ارشيف من : 2005-2008

مكافحة الإرهاب يمهد السيطرة الأمريكية على المغرب العربي بدون حرب

مكافحة الإرهاب يمهد السيطرة الأمريكية على المغرب العربي بدون حرب

كتب توفيق المديني‏

اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الوجود الفرنسي داخل إفريقيا عقب الحرب العالمية الثانية ضمانة حقيقية تقف في وجه المد السوفياتي الداعم لحركات التحرر الوطنية الإفريقية والانظمة الوطنية التقدمية في وقت حاولت باريس الاستفادة من هذا الوجود في حمى الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، فإن الظروف الراهنة اصبحت واشنطن حاضرة بقوة على الساحة الإفريقية وترسم خطوط سياستها بدقة لضمان هيمنتها الاحادية، كما ظهر في كثير من القضايا، لعل آخرها تراجع الدور الفرنسي في منطقة البحيرات العظمى وإعادة توزيع الأدوار فيها لمصلحة الولايات المتحدة .‏

وتأتي الجولتان المغاربيتان لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفليد، ولمدير مكتب التحقيقات الفيديرالي موللر، لتؤكد أن واشنطن تضع المسائل الأمنية والعسكرية على رأس الأولويات في هذه المرحلة، قبل الملفات السياسية ومن ضمنها الإصلاحات الذي كان محور "منتدى المستقبل" الذي استضافت الرباط حلقته الأولى أواخر سنة 2004 في حضور عدد كبير من وزراء الخارجية الغربيين والعرب. غير أن دعوات الإصلاح والتغيير خفت بوضوح في الفترة الماضية في مقابل ارتفاع وتيرة التنسيق الإستخباراتي والعسكري. ويرى المحللون المتابعون للشؤون المغاربية أن محادثات رامسفيلد مع الزعماء المغاربيين وكبار القادة العسكريين ستتركز على قضايا الأمن الإقليمي وتطوير التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة، وكذلك مع الحلف الأطلسي، في إطار ما بات يُعرف ب"الحوار المتوسطي".‏

إن الإهتمام الأميركي بالمنطقة المغاربية لم يعد مقتصرا على الملف الأمني وإنما أصبح يشمل أيضا الملف العسكري مثلما تجسده التقارير التي تصنف منطقة الصحراء على أنها "بؤرة رئيسية للجماعات الإرهابية في أفريقيا"، لاسيما بعدما صار المغرب العربي أحد المعابر الرئيسة لعناصر تلك الجماعات نحو أوروبا تحت ستار الهجرة السرية.‏

واوردت صحيفة "النيويورك تايمس" في عددها الصادر السبت 5/6/2003،أن الجيش الاميركي يريد تعزيز وجوده في افريقيا التي يرى انها تشكل ملاجئ محتملة لمجموعات ارهابية. وذكرت ان وزارة الدفاع "البنتاغون" تسعى لتوسيع نطاق الوجود العسكري فى الدول العربية الواقعة فى منطقتي شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى عبر تعزيز علاقاتها مع حلفاء كالمغرب وتونس والوصول على المدى الطويل الى قواعد في مالي والجزائر وابرام اتفاقات مع السنغال واوغندا لتزويد الطائرات العسكرية الأميركية وقوداً.‏

وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز قال الجنرال جيمس جونز رئيس القيادة الأوروبية في هيئة الأركان الأميركية المكلف قسما كبيرا من القارة الأفريقية "إن أفريقيا تشكل ـ كما تظهر ذلك الأحداث الأخيرة ـ مشكلة ملحة". وأضاف "لخوض الحرب على الإرهاب, يجب علينا أن نتوجه إلى حيث يوجد الإرهابيون. ولدينا أدلة تمهيدية على الأقل, تظهر أن مناطق خارجة عن أي مراقبة وسيطرة حكومية (في أفريقيا), قد تتحول إلى ملاجئ محتملة للقيام بهذا النوع من النشاطات".‏

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن البنتاغون لا يسعى للحصول على قواعد دائمة في أفريقيا ولكنه يريد أن تتمكن قواته من زيادة تنقلاتها بين أوروبا وأفريقيا. ويشار إلى أن الولايات المتحدة شكلت قوة مؤلفة من 1300 عسكري في القرن الأفريقي ومركز قيادتها في جيبوتي مهمتهم ملاحقة وأسر من أسموهم الإرهابيين وقتلهم إذا ما اقتضى الأمر.‏

وجاءت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 لتؤكد تنشيط موقع إفريقيا في منظومة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.‏

ولعل أبرز الملامح التي انعكست على القارة من هذه الأحداث هي :‏

1ـ تأكيد المصادر الأمريكية أن غالبية الانتحاريين الذين يقودون سيارات ملغومة في العراق يتحدرون من الخليج، بيد أن هناك 20 في المئة يأتون من الجزائر ونحو خمسة في المئة من المغرب وتونس معاً. وإذا كانت ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي الموضوع الرئيس الذي يؤرق الأوروبيين، فإن ما يؤرق الأميركيين هو التقارير التي أظهرت أن واحدا من كل أربعة "استشهاديين" في العراق أتى متطوعا من المغرب العربي لقتالهم.. واستجابة للطلبات الأميركية الملحة اتخذت الحكومات المغاربية كل التدابير الممكنة لسد منافذ السفر للعراق وسن بعضها قوانين جديدة صنفت نية التطوع للقتال إلى جانب المقاومة العراقية في خانة الأعمال الإرهابية.‏

واعتقلت أجهزة الأمن التونسية والجزائرية والمغربية في السنتين الأخيرتين عشرات الشباب الذين قيل إنهم كانوا يعتزمون السفر للعراق للمشاركة في عمليات ضد القوات الأميركية وأحالتهم على القضاء. وسلم الأمن الجزائري العام الماضي مجموعة من المتطوعين التونسيين اعتقلوا بعد مغادرة بلدهم في اتجاه العراق وأحيلوا على المحاكم.‏

وتضيف هذه المصادر الأمريكية أن "الاتصالات بين شبكات إرهابية من شمال أفريقيا وأخرى من الشرق الأوسط زادت في الفترة الأخيرة" من دون إعطاء تفاصيل. وأفادت أن أجهزة الاستخبارات الجزائرية والمغربية والليبية كثفت من ملاحقاتها للشبكات المحلية والخارجية اعتقادًا منها بأن الذين انتقلوا إلى العراق سيعودون يوماً لتنفيذ عمليات في بلدانهم. وأفاد ت أن الجماعات المغاربية خصصت نحو 200 ألف دولار لتأمين نقل «المتطوعين» إلى العراق عبر أوروبا وسورية، لكنه أشار إلى وجود طرق أخرى عبر تركيا وإيران حيث يقطع المتسللون المناطق الحدودية التي لا تخضع للرقابة للدخول إلى العراق.‏

2ـ مسارعة الأمريكيين لرد الفعل على هذه المعلومات الاستخباراتية بتكثيف مساعداتهم العسكرية لبلدان شمال أفريقيا خصوصاً من خلال تعزيز عمليات التدريب والتسليح لإعانة القوات المحلية على ملاحقة الجماعات المتشددة أسوة بـ"لجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية التي يُعتقد بأن لديها علاقات مع تنظيم "القاعدة" والتي وضعتها أميركا على لائحة المنظمات الإرهابية. ويتوقع أن يرتفع حجم المساعدات الأميركية للجيوش المحلية إلى مستوى لم يبلغه منذ عقود، وهو يرمي للحؤول دون إقامة قواعد للجماعات المسلحة في الصحارى والغابات والمناطق الحدودية التي لا تراقبها جيوش نظامية.‏

3ـ قيام قوات أميركية متمركزة في أوروبا طيلة أسبوعين من العام الماضي بمناورات للتدريب على مكافحة ما اسمته الجماعات الإرهابية مع قوات من الجزائر وموريتانيا وتشاد ومالي والسنغال ونيجيريا والنيجر وتونس والمغرب. وتوزعت أربع فرق أميركية قوامها ألف جندي على كل من تشاد والنيجر ومالي والجزائر وموريتانيا حيث نفذت تدريبات مشتركة مع ثلاثة آلاف جندي أفريقي. وأدرجت المناورات في إطار "المبادرة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب" التي كانت مقررة منذ أشهر، إلا أن الغارة التي نفذتها "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية مطلع شهر ايار/ مايو 2005على قاعدة عسكرية شمال موريتانيا حملت على التعجيل بإجراء المناورات التي أشرف عليها الجنرال هولي سيلكمان قائد القوات الأميركية في أوروبا. وكان الكونغرس وافق على الترفيع من حجم الاعتمادات المخصصة للبلدان التسعة في إطار تلك "المبادرة" من 6 ملايين دولار إلى 100 مليون دولار في السنة على مدى خمسة أعوام اعتبارًا من السنة ألفين وسبعة.‏

4 ـ شروع الجيش الاميركي اخيرا في تدريب قوات تسع دول من الساحل الإفريقي بينها الجزائر، حسب ما أفادت صحيفة "واشنطن بوست" منذ فترة للتصدي لما وصفته بـ"غزو القاعدة والشبكات الإرهابية للدول الإسلامية والفقيرة في القارة الإفريقية بتمويل 500 مليون دولار على مدار سبع سنين".وتعتبر هذه الخطوة في نظر الإدارة الاميركية إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تعامل الولايات المتحدة مع الحرب العالمية ضد الإرهاب.ويرى المتتبعون أن هدف الإدارة الاميركية من هذه الخطة هو توريط الجزائر والدول الإفريقية في الحرب ضد الجماعات الإرهابية.ويعتزم البنتاغون تدريب آلاف القوات الإفريقية في كتائب مجهزة لعمليات الحدود والصحراء الممتدة، كما ينوي ربط جيوش دول الساحل بالبرنامج عن طريق اتصالات جرى تأمينها على درجة عالية من الدقة، وبعيدة من أي اختراق عبر الأقمار الاصطناعية.‏

ويشمل البرنامج تدريب قوات كل من الجزائر وتشاد ومالي والنيجر وموريتانيا والسينغال ونيجيريا والمغرب وتونس، على أمل أن يمتد البرنامج ليشمل ليبيا في حصول مزيد من التطبيع في العلاقات بين طرابلس وواشنطن.ونقلت الصحيفة عن مصادر من وزارة الدفاع الأميركية أن البنتاغون سيعين مزيدا من العسكريين في سفارات الولايات المتحدة في الدول المذكورة آنفا، من اجل تعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتعاون في المجال الاستخباري، إضافة إلى إبرام العديد من الاتفاقات بين واشنطن ودول الساحل المعنية بالبرنامج الأمني الجديد، بما يسمح وصول اكبر حماية شرعية للقوات الاميركية.‏

5 ـ اعتبار التوجه الإفريقي الجديد للولايات المتحدة في رأي قيادة البنتاغون مسألة حيوية جدا، من اجل وقف تسلل الجماعات الإرهابية التي تسعى، حسبها، إلى ضرب العديد من الحكومات في العالم.ويرى محللون أن الإستراتيجية الأمنية الجديدة من خلال انتشارها في دول الساحل الإفريقي وبرنامجها الأمني دليل قاطع على أن الإدارة الأميركية تعاني متاعب جمة في العراق، وبالتالي لا تريد أن يتكرر السيناريو العراقي في مناطق أخرى من العالم في إطار حربها الدولية ضد البعبع الإرهابي، وهو ما يؤكده لجوؤها إلى تبني برنامج تدريبي لجيوش دول الساحل الإفريقي، وبالتالي تهربها من المواجهة المباشرة وترك هذه الدول تتحمل مسؤولية ذلك بعد إعدادها الإعداد الجيد لذلك.‏

وحسب المراقبين فإن احتفاظ البنتاغون بمهمة الإشراف التقني واللوجيستي للعمليات ضد الإرهاب في دول الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا يعني أن إدارة بوش عازمة على مواصلة الحرب على الإرهاب ولكن بالنيابة من خلال استعمال جيوش غيرها، بسبب ما تتكبده يوميا من خسائر في العراق وأفغانستان.‏

وهناك بعد آخر يتعلق بزيارة دونالد رامسفيلد للبلدان المغاربية ، يتعلق بالحصول على مساهمة مغاربية تخفّف مأزق الولايات المتحدة في العراق، عبر استبدال جزء من القوات الأمريكية المقرر سحبها من العراق، بقوات عربية وأخرى مغاربية. ويظهر، للوهلة الأولى، أنّ مسعى رامسفيلد سيشكل إحراجا للدول المغاربية التي تعرف تأييدا شعبيا للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، ولم تنجح عملية اغتيال دبلوماسيين جزائريين واختطاف عاملين في السفارة المغربية في بغداد، في تحجيم هذا التأييد، كما امتنعت هذه الدول على رغم الضغوط الأمريكية، عن إرسال سفراء لها إلى العراق، وفضّلت حكوماتها النأي عن إقامة علاقات حميمية مع ما ظهر خلال الاحتلال من هيئات وحكومات، علما أنّها ارتبطت جميعها بعلاقات وثيقة مع عراق صدام حسين.‏

2006-10-30