ارشيف من : 2005-2008
كارثة الزلزال تنسي كشمير إنقساماتها
توفيق المديني
الكوارث الطبيعية تمثل فرصة تاريخية نادرة لمد الجسور وإظهار التضامن بين طرفين متعاديين . هكذا هو منطق التاريخ ، ولاعجب والحال هذه أن نشهد في كشمير بعد الزلزال العنيف الذي ضرب شبه القارة الهندية منذ بضعة أيام تقاربا هنديا باكستانيا بشان كشميرالمنكوبة.
ويعتبرإقليم كشمير حسب وصف الرحالة وكتاب الجغرافيا من أجمل بقاع العالم، ففيه الجبال السامقة ـ منها قمة غودوين أوستين ثاني أعلى قمم الأرض بعد قمة إيفرست ـ وفيه الوديان و المروج الخضراء والبحيرات الساحرة الشاربة من ذوبان الثوج، ومنها تنبع الأنهار التي تغذي نهر السند والتي على ضفافها في إقليم البنجاب (الإسم يعني المياه أو الأنهار الخمسة) يعيش عشرات الملايين من الباكستانيين و الهنود.
بيد أن هذه الطبيعة الخلابة و الجميلة التي وهبها الله لإقليم كشمير، شوهتها السياسة منذ إستقلال شبه القارة الهندية عن بريطانيا في عام 1947، و إنقسامها على الفور بين دولتين متحاربتين : الأولى علمانية غالبية سكانها من الهندوس ، و الثانية إسلامية يشكل المسلمون أغلبية سكانها. وخلف أيضا تقسيم 1947 جرحا داميا يتمثل في إنقسام إقليم كشمير الذي مر فيه خط هدنة تقسيمي جعل من معظم الجزء الغربي في وادي كشمير ومنخفض جامو جزءا من الهند، والباقي وجله جبلي وعر لباكستان تحت إسم "آزاد كشمير" أي كشمير الحرة.
هذه الإقليم المتنازع عليه بين الهند و باكستان منذ العام 1947، توحد يوم 8 تشرين الاول/اكتوبر الماضي في ظل كارثة الزلزال العنيف . ففي غابة كشمير الواقعة تحت السيطرة الباكستانية، على مسافة 100 كيلومتر شمال إسلاماباد،تم تحديد مركز الزلزال. وفي ظل الهدنة القائمة في هذه المنطقة من العالم التي كانت سببا لإندلاع ثلاث حروب بين الهند و باكستان ، تتبادل السلطات الهندية و الباكستانية حسن النية من خلال تقديم المساعدة اللازمة و الضرورية للسكان المنكوبين. ومنذ يوم السبت الماضي، تحادث رئيس الوزراء الهندي السيد مانموهان سينغ، مع الرئيس الباكستاني برويز مشرف، لكي يعرض عليه عرضا هنديا بالمساعدة في عمليات الإنقاذ في كشمير. و المقابل عرض الرئيس برويز مشرف أيضا، الذي تضررت بلاده أكثر من الهند، تقديم الإغاثة. وإذا ما حدث ذلك، فإنه سيكون إنجازا مميزا في إطار الصداقة الهندية الباكستانية .
ولقد سمحت هذه الكارثة للبلدين لإختبار وسائط إتصالاتهما الجديدة التي وضعت قيد الإستعمال في إطار تبادل الثقة ، والتي طوروها منذ فبراير 2004. وهكذا، استخدم المدير العام في وزارة الخارجية الهندية يوم السبت خطه الهاتفي الأحمر مع نظيره الباكستاني. و في الميدان ، فعل المسؤولون العسكريون الشيء عينه.
ففي هذه المنطقة المتسلحة بامتياز، فإن الجيشين المتقابلين تكبدا خسائر ثقيلة. وحسب الجيش الباكستاني ، لقي أكثر من 250 رجل حتفهم منهم 200 ينتمون إلى كتيبة تموين متمركزة في موزافاراباد، عاصمة كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية. كما أعلن ناطق رسمي باسم الجيش الهندي عن وفاة 54 جندي متمركزين على طول خط الهدنة الذي يفصل بين الهند وباكستان.
وقد دمر الزلزال الجسر والطريق اللذين يسير عليهما باص السلام، الذي يربط بين عاصمة الصيف لكشمير الهندية، سريناغار، وعاصمة كشمير الباكستانية، موزافاراباد. إذ يشكل باص السلام بين المدينتين الإشارة الوحيدة الملموسة عن تحسن أوضاع الكشميريين في الوقت الحاضر. وعلى إمتداد خط المراقبة، تم التوافق بين القيادات العسكرية الهندية و الباكستانية على تقديم المساعدات للعوائل الكشميرية المقسمة على طرفي الحدود ، متجاوزين بذلك الخلافات السياسية والإيديولوجية.
إنه من السابق لأوانه أن نعرف ما إذا كانت هذه الكارثة ستسهم في تقديم ملف كشمير، الذي يظل العقبة الرئيسية في التقارب بين الأخوين العدوين، والقوتين النوويتين في جنوب آسيا. ومع ذلك، فإن إسلام اباد ونيودلهي تعملان كل ما في وسعهما لإظهار إهتمامهما بالكشميريين، الذين يفضلون في معظمهم الإستقلال.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018