ارشيف من : 2005-2008

زيارة ثاباتيرو لسبتة ومليلية: لماذا افتعال الأزمة مع المغرب؟

زيارة ثاباتيرو لسبتة ومليلية: لماذا افتعال الأزمة مع المغرب؟

كتب توفيق المديني‏

بدأ رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو زيارة يوم الثلاثاء 31 كانون الثاني/ يناير 2006 إلى جيبي سبتة ومليلة اللذين تطالب بهما المغرب هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسباني منذ 25 سنة.‏

والتقى في مليلة رئيس الحكومة المحلية المحافظ خوان خوسيه ايمبرودا، وتباحث معه في الهجرة والبنى التحتية، لا سيما في مشروع إنشاء خط بحري سريع بين الجيب الواقع في شمال إفريقيا والقارة الأوروبية.‏

وثاباتيرو هو أول رئيس وزراء إسباني يزور هذين الجيبين الواقعين على الحدود مع المغرب بعد أدولفو سواريث في أيلول/سبتمبر 1980. ولم يزر الملك خوان كارلوس وولي عهده الأمير فيليبي قط المدينتين.‏

وقد ألقت الزيارة الى مدينة مليلية التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب، ظلالاً سلبية على مستقبل العلاقات بين الرباط ومدريد، اقلها إثارة حساسيات يتجنب البلدان الصديقان الخوض فيها في الوقت الحالي.‏

ووصف الاتحاد الاشتراكي المغربي الذي تربطه علاقات تقليدية بالحزب الاشتراكي العمالي الاسباني الزيارة بأنها "تعاكس المستقبل"، في إشارة الى الاتجاه الايجابي الذي طبع العلاقات بين الرباط ومدريد منذ تولي الحزب الاشتراكي الحكم في إسبانيا في آذار/ مارس 2004. وكتبت صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" ان زيارة ثاباتيرو للمدينتين المحتلتين "تضع صديقنا في تناقض مع سياسة الجوار والتفاهم"، مضيفة ان رئيس الوزراء الاسباني "وهو يشارك المغاربة بناء حوض متوسطي منزوع الصراعات، لا بد لبلده ان يُقر بالسيادة المغربية على مدينتينا لأسباب تاريخية وأخرى حاضرة".‏

ويرى الاشتراكي المغربي انه من المنطقي والتسلسل المعقول أن يدفع ثاباتيرو باتجاه تفكيك الاحتلال عوضا عن تكريسه، وان اسبانيا الحديثة اذا كانت قد صنعت نموذجها الديمقراطي الناجح، واستطاعت بشجاعة مشهودة أن تقطع مع تركة فرانكو الدكتاتورية، فهي مطالبة اليوم بمبررات إنسانية وحضارية أكبر، بالقطيعة نفسها مع تركة ضارية في القدم والعهد الكولونيالي.‏

وكان للانتصار الكاسح الذي حققه الحزب الاشتراكي العمالي في الانتخابات الاسبانية في 14آذار/ مارس 2004 وقع إيجابي على المغرب الذي شهدت علاقاته مع إسبانيا في ظل حكم اليمين المتطرف الذي يتبناه "الحزب الشعبي" عدة أزمات وتوترات. وكان رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس رودريغز ثاباتيرو قد خصّ المغرب بأول زيارة خارجية له في 24 نيسان/ أبريل 2004، بعد نحو شهر واحد على استلامه رئاسة الوزراء في أعقاب تفجيرات مدريد في 11 آذار/ مارس 2004. وقد سبقه في هذا التقليد عدد من رؤساء الوزراء الاسبان.‏

واكتست تلك الزيارة أهميتها من العديد من النقاط لعل في مقدمتها أنها بدت وكأنها محاولة من الحكومة الإسبانية الجديدة لطي صفحة التوتر في العلاقات الذي دام طوال فترة الحكومة السابقة، وكان الحزب الاشتراكي الإسباني يتخذ موقفاً معارضاً لسياسة تسخين العلاقات التي انتهجتها حكومة الحزب الشعبي برئاسة خوزيه ماريا أثنار، الأمر الذي دفع الأخير إلى اتهام ثاباتيرو بأنه "جاسوس" بسبب مواقفه المناهضة لهذه السياسة التي وصلت إلى ذروتها في الأزمة التي كادت تتطور إلى مناوشات عسكرية بين الجانبين على خلفية الأزمة حول جزيرة "ليلى".‏

وتزامنت زيارة ثاباتيرو مع حدوث تحول في السياسة الإسبانية تجاه مسألة الصحراء الغربية عبر عنه رئيس الوزراء الإسباني نفسه عندما قال إن بلاده تتبنى موقفاً إيجابياً وبناءً من أجل التوصل إلى اتفاق كبير في شأن الصحراء، وإن الأطراف مدعوة للدخول في حوار مكثف من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق كل منهما، وإنه لا تعارض بين حقوق مختلف الأطراف، ويمكن التوفيق بينها في إطار هذا الاتفاق. وهذا الموقف يعد اقتراباً إسبانياً واضحاً من الموقف المغربي، في الوقت الذي كانت فيه السياسة الإسبانية السابقة تتبنى فكرة الاستفتاء، الأمر الذي اعتبره المراقبون اقتراباً من الموقف الجزائري من جهة، وسبباً من أسباب تشدد جبهة بوليساريو من جهة ثانية، ومتناغما مع الموقف الأمريكي الذي يسعى إلى عدم استقرار الأوضاع في منطقة المغرب العربي من جهة ثالثة.‏

كما انتهج رئيس وزراء إسبانيا الجديد "خوزيه رودريجيس ثاباتيرو" نهجا جذريا في السياسية الخارجية الإسبانية، بدءا بسحب القوات الإسبانية من العراق، وتجسيد القطيعة مع نهج سلفه أزنار، وانتهاء بتبني نهج يقوم على أهمية نسج علاقات قوية وسليمة مع المغرب، على اعتبار أن مدريد تسعى إلى تنقية الأجواء، وتأمين شروط شراكة استراتيجية مع الجار الجنوبي، وبالتالي تبديد الغيوم القاتمة التي خيمت على التفاهم بين البلدين، بسبب الملفات العالقة بين الرباط ومدريد، وهي ملفات عديدة ومتنوعة، ومعقدة، وكادت تصل إلى حدود النزاع المسلّح عندما لجأت إسبانيا إلى الخيار العسكري لطرد أفراد من الجيش المغربي من جزيرة ليلى (برخيل ـ البقدونس) ، في صيف العام 2002، لولا حصول مفاوضات في اللحظة الأخيرة لفضّ الاشتباك.‏

وليس خافيا على أحد أن هناك مشاكل قائمة بين المغرب وإسبانيا، مشاكل طبيعية بين كل بلدين متجاورين، مثل الهجرة غير الشرعية، حيث يتدفق المهاجرون الأفارقة على وجه الخصوص، الذين يتخذون من الأراضي المغربية محطة عبور نحو شبه الجزيرة الإيبرية وجنوب أوروبا، ومشاكل التهريب و المعاملات التجارية، والتعاون الأمني، ومشاكل تتعلق بتصفية الإستعمار، و منها ملف الصحراء، و مدينتي سبتة و مليلة المحتلتين منذ سقوط الأندلس وهما العقدة المعقدة بين البلدين ، وانتهاء بمعاودة فتح ملف الصيد البحري الذي كان احد أسباب تأزيم العلاقات بين البلدين في ظل حكومة خوسيه ماريا اثنار السابقة.‏

من المؤكد ان زيارة ثاباتيرو لجيبي مليلة وسبتة ، أظهرت خيبة أمل كبيرة في المغرب، إذ لم تتردد جمعيات عدة من تنظيم مظاهرات قرب المدينتين، رفعت فيها شعارات منددة بالاحتلال الاسباني ومطالبة بتحرير المدينتين كما اعتبرت مجمل القوى السياسية المغربية أن الزيارة تسير عكس ما يطمح اليه البلدان من تفاهم وحسن جوار وتعاون بناء قائم على شراكة استراتيجية، وتضع ثاباتيرو في تناقض مع سياسة حسن الجوار، وإعادة النظر في الاشتراطات الاستعمارية السابقة التي تحكمت في علاقات الجانبين.‏

2006-10-30