ارشيف من : 2005-2008
بين ميليس24/10 و البرادعي 24/11:هل ستدفع روسيا تكاليف شهر عسل الدبلوماسية الأمريكية؟
طه عبد الواحد
تشهد الآونة الأخيرة نشاطاً غير مسبوقاً للدبلوماسية الأمريكية، يلاحظ المراقبون مقابله ثباتاً في الموقف الروسي حيال الملفين الإيراني والسوري. وبينما يبقى الموقف الروسي من الملف السوري مجرد موقف أولي نظراً لأن الملف فُتح للتو، فإن الملف الإيراني قد فُتح منذ زمن، والدبلوماسية الروسية تتخذ بهذا الشأن خطوات أوسع وأكثر تأثيراً من مجرد استخدام النفوذ في المؤسسات الدولية للحيلولة دون تنفيذ الرغبة الأمريكية بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني أجرى زيارة إلى موسكو منتصف الأسبوع الفائت (24/10/2005) التقى خلالها بنظيره الروسي سرغيه لافروف، وحسب المعلومات الأولية فإن الجانبان قد بحثا في الخطوات التي قد تتخذها روسيا في الجلسة القادمة لمجلس حكام وكالة الطاقة الذرية نهاية الشهر القادم. وفي خطوة لها دلالاتها شارك الوزير الإيراني بأعمال قمة رؤساء حكومات دول منظمة شنغهاي الإقليمية، حيث إيران عضو مراقب، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها وفد إيراني رفيع المستوى في هذه الجلسات، حيث ناقش المجتمعون (روسيا، الصين، كازخستان، قرغيزيا، أوزبيكستان وطاجيكستان، إضافة إلى وزراء خارجية الأعضاء المراقبين، الهند ومنغوليا وباكستان وإيران) الملف النووي الإيراني.
في اليوم نفسه وصل إلى موسكو في زيارة رسمية (ستيفن هيدلي) معاون الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي. وقد بحث الضيف الأمريكي مع كل من الرئيس بوتين ووزير الخارجية الروسية لافروف، وسكرتير مجلس الأمن القومي إيغر إيفانوف، في عدد من القضايا كان الملفين النووي الإيراني، والسوري- اللبناني، على رأسها. وأشار المحللون إلى أن زيارة هيدلي أتت استكمالاً للزيارة الخاطفة التي قامت بها كونداليزا رايس مؤخراً إلى روسيا ويبدو أن هيدلي أتى أملاً في تحقيق نجاح يُقال أن رايس عجزت عن تحقيقه، فالإدارة الأمريكية ما زالت تصر على رفع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وكذلك الأمر بالنسبة لسورية التي تريد فرض عقوبات اقتصادية عليها. أما روسيا فما زالت تصر على عدم الوصول بالأمور إلى مجلس الأمن الدولي في موقف أولي لحماية حلفائها.
في شأن الجدل الروسي – الأمريكي حول هذين الملفين يرى البعض أن واشنطن قد غيرت من تكتيكها نحو موسكو في الآونة الأخيرة، حيث برزت الكثير من علامات التودد إلى روسيا، فتراجعت لهجة الانتقاد الدائمة التي اعتاد سادة البيت الأبيض توجيهها ضد سياسة الرئيس بوتين، كما أن جولة رايس الأخيرة في آسيا الوسطى حملت على لسان الوزيرة طمأنة للقيادة الروسية بأن الولايات المتحدة لا تنوي افتتاح قواعد جديدة لها في المنطقة، حتى أن رايس قد طالبت قادة جمهوريات آسيا الوسطى بالحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا.
وبينما تتبع واشنطن مؤخراً سياسة التودد العلنية، فإنها تقوم خفية بما لا يعكس ودها نحو موسكو. حيث يعتبر البعض أن الخطوة التالية بعد التودد، في التكتيك الحالي، هي توريط حلفاء روسيا في منطقة الشرق الأوسط بقضايا يمكن استخدامها كوسيلة لنقل ملفات هذه الدول إلى مجلس الأمن، ما يؤمن إرباك هذه الدول وشل بعض حركتها الإقليمية من جانب، إضافة إلى إحراج روسيا نوعاً ما في إصرارها على بناء علاقات تحالفية متينة مع هذه الدول من جانب آخر. ولعل مطالبة واشنطن بالحد الأقصى نحو طهران ودمشق، وقبولها بالحد الأدنى هو جزء من هذا التكتيك، فبهذا الشكل تتمكن واشنطن من شغل المجتمع الدولي عن ملفات هامة مثل القتل اليومي في العراق ومأزق السياسة الأمريكية فيه، وتبعد الأنظار عن ممارسات حكومة شارون العدوانية بحق الشعب الفلسطيني، والأهم أنها تعيق أو تجمد مؤقتاً تطور العلاقات الروسية – الإيرانية، والروسية – السورية. وفي غضون ذلك ومن خلال مبادرتها بطرح قضايا من هذا النوع على المجتمع الدولي، تسعى للحفاظ على سيطرتها في الأروقة الدولية، فالقضايا التي يبحثها المجتمع الدولي اليوم كلها على علاقة بالرغبات الأمريكية وبحرب البيت الأبيض ضد الرافضين لسياسته.
يمكن القول أن هدف واشنطن من سياستها الحالية لا يختلف عن ذلك الهدف المعلن في عهد إدارة كارتر ومستشاره بيزجينسكي، ألا وهو إبقاء منطقة الشرق الأوسط خاضعة كلياً للسيطرة الأمريكية، وعدم السماح للسوفييت أو ورثتهم أو غيرهم من قوى دولية غير حليفة لواشنطن، بفرض نفوذ مؤثر هناك. والأمر نفسه بالنسبة لأسيا الوسطى.
ولما كانت العلاقات الطيبة بين روسيا وكل من سورية وإيران، تصب في خدمة المصالح الاستراتيجية القومية والوطنية للأطراف الثلاث، وتتعارض كلياً مع أهداف السياسة الأمريكية في العالم (فرض نظام أحادي القطب)، وفي الشرق الأوسط (الكل تابعين لواشنطن)، كان لا بد من أن تبحث إدارة بوش عن أي فرصة تمارس من خلالها الضغط على آخر قلعتين في المنطقة تتحديان المخططات الأمريكية، وفي الوقت نفسه إتباع أسلوب المراوغة والإغراءات مع الكرملين في محاولة لخلق شرخ بينه وبين الحلفاء في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك لا وجود حتى الآن لما يدل على أن موسكو قد توافق على المساومة بشأن علاقاتها مع سورية وإيران، كما أنه لا يمكن القول بأن سياسة المرواغة الأمريكية قد أتت بأي نتائج لصالح واشنطن، فالموقف الروسي لم يتغير. والمشاورات مستمرة بين الصين وروسيا في شأن موقف مشترك في مجلس الأمن. بينما تستمر المشاورات على أعلى المستويات بين الرئيسين أحمد نجاد وبوتين، وبشار الأسد وبوتين
شهر عسل سعت إليه الدبلوماسية الأمريكية بين الرابع والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر موعد الاستماع لتقرير ميليس والنظر بعقوبات ضد سورية، والرابع والعشرين تشرين الثاني/ نوفمبر موعد اجتماع حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية للنظر في إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، فهل لدى روسيا ما يكفي من الصلابة والقوة لإفشال شهر عسل قد تدفع بعض تكاليفه من حلمها باستعادة هيبتها الدولية، وبتدمير علاقات على أهمية استراتيجية لها في الشرق الأوسط؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018