ارشيف من : 2005-2008

السياسات الزراعية موضوع صراع في منظمة التجارة العالمية 7/12/2005

السياسات الزراعية موضوع صراع في منظمة التجارة العالمية 7/12/2005

كتب توفيق المديني‏

سيكون مؤتمر منظمة التجارة العالمية الذي سيعقد في هونغ كونغ ما بين13 و18 كانون الاول/ ديسمبر، مسرحا لمواجهات تقليدية بين الدول الغربية الغنية و دول العالم الثالث النامية. ولكن ما هو أبعد من تقنية الناقشات، وعقم الجدال حول موضوع الدعم الزراعي، فهناك الصراع المتركز حول السياسات الزراعية في الغرب، وهي مسألة تاريخية قديمة تعود إلى بدايات القرن العشرين.‏

في مرحلة العشرينات من القرن الماضي، لم تكن هناك سياسات زراعية لدى الدول الغربية، و بلد مثل بريطانيا لا يوجد فيها وزير للزراعة. و كان السلاح الوحيد الذي هو في حوزة الحكومات لحماية مزارعيهم هو التعريفات الجمركية، ولكنها تافهة في مواجهة الأزمة الكبيرة لزيادة الإنتاج الزراعي الذي استقر في العالم بداية من عام 1925. ففي كل مكان انهارت الأسعارالزراعية، وحل البؤس بالفلاحين، تنبهت الحكومات الغربية بسرعة أن الأسواق يجب تأطيرها، بل ... إلغاؤها.‏

وبعد بضع سنوات من ذلك التاريخ، تم إرساء السياسات الزراعية الكبيرة. فهي لم تكن ناجمة عن خيارات إيديولوجية، وإنما ثمرة إكراهات اللحظة التاريخية. فعقب الأزمة العامة للرأسمالية في عام 1933، قام الرئيس الاميركي روزفلت بمساعدة المزارعين الأمريكيين، وعمل على ضمان إستقرار أسعار المواد الغذائية للمستهلكين الذين ازدادوا فقرا.و هكذا، كان الخيار طبيعيا لجهة تقديم مساعدات مباشرة (مرتبطة ببرنامج تجميد الأراضي) من خلال ترك حرية أكبر للسوق.‏

و في فرنسا، عندما استلمت الجبهة الشعبية السلطة عام 1936، تم خلق ديوان الحبوب الذي ألغى في الوقت عينه الصفقة الآجلة لباريس. وبصورة منطقية، عندما تبلورت السياسة الزراعية المشتركة(PAC) في عام 1958، فرض خيار أسعار التدخل المرتفعة المحمية من قبل مبدأ الأفضلية المشتركة على معظم الإنتاج الكبير.‏

وخارج نطاق أوروبا، اتجهت البلدان الأنكلوساكسونية المصدرة للمواد الزراعية بكثرة، نحو تشكيل إحتكارات عمومية التي تضمن شبه معادلة بين الأسواق الداخلية والخارجية: وكان أول إحتكار للقمح تشكل في كندا عام 1929. وشهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية العصر الذهبي للسياسات الزراعية. آنذاك أيضا كان الوزن الديموغرافي و الاقتصادي، والسياسي للزراعة قدبدأ في الإنحدار.‏

وعلى الرغم من محاولات الإصلاح، تجمدت السياسات الزراعية على ضفتي الأطلسي، وأوروبا التي أصبحت مصدرة في عقد السبعينات من القرن الماضي، اصطدمت مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الأسواق العالمية إذ كان الإتحاد السوفياتي، هو الزبون الوحيد الذي يمتلك قدرة على الدفع .‏

الآن أصبحت السياسات الزراعية في بلدان العالم الرأسمالي المتقدم موضوع نزاع حقيقي، من قبل دعاة التبادل الحر، والمتمسكين بالأرثوذكسية في الموازنة الذين يعترضون على كلفة الإنتاج، وبلدان العالم الثالث التي تنتقد الإسقاطات المدمرة على منتجاتها الزراعية جراء دعم دول الشمال الغنية لمزارعيها.‏

وعلى صعيد بلدان العالم الثالث، تتجاهل سياسات التنمية الفلاحين بشكل واسع منذ عقدين من الزمن.‏

ففي آسيا، وبعد النجاحات التي حققتها الثورة الخضراء(1965-1980)، حادت مصلحة الحكومات عن التنمية في الريف، وسجل النمو الزراعي تراجعا ملحوظا بسبب النقص في الإستثمارات العمومية. أما في إفريقيا جنوب الصحراء، فإن الوضع أكثر خطورة بما أن العجز في إنتاج القمح ما انفك يتفاقم منذ السبعينات. وعلى الصعيد الدولي، تراجعت كثيرا حصة الزراعة في مجموع المساعدات لبلدان الجنوب .‏

ومنذ عام 2004، يبدو أن الحكومات، من الصين إلى الهند، هي بصدد إعادة إكتشاف إسهام الزراعة والاقتصاد الزراعي في الاقتصاد الإجمالي، و في إنخفاض الفقر.و خلال سنة 2005،و في إطار المناقشات بين الشمال و الجنوب، عادت الزراعة لتحتل المكان الأول في جدول الأعمال خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل إفريقيا.‏

ويعبر عن هذا الإتجاه، الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، و مستشاره المقرب جدا منه الاقتصادي جيفري ساشس، و حديثا بول وولفوفيتز، رئيس البنك الدولي، حيث ما انفكوا جميعا يعلنون عن ضرورة القيانم بالثورة الخضراء في إفريقيا على غرار آسيا.‏

إن ضعف المساعدات الأجنبية التي يمكن أن يعتمد عليها الأفارقة تشكل أيضا واحدة من المحدوديات لإستنساخ النموذج الآسيوي في إفريقيا.وإذا كان يوجد بعض النجاحات مثل التقدم في إنتاج القطن في إفريقيا الفرنكوفونية بفضل المؤسسة الفرنسية لألياف النسيج، في أغلب الأحيان، فإنه بالمقابل، ارتسم تبعثر البرامج، ومهمات المساعدات المتعددة غير المتساوية في كفاءاتها، والمدعومة من قبل المغتربين.والمفارقة هنا مذهلة ، بالمقارنة مع مؤسستي فورد وروكفلير في إدخال الثورة الخضراء إلى آسيا.‏

في المحصلة النهائية، تحتاج السياسات الزراعية في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة جذرية . فليست هناك سياسة زراعية بلا عيوب.وما هو أبعد من المعركة الحالية بين الشمال والجنوب حول سياسات الدعم للمواد الزراعية، فإن مستقبل الزراعة في إفريقيا ليس ميؤوسا منه.فهناك اراضي شاسعة كبيرة تحتاج إلى إستثمارات كي تتحول إلى مزارع منتجة للخيرات الزراعية التي تحقق الإكتفاء الذاتي على مستوى الغذاء للشعوب الإفريقية. ولى الصعيد العالمي، نحن تتطلب الحاجة إلى البحث عن منطق جديد لتمويل ما يمكن أن تقدمه الزراعة من تقدم للمجتمعات ليس فقط على مستوى إنتاج المواد الغذائية، وإنما كإطار للحياة عامة.‏

2006-10-30