ارشيف من : 2005-2008

موريتانيا:الدولة النفطية العاشرة في أفريقيا

موريتانيا:الدولة النفطية العاشرة في أفريقيا

كتب توفيق المديني‏

أصبحت موريتانيا مع بداية هذه السنة البلد النفطي الإفريقي العاشر، منتجة ثلاثين مرة أقل من المنتج الأول في القارة الإفريقية:نيجيريا، وحوالي المقدار عينه للكاميرون (80000برميل يوميا)، و أكثر من تونس (67000برميل يوميا).‏

وهكذا تعيش موريتانيا على إيقاع الأخبار الطيبة ، التي هي بالأساس اقتصادية ونفطية على وجه التحديد، بعد أن سجلت نمواً سنوياً يتراوح بين 4 و5 في المئة منذ العام 1993. فقد أصبح شبه مؤكد ان البلاد تمتلك مخزوناً نفطياً بحدود 300 مليون برميل في المناطق الساحلية. حتى انه تم استحداث وزارة للنفط أواخر آذار 2005، وتسعى نواكشوط حالياً للانضمام الى منظمة الاوبك. وقد أُعلن رسمياً عن البدء في استغلال النفط نهاية العام 2005، حيث يُتوقع أن يصل انتاجه في حقل "شنقيط" (50 كلم غرب العاصمة) في المرحلة الأولى الى 75 ألف برميل يومياً(4 ملايين طن سنويا) بداية من هذه السنة و على مدى تسع إلى عشر سنوات، آخذين بعين الاعتبار المعارف و التقنيات الحالية، على أن يصل بحلول عام 2007 إلى ما يقرب من 250 ألف برميل يومياً بعد استغلال حقل "ولاتيا". إضافة إلى ذلك من المتوقع أن يتم استخراج 400 ألف برميل يومياً ابتداء من عام 2009 من ثلاثة حقول أخرى، هي "تيوف" و"تيفت" و"مرو". ما يعني أن دخل البلاد من الثروة النفطية سيتجاوز مليار ونصف مليار دولار... ربما تنعدم حينها الحاجة إلى "هِبات" تل ابيب!‏

ويبدو المستقبل واعدا ، إذا آمننا بالأخبار الطيبة من الشركات العشرين التي تشارك في التنقيب على الذهب الأسود في الأحواض البحرية أو الأرضية.فإذا كان هناك قطاع تحوم حوله الشكوك فهو قطاع النفط: إذ توجد حقول للنفط على عمق 2000متر، و بداية ضخها هي دائما يعاد تقديرها بدلالة نمط و آليات استخراج النفط.‏

وتذكر التقديرات أن الاحتياطات النفطية تتراوح ما بين 3 إلى 5مليارات برميل / أي ما يعادل ( نفط خام و غاز طبيعي).و تعطي التقديرات إنتاجا بنحو 250000 إلى 300000 برميل يوميا مع بداية 2010، أي ما يعادل إنتاج الغابون أو كونغو برازافيل في الوقت الحاضر.لأنه بعد حقل "شنقيط" يوجد "تيوف"، وهو حقل أكبر عشر مرات من الحقل الأول : أكثر من مليار برميل من الاحتياطات ، مقابل 123 مليون برميل ل"شنقيط". ثم يأتي لاحقا الغاز الطبيعي في حقل باندا، المجاور لحقل "شنقيط"، و الأمر عينه لحقل"تيفت"(نفط) .‏

وهكذا ، حلَت البركة على موريتانيا، هذا البلد العربي المعروف حتى الوقت الحاضربكثيباته الرملية وتموره، و مناجم الحديد(من 10 إلى 11 مليون طن، تجلب إلى خزينة الدولة من 200 إلى 250 مليون دولارسنويا)، وثرواته السمكية ( المستغلة في جوهرها من قبل صيادي الاتحاد الأوروبي، مقابل إتاوة بنحو 110 مليون دولار سنويا).‏

ويعود الفضل في اكتشاف النفط في موريتانيا إلى الأسترالي ماكس دو فياتري ، بوصفه مستكشفا مستقلا، كان معنيا في ذلك الوقت بمناجم الذهب، حين وقع بين ايديه في عام 1994، أرشيف وزارة الصناعة و المعادن الموريتانية . وقبل أن يذهب في البحث عن الوثائق الكاملة في المقر عينه للشركات الأم في هيوستون، ولندن، و باريس، أنفق بضع ألاف الدولارات ، التي ستتحول بعد عشر سنوات إلى ملايين الدولارات.‏

وهكذا بدأت مغامرة التنقيب عن النفط في موريتانيا: إذ تمت إعادة رسم الخريطة النفطية، و تم تحديد مناطق التنقيب ، و بدأت الشركات المهتمة تتوافد على البلاد.‏

و خلال هذا الوقت ، كانت أسعار النفط في تصاعد مستمر، إذ ارتفعت من 20، 30، و حتى 40 دولار.. وأصبح كل شيء ممكن. و كانت أول شركة ـ و ليومنا هذا – التي جاءت للبلاد في عام 1998: هي الاسترالية وودسايد للنفط. فاكتشف النفط في 13 ايار/مايو 2001، على ساحل العاصمة نواكشوط بعرض 80 كيلومتر و بعمق عن سطح البحر بنحو 800 مترا، و بعمق في باطن الأرض بنحو 2600 مترا. وتأكدت هذه النتيجة الجيدة بحفر آبار جديدة ، بلغت كلفتها الانتاجية ما بين 10و 12 مليون دولار. و ما أن جاء شهر كانون الاول/ ديسمبر 2003 حتى أعلنت شركة وودسايد للنفط ان الابار أصبحت ممكن استثمارها تجاريا . و في ايار/مايو 2004، تم تقدير كلفة المشروع : الحد الأدنى من الاستثمارات بنحو 600 مليون دولار، و بلغت 750 مليون دولار في عام 2005.و أخذت الدولة الموريتانية حصة 12% من هذا الكونسورتيوم ، الأمر الذي يجعلها حاضرة في كل مراحل الأنشطة من الاستثمار إلى التسويق التجاري.‏

يقدر الخبراء أن تاثير الريع النفطي على الحياة الاقتصادية الموريتانية سيظهر خلال هذه السنة 2006. و حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي سيبلغ 26،9%مقابل 5،4% في عام 2005.وستبلغ مبيعات النفط ما بين 850 مليون دولار و مليار دولار(لنحو 6،18مليون برميل مصدر). وتعتزم الدولة تغذية الخزينة العامة من الضرائب و العائدات النفطية بنحو 350 مليون دولار، أي 10،5%من الإيرادات الإجمالية لعام 2006.و هذا ما جعل الحكومة الموريتانية في ظل النظام الجديد تقوم بزيادة رواتب الموظفين ، و البدء بتنفيذ المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت مجمدة بسبب نقص التمويل في السابق.‏

وتسعى الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جاهدة إلى استكشاف ثرواتها الطبيعية – المعدنية منها والنفطية على وجه الخصوص – من أجل استغلالها للنهوض باقتصادها الوطني ولتلبية ما يتوق إليه شعبها من حياة كريمة ورفاهية اجتماعية.ولذا وضعت الدولة تشريعا حديثا لاستقطاب المستثمرين في هذا القطاع، وأعدت عقودا نموذجية لتقاسم الإنتاج النفطي تناقش تفاصيل بنودها مع كل مستثمر على حدة، وبعد توقيع العقد معه يعرض على البرلمان للمصادقة عليه.‏

وقد تم تعميم هذه النصوص ونشرها على نطاق واسع ليتسنى للشركات المهتمة الإطلاع عليها والتصرف عن بينة.وفي هذا السياق أبرمت شركة وودسايد مع الدولة الموريتانية عقودا لتقاسم الإنتاج في المناطق (أ) و(ب) و(ج) من الحوض الساحلي، وقد تم التوقيع على كل هذه العقود من قبل الطرفين – الدولة والمستثمر – قبل مصادقة البرلمان عليها، كما يملي ذلك القانون.وهكذا فإن شركة وودسايد كانت على علم تام بما يحكم العقود من نصوص وما يضبط إعدادها من مساطر إجرائية بدءا بإذن الحكومة للوزير المختص في توقيعها وختما بمصادقة البرلمان عليها بعد ذلك التوقيع.‏

وعلى الرغم من ذلك تتذرع اليوم شركة وودسايد بأربعة ملحقات لعقود تقاسم الإنتاج النفطي تلوح بها للتملص من جزء كبير من التزاماتها تجاه الدولة الموريتانية، وقد أعدت تلك الوثائق خرقا للقانون والنظم والأعراف المعمول بها.‏

ويتعلق الأمر بما سمي تكلفا:‏

* ملحق التمديد 1 لعقد تقاسم الإنتاج في المنطقة (ب)‏

* ملحق التمديد 2 لعقد تقاسم الإنتاج في المنطقة (أ)‏

* ملحق التمديد 1 لعقد تقاسم الإنتاج في المنطقة (ج) المقطع 2‏

* ملحق التمديد 1 لعقد تقاسم الإنتاج في المنطقة (ج) المقطع 6‏

ولما بلغت الحكومة بوجود هذه الوثائق، قامت على الفور بإجراء التحريات الإدارية اللازمة لمعرفة ملابسة إعدادها ولتحديد ما يترتب عليها من أثر.‏

وقد بين البحث أن الملحقات المزعومة انطوت على تجاوزات بالغة للقانون وأن العمل بما ورد فيها يلحق ضررا جسيما بالمصالح الوطنية.ومن بين ما اكتنف هذه الوثائق من مخالفات للقانون نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:‏

1) لقد صدر القانون الذي يدعى، زعما، أنه سمح بالمصادقة على الملحقات الأربعة في 1 شباط/فبراير 2005 ولصحة هذا الزعم يفترض أن يكون التوقيع على العقود من قبل الطرفين تم قبل التاريخ المذكور أعلاه بل قبل عرض مشروع القانون على البرلمان، بينما ورد في الملحقات المذكورة أن توقيع ممثل شركة وودسايد لها لم يجر إلا في 14 شباط/ فبراير 2005 ولم يمض الوزير على اثنين منها إلا في آذار/مارس 2005.وأغرب من ذا وذلك أن شركة وودسايد ظلت حتى 15 آذار/مارس 2005 تتبادل الرسالة تلو الأخرى مع وزارة الصناعة والمعادن لتوقيع نفس الملحقات التي تدعي اليوم أنه تم التوقيع عليها أسبوعين أو شهرا قبل ذلك.‏

ومهما يكن من أمر فإن الحكومة الموريتانية ستتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العليا للبلاد كما صرح بذلك رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية رئيس الدولة.‏

خاص الانتقاد.نت ـ 27 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30