتهامات صريحة لايران بتزويد ميليشيات جيش المهدي الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر بالاسلحة والمعدات العسكرية.
وبينما يربط بعض المراقبين والمحللين السياسيين الحملة ضد ايران والقوى الاسلامية الشيعية التي ترتبط معها بعلاقات ما بالتجاذبات السياسية الحادة نوعا ما في الساحة العراقية ، وخصوصا مع اقتراب موعد الاستفتاء على مسودة الدستور العراقي الدائم، يذهب بعض اخر الى ان الحملة تتجاوز ما يتعلق بالشأن العراقي الى الشأن الايراني والازمة القائمة بين طهران من جهة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة من جهة اخرى. بحيث ان هذا الضغط والتصعيد على طهران من جهة العراق يهدف بشكل او بأخر الى ارغامها على تقديم تنازلات فيما يتعلق بملفها النووي وابداء مرونة في التعاطي مع المطالب الدولية بهذا الشأن ..
ولكن ايا تكن الدوافع والمبررات فإن حملة التصعيد القت بظلالها الثقيلة على الوضع العراقي اكثر من الوضع الايراني، واوجدت مزيدا من الانقسامات والاحتقانات والتقاطعات بين اطراف مختلفة في وقت يفترض ان يظهر الجميع حرصا على تهدئة الامور وتجنب كل نقاط التأزم والاحتقان والتصعيد.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018