ارشيف من : 2005-2008

الفرقاء السياسيون في العراق بين الاستحقاقين الانتخابي والوطني

الفرقاء السياسيون في العراق بين الاستحقاقين الانتخابي والوطني

بغداد- عادل الجبوري‏

من الصعب جدا التنبوء بما يمكن ان تؤول اليه المفاوضات المتعددة الاطراف بين مختلف الكيانات والتيارات السياسية العراقية بشأن تشكيل الحكومة المقبلة بأطارها العام الشامل وما يرتبط بها من استحقاقات تتفاوت في مضامينها وطبيعتها ومستوياتها بين هذا الطرف وذاك.‏

ومثلما يقول كاميران قرداغي الناطق الرسمي بأسم رئيس الجمهورية جلال الطالباني في تصريحات صحفية له يوم الاثنين الماضي ان المفاوضات لم تبدأ حتى الان بصورة جدية ورسمية بأنتظار ان يسمي الائتلاف العراقي الموحد مرشحه لرئاسة الوزراء خلال ايام قلائل.‏

واذا كانت المفاوضات والمباحثات "الرسمية والجدية" مثلما يصفها قرداغي لم تنطلق بعد فأنها في واقع الامر بدأت من الناحية الفعلية حتى قبل ان تعلن المفوضية العليا المستقلة النتائج النهائية غير المصادق عليها في العشرين من شهر كانون الثاني – يناير الماضي عبر قنوات متعددة.‏

ومأدبة الغداء التي اقامها السيد عبد العزيز الحكيم زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد على شرف رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني يوم الاربعاء الماضي وحضره عدد كبير من زعماء وممثلي الكيانات السياسية واعضاء مجلس النواب الجديد اعتبر بنظر بعض المراقبين السياسيين نقطة الشروع الحقيقية المعلنة لصياغة معالم وملامح المرحلة السياسية الجديدة. وجاء اللقاء الموسع المماثل في مقر رئيس الجمهورية يوم امس الخميس استمرارا وتفعيلا للمباحثات والمفاوضات.‏

ومع ان هذين الاجتماعين الموسعين شهدا طرح تصورات ورؤى الائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني بشأن ترتيبات المرحلة القادمة، الا ان ما تسرب منهما اشار الى لقاءات خاصة محدودة بين زعماء وشخصيات سياسية مثل جلال الطالباني والسيد عبد العزيز الحكيم ومسعود البارزاني وابراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي ومحسن عبد الحميد واياد السامرائي وصالح المطلك واخرين جرت على هامش الاجتماعين تم خلالها البحث في اليات تشكيل الحكومة المقبلة وتشخيص الاطر والملامح العامة لبرنامجها السياسي المفترض.‏

وفي الوقت الذي لم يدخل الفرقاء السياسيون في البحث بالتفاصيل والجزئيات فأن الحديث عن الاستحقاقين الانتخابي والوطني هو المهيمن الان على ما سواه لانه على ما يبدو يعد المدخل الذي لامناص منه للسير في طريق تشكيل الحكومة.‏

الكيانات والتيارات والشخصيات الساعية الى العمل وفق مبدأ الاستحقاق الوطني - وهي اما حصلت على عدد غير كبير من مقاعد مجلس النواب الجديد او انها لم تحصل على شيء منها – اخذت تتحرك بوتائر متسارعة لتشكيل كتلة برلمانية تستطيع ان تفرض خياراتها ومطاليبها على القوائم والكتل الاكبر.‏

فجبهة التوافق العراقية التي جاء ترتيبها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة ثالثا بعد الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني اتجهت الى التحالف مع كل من القائمة الوطنية العراقية بزعمة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي وقائمة جبهة الحوار الوطني العراقي بزعامة صالح المطلك .‏

وهذه الكتلة التي ستكون الثانية بعد الائتلاف تحت قبة مجلس النواب الجديد يتوقع ان تحصل مجتمعة على ثمانية مقاعد وزارية في الحكومة المقبلة اضافة الى منصب احد نائبي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.‏

وبما انها تطالب بالعمل وفق الاستحقاق الوطني اكثر من الانتخابي فأنه من المحتمل ان تبادر الى التنازل عن جزء من حصتها في الحكومة لصالح تيارات وشخصيات لم تنجح في الحصول على مقاعد لها في البرلمان ، وفي ذات الوقت قريبة منها ومنسجمة معها سياسيا وفكريا ، وربما مذهبيا وطائفيا ، وفي مقابل ذلك فأنها ستحث القوائم والكتل الاخرى كالائتلاف والتحالف على التنازل عن جزء من حصتيهما في الحكومة لصالح الاستحقاق الوطني.‏

وفي هذا السياق فأن بعض المصادر تتوقع ان ينزل الائتلاف العراقي الموحد الذي يصر على تشكيل الحكومة استنادا للاستحقاق الانتخابي عند مطالب دعاة الاستحقاق الوطني في حدود معينة ، ولكن ربما يحرص على ادخال بعض الشخصيات التي خرجت منه وقررت خوض الانتخابات البرلمانية في قوائم اخرى في الحكومة الجديدة، سيما وانه – أي الائتلاف – يتجه ضمن مبادئه العامة الى العمل على استيعاب تلك الشخصيات وعدم تهميشها وتغيبها بالكامل عن المشهد السياسي العام.‏

اما التحالف الوطني الكردستاني فيبدو انه يسعى الى الامساك بالعصا من الوسط ولعب دور الوسيط التوفيقي بين اصحاب المواقف والاتجاهات المتباينة، وهو بحسب ما صرح احد اعضاءه والقيادي البارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فؤاد معصوم بأنهم على استعداد للتخلي عن جزء من مقاعدهم الوزارية لصالح كيانات سياسية اخرى لضمان اوسع تمثيل في الحكومة المقبلة.‏

واذا كان امر التوصل الى صيغ توافقية عامة ممكنا في الاطار العام بين الكتل والكيانات السياسية فأن التوصل الى توافقات واتفاقات في داخل الكتل والكيانات نفسها سيستغرق وقتا غير قليل، وربما ستجد الكتلة الجديدة المشكلة من جبهة التوافق العراقية والقائمة العراقية وجبهة الحوار الوطني العراقي نفسها امام مشكلة كبيرة تتمثل بطريقة تقاسم حصة الكتلة ، مضافا الى ذلك فأن اعضاء في جبهة التوافق العراقية والقائمة العراقية قد يجدون انفسهم اقرب الى طروحات الائتلاف والتحالف، وهذين الاخيرين هما بدورهما يفضلان التعامل مع عدد من الشخصيات السياسية المعتدلة والمتوازنة في جبهة التوافق والعراقية.‏

وانطلاقا من ذلك فأن هناك من يتوقع ان تحصل انشقاقات وتصدعات في الكتلة الجديدة – الجبهة والعراقية وجبهة الحوار الوطني- خصوصا وان التحركات المكوكية لبعض الشخصيات من الكتلة تفتقر الى ايقاع ثابت يمكن تشخيص وتحديد اتجاهاته ومدياته.‏

وقد يشهد الاسبوع المقبل، وتحديدا بعد تسمية الائتلاف العراقي الموحد لمرشحه لرئاسة الوزراء من بين اربعة مرشحين، تسارع وتيرة الحركة السياسية بأتجاهات مختلفة نحو بلورة صورة الحكومة العراقية المقبلة وبرنامجها وتشكيلتها.‏

2006-10-30