ارشيف من : 2005-2008

أمريكا و تمويل الإنسحاب من غزة

أمريكا و تمويل الإنسحاب من غزة

توفيق المديني / خاص : "الانتقاد. نت"‏

في سبيل تأمين الإنسحاب الصهيوني من غزة، جندت حكومة آرييل شارون قرابة 50000 شخصا من الشرطة والجيش، وقامت بإخلاء 9500 مستوطن من غزة والضفة الغربية، وتهديم 1200 منزل، وتعويض العدد عينه من الصهاينة لإعادة تسكينهم في صحراء النقب و الجليل. و تصل كلفة عملية الإنسحاب التي بدأت يوم 17 آب/أغسطس الجاري، حسب الحكومة الصهيونية 1،7 مليار دولار وتجاوزت بتكاليفها الـ 8 مليارات. فهل كان بإمكان آرييل شارون أن ينجز هذه العملية من دون الدعم المالي القادم من واشنطن؟‏

ليس من شك، أن شارون كان دائما ولا يزال يعتمد على السخاء الأمريكي غير المحدود الذي تقدمه الحكومات الأمريكية المتعاقبة للكيان الصهيوني منذ قيامه عام 1948، والذي بلغ ما يقارب 100 مليار دولار إلى حد الأن. ومن الطبيعي في مثل هذه الأحوال أن يذهب وفد صهيوني إلى واشنطن يوم 11 تموز/يوليو الماضي للحصول على مبلغ بقيمة 2،2 مليار دولار. وهذه الهبة الأمريكية تضاف إلى مبلغ المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني، و المقدر ة بنحو 3 مليارات دولار سنويا. وإضافة إلى هذه المساعدات العمومية المتعددة الأشكال ( قروض مضمونة، هبات، مكاسب جمركية، إعانات عسكرية) والمساعدات غير المرئية (التي لا تستهدف مشاريع معينة، و التي تأخذ شكل المساعدة المباشرة للموازنة الصهيونية) هناك الإسهامات المالية الكبيرة التي تقدمها اللوبيات اليهودية الأمريكية.‏

والحال هذه كيف يمكن لإدارة الرئيس بوش، التي اعتبرت عملية الإنسحاب من غزة بـ "الخطوة التاريخية"، في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط، أن ترفض تقديم الأموال اللازمة لتمويل هذا الإنسحاب؟‏

بكل تأكيد، كان الطلب المقدم من الوفد الصهيوني إلى السيد إليوت أبراهامس المكلف بهذا الملف داخل مجلس الأمن القومي الأمريكي، هو أبعد من أن لا يأخذ بعين الإعتبار. و ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها تل أبيب على مساعدة مالية إضافية جوهرية في إطارالإنسحاب من الأراضي التي تم إحتلالها بالقوة.‏

فبعد إتفاقيات كامب ديفيد في سنة 1978، لبت واشنطن كل الطلبات التي تقدم بها الكيان الصهيوني من أجل إعادة سيناء إلى مصر.إذ إنه في السنة التالية، ازداد التعاون العسكري الأمريكي بشكل كبير، فانتقلت القروض من 500 مليون دولار إلى 1،3 مليار دولار، والمساعدات من 500 مليون دولار إلى 2،7 مليار دولار. وما انفكت تزداد منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973: فالمبالغ الممنوحة إلى الكيان الصهيوني تضاعفت خمس مرات، و بالتالي أصبحت الدولة العبرية المستفيدة الأولى من المساعدات العمومية الأمريكية.‏

إن المساعدة العسكرية التي تدخل اليوم في ثلثي مخصصها الإجمالي، يمكن ان تأخذ شكل تحويل خاص لسيولة مالية (على غرارمبلغ الـ200 مليون دولار الذي تم تحويله تحت باب مكافحة الإرهاب) أو تعاون تكنولوجي، خاصة من اجل تطوير أنظمة التسليح، مثل الصاروخ المضاد للصواريخ "آرو"، والطائرة العسكرية "لافي"، أوالدبابة "ميركافا".‏

و يقول الأستاذ في العلوم السياسية الأمريكي ستيفين زونيس: "أن المساعدات الأمريكية ازدادت كلما أصبحت "إسرائيل" قوية جدا، وأكثر عدوانية، ومتعاونة أكثر".‏

فإضافة إلى الأسباب "الأخلاقية" التي تتذرع بها واشنطن لتبريرتقديمها لهذه المساعدات المالية السخية، هناك المصالح الجيوإستراتيجية. فخلال مرحلة الحرب الباردة، منع الكيان الصهيوني حركات التحرر الوطني العربية الراديكالية من إستلام السلطة في كل من لبنان والأردن واليمن. كما أن الحروب العدوانية التي خاضها ضد الدول العربية المجاورة سمحت للولايات المتحدة الأمريكية بإختبار اسلحتها في مواجهة ترسانة الأسلحة السوفياتية.‏

وبصرف النظر عن علاقات الصداقة التي تربط بين أمريكا والكيان الصهيوني، كانت واشنطن تحدد شروطا لمساعدتها.فمن أجل إعطاء الإنطباع أنها لا تؤيد ضم الأراضي من قبل الكيان الصهيوني ،تحرم أمريكا على حليفها إسثتمار الأموال المقرضة في الأراضي العربية المحتلة.و كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر قد هدد حكومة إسحاق رابين في سنة 1992، بعدم منحها ضمانات قروض إذا لم تجمدبناء المستوطنات في الضفة الغربية، خاصة في القدس الشرقية. وأذعن الكيان الصهيوني مؤقتا ، إلى أن حصل على المساعدات المالية.‏

وكانت واشنطن تشترط أيضا أن الأسلحة الأمريكية التي تقدمها لا يجوز إستخدامها إلا لأغراض دفاعية. بيد أن الكونغرس الأمريكي لاحظ أن الكيان الصهيوني لا يلتزم بشروط هذا الإتفاق : ففي آذار/ مارس سنة 1978 عقب الإجتياح الصهيوني لجنوب لبنان ، وفي سنة 1979، بعد سلسلة من الغارات الصهيونية على جنوب لبنان، و في حزيران/ يونيو 1981 ، عقب تدمير المفاعل النووي العراقي أوزيراك، و في حزيران/ يونيو 1982 ، عقب الغزو الصهيوني للبنان، وأخيرا الصواريخ و الطائرات الأمريكية التي استخدمت منذ سنة 2000 لقمع الإنتفاضة، واغتيال القيادات والكوادرالفلسطينية.‏

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تحرم على الكيان الصهيوني تصدير الأسلحة أو التكنولوجيا الأمريكية المتطورة إلى بلد ثالث من دون موافقة واشنطن، إلا أن الكيان خرق هذا الإتفاق و باع الأسلحة إلى كل من الهند والصين، الأمر الذي أثار حنق البنتاغون، وخلق أزمة حقيقية بين واشنطن وتل أبيب بسبب صفقة الأسلحة الصهيونية إلى بكين .‏

ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تطبق المعايير المزدوجة على مبيعات الأسلحة ، فهي تتشدد مع الدول التي لا تصنفها واشنطن في قاموسها السياسي بالصديقة أو تنعتها بالخارجة عن القانون ، لكنها بالمقابل تغض النظر عن حليفتها "إسرائيل". والأمر عينه ينطبق على أنظمة منح القروض الأمريكية التي تنقصها الشفافية ، والتي تغذي كل الشكوك. فشارون يستغل الأموال الأمريكية الممنوحة في السابق ومؤخرا، لتسريع الإستيطان في الضفة الغربية بعد الإنسحاب من غزة.‏

2006-10-30