ارشيف من : 2005-2008

موسيفيني أمام امتحان صناديق الاقتراع

موسيفيني أمام امتحان صناديق الاقتراع

كتب توفيق المديني‏

من وجهة نظر واشنطن أعطى انهيار النموذج الاشتراكي في أوروبا الشرقية دفعة قوية للإصلاحات السياسية في إفريقيا منذ بداية عقد التسعينات، حيث تبنت عدة أنظمة أفريقية نموذج التعددية السياسية، الذي يندرج ضمن سياق إعادة تأهيل النظم القائمة، لا ضمن أفاق التحرر من نظام الحزب الواحد وبناء ديمقراطية فعلية.‏

ففي عدة بلدان أفريقية جنوبي الصحراء تم تنصيب فئة "الذئاب الشابة" ممثلة الطبقة السياسية الجديدة الحريصة جداً على الاغتناء بسرعة قبل إقالتها أو الإطاحة بها ، والمتلهفة أيضاً "للسلطة من أجل السلطة" أكثر من أسلافها.‏

قبل عشرين عاما، تم اعلان القائد العسكري لجيش المقاومة الوطنية يوري موسيفيني رئيسا لأوغندا في 29 شباط/ يناير 1986.‏

وبعد ثلاثة أيام من ذلك الإعلان ، اجتاحت قواته العاصمة كامبالا، واضعة حدا لخمس سنوات من الحرب الأهلية الضروس بين المقاومة و نظام ميلتون أوبوتي.ومنذ ذلك التاريخ، أقام نظام موسيفيني مفهومه الخاص للديمقراطية، الذي يرتكزعلى تفضيل الحزب الواحد المهيمن، وبات يعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد في البلاد. وكانت الإدارة الأمريكية، لا سيما في ظل حكم كلينتون، تعتبر موسيفيني من " أفضل قادة إفريقيا "، على الرغم من سجله الأسود فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك بالاتفاق على أن لا وجود لـ"نموذج فريد " للديمقراطية. لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج إفريقيا في دواليب الاقتصاد العالمي .‏

وإذا كان الخطاب الأميركي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة دعمت لسنوات طويلة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في القارة الأفريقية، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب على مصالح الشعوب. والإدارة الأميركية تغلق عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأميركية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام موسوفيني.‏

وتؤكد حملة الانتخابات التي سبقت أول انتخابات رئاسية تعددية جرت في أوغندا يوم الخميس 23 شباط/فبراير الجاري – بعد استحقاقين انتخابيين رئاسيين، إذ إن المرشحين كانوا يتقدمون "بصفة"فردية"، في عام 1996/ و عام 2001 – على أن النظام الحالي يرفض تجسيد القطيعة مع الممارسات الموروثة من نظام الحزب الواحد الشمولي. وفي شهر تموز/يوليو 2005، انتهت هذه المرحلة من "الديمقراطية من دون أحزاب"، حيث كان كل مواطن أوغندي ينخرط منذ ولادته في حركة المقاومة الوطنية عندما دعا موسيفيني مواطنيه إلى تصويت في إستفتاء شعبي على تبني التعددية السياسية. وكان الرئيس موسيفيني قبل ذلك، قد كشف عن الرأي المعاكس لهذه الفورة الديمقراطية من خلال إلغاء الأحكام الدستورية التي تمنعه من الترشح لولاية ثالثة. وهو على يقين تام أنه سيفوز في هذا الإستحقاق الانتخابي.‏

ومنذ ذلك التاريخ فصاعدا، والمستعمرة البريطانية السابقة، تعيش على إيقاع المواجهة بين هذا العسكري السابق الماركسي الذي تحول إلى اعتناق الليبرالية الأمريكية، وبين طبيبه الخاص، ووزيره السابق، وهو عسكري أيضا مثله، كيزا بيسيجي الذي عاد إلى البلاد يوم 26 اكتوبر 2005 من منفاه الذي دام أربع سنوات، والذي رشحته المعارضة ممثلا للمنتدى من أجل التغيير الديمقراطي، وهو يريد أن يضع حدا لهذا الإنحراف التسلطي من جانب النظام ، ويقاوم الفساد والفقر المكثف.‏

وأمام تزايد شعبية مرشح المعارضة ، قام الرئيس موسيفيني باعتقال، رفيق دربه ومنافسه في الانتخابات، ووجه إليه عدة تهم ، منها الاغتصاب، و الخيانة والإرهاب.ومن بين الاتهامات الخطيرة، الاتصالات التي أجراها هذا المعارض مع جيش الرب للمقاومة، التمرد المسلح المتمركز في شمال البلاد.‏

ومن المعلوم أن هذه الحرب المنسية بين جيش الرب و نظام موسيفيني، المستمرة منذ عشرين عاما، خلَفت 100000 قتيلا، واختطفت 30000 طفلا من عائلاتهم، محولة هؤلاء الأطفال إلى جنود، والفتيات إلى عبيدات للجنس لأمراء الحرب .وقد أصبح هذا الصراع المسلح رهانا جوهريا في الانتخابات الرئاسية الأوغندية التي جرت مؤخرا، بعد أن أجبر 1،6 مليون من السكان على ترك قراهم لكي يعيشوا في مخيمات ضخمة، يتنازعهم الخوف بين إرهاب الإختطاف من قبل عناصر جيش الرب، و التجاوزات المرتكبة من قبل الجيش النظامي، المفروض فيه ،أنه جاء لحمايتهم.‏

ويتساءل العديد من المحللين لماذا لم يستطع الجيش الأوغندي المجهز عسكريا بشكل جيد، حسم تلك الحرب مع جيش الرب. أوساط المعارضة الأوغندية تقول أن استمرار الصراع يخدم بقاء موسيفيني في السلطة، لكي يبرر عسكرة نظامه، واستيلاء جيشه على الثروات في جنوب السودان، و شمال الكونغو، وتلميع صورته أمريكيا "كصياد للإرهابيين".‏

ففي ظل نظام القطب الواحد ، بعد أن تحررت الولايات المتحدة من خصمها التقليدي الاتحاد السوفيتي، وإطلاق عنان العولمة، توطدت علاقاتى موسيفيني بواشنطن، وبات يعتبر النموذج الأميركي مثالاً يحتذى به.‏

إذا كان الأوغنديون قد أدلوا بأصواتهم لانتخاب رئيس جديد للبلاد وأعضاء الجمعية الوطينة (البرلمان) في أول انتخابات تعددية عامة في البلاد منذ 26 عاما، التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأوغندية تبدو متقاربة أكثر من عام 2001-حيث فاز فيها موسيفيني بنحو 69% بينما نال منافسه بيسيغي 27%-. فالمحللون يرجحون تقدم موسيفيني في الانتخابات، إلا أن حجم التقدم يبقى غامضا حيث لا يعرف إن كان الرئيس المنتهية ولايته سيفوز بأكثر من 50% من الأصوات ليتلافى بالتالي تنظيم دورة الإعادة.‏

ويبدو أن الرئيس المنتهية ولايته يوري موسيفيني الذي حكم البلاد طيلة 20 عاما هو المرشح الأوفر حظا للفوز بالسباق الرئاسي ، لكي تظل أوغندا تعيش بين الديكتاتورية و الديمقراطية.‏

2006-10-30