ارشيف من : 2005-2008
مع تزايد أهمية الغاز كأداة في سياستها :إيران حلقة مفصلية هامة في نجاح السياسة الروسية
تتسارع الأحداث في المنطقة المسماة في كل النظريات الجيوسياسية بـ (قلب العالم) والتي تشمل جغرافيا روسيا وأوروبا وآسيا الوسطى بما في ذلك أفغانستان وإيران التي أصبحت محور تنافس على درجة عالية من السخونة، ودرجات حرارته آخذة بالارتفاع على خلفية إصرار طهران بأن تمتلك الطاقة النووية كحق طبيعي تنص عليه القوانين الدولية. وفي الشق الغربي من (قلب العالم) هناك الأزمة المستمرة بين روسيا وجاراتها بشأن الغاز الروسي وزيادة أسعاره، والجديد في هذا الشأن أن روسيا تمكنت من تثبيت مواقعها في آسيا الوسطى وصولاً إلى تركمانيا، أهم مصادر الغاز لأوروبا مع احتمال مساهمتها في بناء أسطول بحري تركماني في قزوين. وبينما هو الوضع على هذا النحو تعلن موسكو عن عثور جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (الاسم الروسي للكي جي بي) على حجر وُضعت فيه أجهزة إرسال واستقبال استخدمه دبلوماسيون بريطانيون للتجسس على روسيا.
هذه هي بعض الملفات الرئيسية التي يتوجب على الدبلوماسية الروسية أن تتعامل معها بحنكة وذكاء لأن النتائج السلبية في أي ملف منها سيكون له آثاره الجسيمة على مستقبل روسيا كقوة كبرى. فبالنسبة للملف الإيراني ما زالت روسيا تعلن أنها ستعمل على رفض إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، لكن وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل بعض التصريحات التي أطلقها دبلوماسيون روس عشية فك إيران الأختام عن مواقع نووية، حيث صرح ناطق باسم الخارجية أن بلاده تشعر (بخيبة أمل) حيال القرار الإيراني المذكور، أما كونستانتين سوكاتشوف رئيس اللجنة البرلمانية للشؤون الدولية فقد صرح بأن ((إيران تدفع بقرارها نحو عقوبات دولية)) وأضاف ((إن موقف روسيا لن يكون مختلفاً عن موقف أعضاء مجلس الأمن الآخرين)).
هذه التصريحات أدت إلى تكوين انطباع لدى البعض في البيت الأبيض وفي وسائل الإعلام الغربية بأن روسيا ستغير موقفها من إيران. إلا أن الأغلبية من المتابعين لسياسية روسيا الخارجية في عهد بوتين نظروا إليها على أنها مجرد مسايرة للغرب من أجل الحفاظ على باب مفتوح للحوار يبقى فيه لروسيا دور يمكنها من تأمين الحماية المطلوبة لطهران. ويمكن اعتبار رفض وزير الدفاع الروسي سرغيه إيفانوف الربط بين صفقة صواريخ (TOR-M) والملف النووي الإيراني مؤشر على حقيقة الموقف الروسي من إيران. في الإطار ذاته يمكن إضافة ما قاله الوزير لافروف بأن ما قامت به إيران من فك للأختام لا يتعارض مع القوانين الدولية.
ومع كل ما سبق ذكره في أكثر من مقالة وبحث عن الأسباب الموضوعية التي تدفع إلى الاعتقاد بأن روسيا لن تغير موقفها من الملف النووي الإيراني، يمكن إضافة سبب أو عنصر حساس يقوي من صحة هذا الاعتقاد. السبب الإضافي على علاقة مباشرة بالسياسة الغازية الروسية والأهداف الاستراتيجية لهذه السياسية. في هذا السياق لا بد من وقفة عند حدثين رئيسيين، الأول: زيارة الرئيس التركماني إلى موسكو والاتفاق بينه وبين بوتين بشأن الغاز التركماني، والثاني: بيع أوزبيكستان غازها لروسيا وانضمام هذه الجمهورية إلى منظمة (يفرو أسيا) الاقتصادية إلى جانب روسيا وبيلاروسيا وكازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان .
ويبدو أن روسيا التي ما زالت تجري محادثات مع الجانب التركماني لوضع سياسة غازية تخدم المصالح الاقتصادية لتركمانيا والجيو- سياسية والاقتصادية لروسيا، إضافة إلى شرائها للغاز الأوزبيكي، إنما تسعى إلى تثبيت مواقعها الاقتصادية والسياسية في آسيا الوسطى وفي حوض منطقة قزوين. ولعل علاقاتها الطيبة مع كازخستان واحتمال دخولها بقوة أكبر إلى تركمانيا، خطوات ستجعل حوض قزوين منطقة نفوذ روسية بلا منازع. فكل دول حوض قزوين حليفة لروسيا باستثناء أذربيجان التي ما زالت تلتزم سياسة حيادية – إلى حد ما - بين موسكو وواشنطن.
في هذا الإطار تشكل العلاقات التعاونية الإيجابية، والشراكة الروسية –الإيرانية أهمية كبيرة للاستراتيجية الروسية لعدة أسباب، وهي:
1- تحتل إيران المرتبة الثانية من حيث القوة العسكرية البحرية في قزوين والحفاظ على الصداقة مع هذه القوة سيؤمن الاستقرار الذي تنشده روسيا لمنطقة قزوين، ويخفف من احتمالات تقوية واشنطن لنفوذها هناك.
2- إن روسيا التي أصبحت شبه مسيطرة على الكميات الأكبر من الغاز في آسيا الوسطى، إضافة إلى ما تنتجه هي من غاز ونفط، بحاجة ماسة إلى طرق تصدير، وهنا يمكن أن تلعب إيران دوراً هاماً في تصدير روسيا للطاقة إلى دول العالم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا ومنذ نشوئها كدولة كانت تسعى لإيجاد مخارج نحو البحار الدافئة وتحديداً نحو الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط. وإيران بموانئها الاستراتيجية على الخليج العربي هي المخرج الأفضل لمنطقة قزوين وآسيا الوسطى نحو البحار الدافئة.
3- إيران الدولة القوية في منطقة الخليج العربي سيكون لها دور هام في إقامة روسيا لعلاقات إيجابية مع دول المنطقة التي زودت العالم بالنفط منذ أكثر من نصف قرن.
ولعل دول الغرب تشعر بأن التعاون الروسي – الإيراني المتعدد الأوجه، والارتقاء في العلاقة بين البلدين إلى التحالف والشراكة يشكل تهديداً للغطرسة الأمريكا-أوروبية. وحسب الغارديان( ) في تعليق على قضية الجواسيس البريطانيين في موسكو ((فإن الحكومة البريطانية ترغب بمعرفة ما الذي تقوم به روسيا في المجال النووي وما هو موقفها الحقيقي من الملف النووي الإيراني، وكيف ستستخدم الغاز كأداة في سياستها)).
هذه هي هواجس الغرب وفي كلا المجالين تلعب إيران دوراً مفصلياً في تحقيق روسيا للنجاح في مساعيها. إن كل الدراسات قديمة العهد والحديثة تؤكد أن الجهة الصديقة لإيران ستملك الفرص الأكبر في أن تكون صاحبة نفوذ واسع على (قلب العالم)!
طه عبد الواحد
كاتب صحافي مختص بالشؤون الروسية
"> href="mailto:[email protected]">[email protected]
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018